تركيا تتحول إلى طالبان.. من دون صفقة مطارات
تواصلت الحكومة التركية مع قطر وباكستان، اللتين تشتركان ليس فقط في الصلات الأيديولوجية مع الحكومة التركية، ولكن أيضًا في العلاقات الوثيقة بطالبان، كما اتجهت أنقرة إلى المجر لطلب التعاون في تأمين مطار كابل

ترجمات - السياق
ذكر عضو سابق في البرلمان التركي، أن أنقرة -تحت قيادة رجب طيب أردوغان- تحاول الظهور بأنها تؤمن بمعتقدات طالبان، لتحقيق بعض المكاسب على الأرض، منها: التدخل في أفغانستان، وبسط شروطها على الغرب، إلا أن ذلك ذهب أدراج الرياح، بعد إسراع طالبان في التحكُّم بالعاصمة كابل، قبل نحو أسبوعين من إتمام الانسحاب الأمريكي من أفغانستان المقرَّر في 31 أغسطس الجاري.
وقال أيكان إردمير، العضو السابق في البرلمان التركي، المدير الأول لبرنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في مقال بموقع Balkan Insight: "كان عرض تركيا في يونيو الماضي، لتأمين وإدارة المطار الدولي في العاصمة الأفغانية، فرصة فريدة لأنقرة، لبسط شروطها على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي".
ومع ذلك، منذ أن قدَّم أردوغان العرض لأول مرة، إلى نظيره الأمريكي جو بايدن، في 7 يونيو، أدى صعود طالبان السريع في أفغانستان، إلى نسف خطة الزعيم التركي.
ثم جاء عرض أردوغان اللاحق، في 11 أغسطس الجاري، للقاء قادة طالبان في تركيا، محاولة لإنقاذ اتفاقه مع بايدن، لكن هذه الخطوة كثَّفت معارضة الأتراك الصريحة، لسياسة الرئيس التركي في أفغانستان.
وأضاف إردمير، أن أن اتفاق أردوغان مع أفغانستان "بدا يعد بعائد مرتفع على الاستثمار للحكومة التركية"، كما قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في 23 يونيو الماضي، فإن أنقرة لم تلتزم بنشر قوات إضافية في أفغانستان، إلى جانب الـ 500 المتمركزين هناك بالفِعل.
وبحسب ما ورد، لم تكن تركيا على استعداد، للقيام بأي مهمة قتالية خارج المطار، ورفضت توفير الأمن للقوافل الدبلوماسية، التي تتنقل بين البعثات الخارجية لكابل والمطار، كما طالب أردوغان بمساعدة "دبلوماسية ولوجستية ومالية" من واشنطن.
تحذير طالباني
وقال إردمير: "قبل أربعة أيام من تفاوض أردوغان على صفقة أفغانستان مع بايدن ، أصر المتحدث باسم طالبان، على أن تركيا يجب أن تسحب جميع قواتها من أفغانستان، بحجة أن مثل هذه الخطوة، ستكون متسقة مع شروط اتفاق فبراير 2020 بين واشنطن وطالبان، من أجل انسحاب القوات الأمريكية".
الشهر الماضي، ذهبت طالبان إلى حد إصدار تحذير، بأنها ستنظر إلى القوات التركية على أنها محتلة، وتعلن "الجهاد" ضدها.
في المقابل، تراوح رد أنقرة على تهديدات طالبان، من التقليل من جدية هذه التهديدات، إلى البحث عن حلول تلطف الأجواء، ورفض مسؤول تركي تهديد الجماعة المتشدِّدة بإعلان الجهاد، قائلًا: إن أنقرة لا تتوقَّع أن تتخذ طالبان "موقفًا عدائيًا".
بينما قال أردوغان للصحفيين في 20 يوليو الماضي: إن طالبان يجب أن تشعر بالراحة، لإجراء محادثات مع أنقرة، لأن "تركيا ليس لديها أي شيء يتعارض مع معتقداتهم".
ولتخفيف التوترات، تواصلت الحكومة التركية مع قطر وباكستان، اللتين تشتركان ليس فقط في الصلات الأيديولوجية مع الحكومة التركية، ولكن أيضًا في العلاقات الوثيقة بطالبان، كما اتجهت أنقرة إلى المجر لطلب التعاون في تأمين مطار كابل، بحسب الكاتب.
في غضون ذلك، وفي مواجهة المخاطر الأمنية المتزايدة في كابل، ورد أن أنقرة بدأت التحوط من رهاناتها، بالاستعداد لنشر نحو 2000 مرتزق سوري في أفغانستان، كما فعلت في الحملات العسكرية في سوريا وليبيا وناغورنو كاراباخ، بجنوب القوقاز.
