محادثات فيينا.. مطالب إيرانية غير واقعية وتحذير أمريكي بالانسحاب
أصر مسؤول كبير، على أن هدف الولايات المتحدة لا يتعلق بسياسة حافة الهاوية ولا بممارسة الألعاب، لكن هدفها إقناع المفاوضين الإيرانيين الجدد، بالتخلي عن التوقعات الخاطئة عما ستفعله الولايات المتحدة لاحتواء بلادهم

ترجمات-السياق
مع استئناف مفاوضات فيينا، بشأن عودة الاتفاق النووي الإيراني، بعد توقف استمر خمسة أشهر، يبدو المزاج السائد بين المفاوضين كئيباً، إن لم يمكن قاتمًا، كما يبدو أن واشنطن وطهران مستعدتان للمخاطرة بفشل هذه المحادثات، وهو ما يثير استياء أوروبا والدول الأخرى، التي ترعى هذه الخطوة الدبلوماسية.
ورصدت مجلة بوليتيكو الأمريكية، الأجواء الخاصة بالمحادثات التي تُستأنف اليوم في فيينا، بشأن الاتفاق النووي الإيراني، قائلة إن الإيرانيين يعرضون مطالب غير واقعية، ويثيرون غضب الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، كما يهدد الإسرائيليون بقصف المنشآت النووية الإيرانية، ويحذر الأمريكيون من أنهم على استعداد للانسحاب من المحادثات.
ليست المرة الأولى
وأضافت المجلة، في تقرير، أن العالم مر بالوضع الحالي من قبل، فمع تقدم إيران في برنامجها النووي قبل اتفاق 2015، كان هناك الكثير من سياسات حافة الهاوية الموجودة الآن، بما في ذلك إصرار إسرائيل على أنها ستستخدم القوة العسكرية لتدمير البرنامج الإيراني، لكن يمكن القول إن المخاطر أصبحت أكبر الآن، لأن البرنامج الإيراني الذي تصر طهران على أنه للأغراض السلمية، بات أكثر تقدمًا، كما أن القادة الإيرانيين باتوا أقل تفاؤلًا بفوائد التخفيف المحتمل للعقوبات.
ورأت المجلة، أن الولايات المتحدة لا تستطيع الاعتماد على الوحدة بينها وبين الدول الشريكة لها، بالقدر الذي كان موجوداً عندما توصلت لأول مرة إلى اتفاق نووي مع إيران عام 2015، لأن العلاقات الأمريكية مع الصين تدهورت في السنوات الأخيرة، كما تضررت العلاقات مع روسيا أيضًا.
ونقلت المجلة، عن محلل شؤون إيران في مجموعة أوراسيا هنري روما قوله: "من الصعب النظر إلى الوضع الحالي بنظرة غير قاتمة، فالتوقعات الخاصة بحدوث أي تقدم تبدو متدنية للغاية".
حافة الهاوية
وفي حديثه للمجلة، أصر مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لم تذكر "بوليتيكو" اسمه، على أن هدف الولايات المتحدة لا يتعلق بسياسة حافة الهاوية ولا بممارسة الألعاب، لكن هدفها إقناع المفاوضين الإيرانيين الجدد، بالتخلي عن التوقعات الخاطئة عما ستفعله الولايات المتحدة لاحتواء بلادهم.
وقالت المجلة: "طالما أكد بايدن أنه يريد استعادة الاتفاق الأصلي والتفاوض على اتفاق طويل الأمد، ومع ذلك يقول أعضاء فريقه إنهم لن يرفعوا العقوبات ما لم تعود إيران إلى الامتثال للاتفاق، وبالفعل تعمل الأخيرة، التي بدأت انتهاك اتفاق 2015 بعد عام من انسحاب ترامب منه، على زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، كما تراجعت تقديرات المدة التي ستستغرقها طهران لبناء قنبلة نووية، من عام بموجب اتفاق 2015 إلى بضعة أشهر أو حتى أسابيع".
وأشارت المجلة، إلى أن طهران كانت تتحرك في هذا الاتجاه، قبل أن تتولى حكومة متشددة جديدة الحكم هذا الصيف، لكن منذ ذلك الحين، زادت إيران من تشدد موقفها التفاوضي.
ونقلت المجلة عن دبلوماسي غربي مطلع على المفاوضات النووية قوله: "أعتقد أنه من المهم أن نفهم أن الهدف الرئيس للنظام الإيراني الجديد هو إبراز أنه قوي وعنيد، ولذا فإن الحسابات الاقتصادية الخاصة بالعقوبات، ليست مهمة في الوقت الحالي".
نفاد الصبر
وبحسب ما نقلت المجلة عن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، فإن المفاوضين الأمريكيين ليسوا متفائلين بتحقيق أي نجاح على المدى القريب، كما حذر وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومسؤولون أمريكيون آخرون، من أن صبرهم قد بات محدودًا، وأنهم لا يستبعدون اللجوء للعمل العسكري لعرقلة برنامج إيران النووي.
وتابعت: "ورغم ذلك فإن المسؤولين الأمريكيين لا يدخرون أي جهد للتعامل مع طهران دبلوماسيًا، وهو ما يُظهر للدول الشريكة والعالم أن واشنطن، وليست إيران، لديها النوايا الحسنة".
ولفتت المجلة إلى أنه حتى في حال استنتجت إيران والولايات المتحدة أن استعادة اتفاقية 2015 الأصلية مستحيلة، فإنه من غير المرجح أن تقوم إدارة بايدن بإزالة المناقشات الدبلوماسية من الطاولة، كما أنه من المرجح أيضاً أن يظل هذا الخيار قائماً، إذا كثفت الولايات المتحدة العقوبات، أو منحت الضوء الأخضر لمحاولات التخريب ضد البرنامج الإيراني.
وكشفت المجلة، أن هناك حديثًا عن اقتراح لعقد اتفاق مؤقت، وهو ما قد يتخذ أشكالًا عدة، بما في ذلك عرض تخفيف العقوبات المفروضة على إيران، مقابل التجميد أو التراجع الجزئي عن بعض تحركاتها النووية، لكن احتمالات التوصل إلى مثل هذا الاتفاق تظل منخفضة.
وأرجعت المجلة ذلك، إلى أن المسؤولين الإيرانيين يدركون جيداً أن تخفيف العقوبات الذي كان في اتفاق عام 2015، كان له تأثير إيجابي محدود في اقتصادهم أكثر مما كانوا يأملون، إذ لم يتحقق الاستثمار الأجنبي بالقدر الذي تريده إيران، لأن العديد من العقوبات الأمريكية غير النووية لا تزال سارية، ولأن الاقتصاد الإيراني يعاني مشكلاته الخاصة، بما في ذلك الفساد.
نفوذ أكبر
يقول المحللون إن القادة الإيرانيين قد يعتقدون أن متابعة المزيد من الأنشطة النووية، ستمنحهم نفوذاً أكبر على طاولة المفاوضات، بدلاً من الموافقة على اتفاق مؤقت، قد يكون تخفيفه الاقتصادي ضئيلاً في أحسن الأحوال.
من جانبه، قال مسؤول بارز في إدارة بايدن، إن الولايات المتحدة لا تضغط بشكل استباقي للتوصل إلى اتفاق مؤقت، لكنه اعترف بأنه من الممكن تبني هذا الخيار، ربما بناءً على طلب طرف ثالث. وأضاف المسؤول: "نفضل العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن سيكون من سوء التصرف الدبلوماسي، ألا نكون منفتحين على كل البدائل".
ويقول مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية، إن فريق بايدن يتحرك بالفعل نحو شكل من أشكال الخطط البديلة، لاستخدامها إذا انهارت المحادثات لاستعادة انهيار اتفاق 2015.
وقالت المجلة إنه لا يوجد إجماع على شكل هذه الخطة البديلة، لكن من المحتمل أن تعمل الولايات المتحدة على ضمان تكثيف الضغط الدبلوماسي والعقوبات على إيران، وانتظار النظام المتشدد حتى يتعامل مع اقتصاد البلاد المتعثر.
وأضافت المجلة: يبدو أن الحكومة الإيرانية، التي يقودها الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، تعتقد أنها قادرة على بناء "اقتصاد مقاومة"، رغم العقوبات، لكن المسؤول السابق في وزارة الخارجية يقول إنه إذا تمكنت الولايات المتحدة من ممارسة ضغوط كافية، قد يقرر النظام -بمرور الوقت- أنه يتعين عليه العودة إلى المحادثات.
ورأت المجلة، أن مثل هذا السيناريو المتصور يعكس في بعض النواحي خطة "الضغط الأقصى" التي كانت تتبناها إدارة ترامب، لكن فريق بايدن يبدو أكثر جدية بشأن تقديم مخرج دبلوماسي لإيران.
إقناع الصين
وقالت المجلة، إن مبعوث بايدن الخاص للمحادثات الإيرانية، روب مالي، ظل يضغط على الدول العربية، التي عارض بعضها اتفاقية 2015، لدعم العودة إلى الاتفاقية، قائلة: يبدو أنه حقق بعض النجاح.
وأوضحت المجلة، أنه من الصعب القول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستكون قادرة على إقناع الصين أو روسيا بزيادة الضغط على طهران، لكن التواصل الدبلوماسي مع الدول العربية، يشير إلى أن مالي وفريقه يفكرون في ما هو أبعد من المحادثات الحالية.
وفي غضون ذلك، تسبب المسؤولون الإيرانيون في فيينا، التي من المقرر أن تستأنف المحادثات فيها، في إزعاج السلطات هناك، حيث طالبوا بضمان ألا تشهد المحادثات أي تعطيل بسبب الاحتجاجات التي قد ينظمها معارضو الاتفاق، لذا فقد قررت النمسا نقل المحادثات إلى فندق قصر كوبورج، وهو المكان الأصلي الذي تم فيه إبرام الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، إذ إن هناك مساحة أكبر أمام الفندق الفاخر، ما يسهل حماية المكان واحتواء اضطرابات محتملة.
ونهاية التقرير، قالت "بوليتيكو" إنه حتى إذا أعادت المحادثات الجديدة ذكريات إيجابية عن الإبرام الناجح لصفقة 2015 التاريخية، فإن ثقة الجانبين في إمكانية تحقيق اختراق في الوقت الحالي، تبدو متدنية للغاية، حسب المجلة.