وفي حين حذَّر تقييم استخباراتي أمريكي، تم تسريبه في 11 أغسطس الجاري، من أن طالبان قد تعزل كابل في غضون 30 يومًا، فإن العاصمة الأفغانية ومعظم أنحاء البلاد سقطت 15 أغسطس.
لكن في اليوم الذي تم فيه الإبلاغ عن تقييم المخابرات الأمريكية، قال مسؤولون أتراك كبار لـ "رويترز": إن أنقرة ما زالت تعتزم إدارة مطار كابل وتأمينه، الذي كان بعد أيام مسرحًا للفوضى، حيث حاول الأفغان الخائفون من وصول طالبان للحُكم الفرار، ونقلت "رويترز" عن مصدر تركي قوله: "العمل مستمر على أساس أن النقل سيحدث، لكن بالطبع الوضع في أفغانستان تتم متابعته من كثب".
وفي 12 أغسطس الجاري، خلال زيارة لباكستان، قال خلوصي أكار: بما أن البعثات الدبلوماسية الحالية في أفغانستان، ستنسحب إذا تم إغلاق المطار، فإننا مصرون على تنفيذ وجهة نظرنا، بأن المطار يجب أن يظل مفتوحًا مع تأمينه، معتبرًا أن الأيام المقبلة ستكشف أهمية هذه المشكلة دوليًا.
أحادية أردوغان
واكد النائب التركي السابق، أن خطط الحكومة التركية بشأن أفغانستان، لا تستند إلى أي مداولات داخل البرلمان التركي، ولا على أي إجماع، مشيرًا إلى أن ما سماها (أحادية أردوغان) ، التي ميَّـزت أيضًا عمله العسكري في سوريا وليبيا، أصبحت ممكنة مجددًا في أفغانستان، بسبب عدم وجود أي ضوابط وتوازنات ذات مغزى في البلاد، ولا رقابة من البرلمان أو وسائل الإعلام المستقلة، أو منظمات المجتمع المدني.
وأوضح أن القدرة على نشر القوات بسرعة، ومواصلة المهام الخارجية، رغم تزايد الخسائر التركية -وهي مرونة لا يتمتع بها نظراء أنقرة في حلف شمال الأطلسي- منحت حكومة أردوغان -حتى الآن- قوة تفاوضية فريدة، في العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف.
وأضاف الكاتب: رغم استمرار الضوابط والتوازنات التركية في التآكل بمعدل ينذر بالخطر، فإن انهيار الحكومة الأفغانية، والارتفاع المفاجئ في عدد النازحين الأفغان، الذين لجأوا إلى تركيا، والزيادة المقلقة في المشاعر المعادية للاجئين، عبر الطيف السياسي التركي، كل ذلك أعاق عمليًا قدرة الرئيس التركي، على المضي قدما في اتفاقه بشأن أفغانستان.
ففي 3 أغسطس الجاري، وفي سلسلة تغريدات، انتقد زعيم المعارضة في تركيا، كمال كيليجدار أوغلو، توصية أمريكية للأفغان الهاربين من هجمات طالبان الانتقامية، بالتماس اللجوء في بلدان أخرى، ومنها تركيا.
توافق أردوغان وطالبان
في غضون ذلك، فإن تصريح أردوغان بأن تركيا "ليس لديها ما يخالف" معتقدات طالبان وخططه للقاء قادة طالبان في تركيا، لا تزال تثير ردود فِعل سلبية، من الشخصيات المؤيدة للعلمانية في البلاد.
فقد انتقد العديد من أعضاء حزب الشعب الجمهوري العلماني، أردوغان لاقتراحه أن تركيا وطالبان تشتركان في القيم نفسها، وانتقد نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري الرئيس التركي لربط تركيا بالجماعات الإسلامية المتشدِّدة، بمن في ذلك "الإخوان المسلمون، وتنظيم داعش، وجبهة النصرة وطالبان ".
ورغم أن واشنطن تبدو كأنها تكتم انتقاداتها، لانتهاكات السياسة التركية الداخلية والخارجية والأمنية، في يونيو ويوليو، فإن إدارة بايدن خرجت من صمتها اعتبارًا من أغسطس، في إشارة إلى تجديد بايدن، التزام بلاده بالإبقاء على العقوبات المفروضة على تركيا، بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا.
وقال إردمير، إنه لا توجد حلول سريعة للعلاقات الأمريكية التركية، التي كانت على مسار تصادمي في مجموعة من القضايا، لكن مع وفاة اتفاق أفغانستان تقريبًا، سيكون من الحِكمة أن تشرك أنقرة واشنطن بحُسن نية، للتفاوض بشأن القضايا العالقة، بدلاً من الأمل في وضعها تحت سجادة أفغانية، لم تعد موجودة.