كيف قلب الغزو الروسي لأوكرانيا النظام العالمي؟
يشعر العالم بتداعيات الحرب، التي تؤثر في النمو الاقتصادي وسلاسل التوريد وقطاعي الغذاء والطاقة

السياق
على مدى مئة يوم منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، تزعزع الاستقرار في أوروبا وضعف الاقتصاد الدولي، وانقلب النظام العالمي رأسًا على عقب، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصر على المضي قدمًا في حملته، رغم تدهور الاقتصاد الروسي والإخفاقات العسكرية.
عزلة بوتين
قبل إطلاق روسيا الغزو، كان بوتين محاورًا دائمًا ولو فظًا للعواصم الغربية، حتى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استقبله في مقر إقامته صيف 2019.
لكن القادة الغربيين لا يترددون في وصفه بـ"الدكتاتور"، بينما بات الرئيس الروسي معزولًا وفُرضت عقوبات على مقرّبين منه مثل وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي كان يجري زيارات متكررة للغرب.
أما داخليًا، فيبدو أن بوتين يسيطر على الوضع، بل ويحظى بالدعم في حربه ضد أوكرانيا، رغم الشائعات المتكررة وغير المؤكدة المرتبطة بوضعه الصحي وعدم الرضا في صفوف المقرّبين منه.
إعادة رسم خرائط
فشلت روسيا في هدفها الأول، المتمثل بإطلاق هجوم خاطف أرادت من خلاله السيطرة على كييف، إذ واجهت مقاومة أوكرانية لم يتوقعها الكرملين.
مع ذلك، باتت القوات الروسية ترسّخ وجودها عميقًا في الأراضي الأوكرانية، بينما تبدو موسكو عازمة على انتزاع جميع أراضي منطقة دونباس الناطقة بالروسية.
سبق لروسيا أن أعادت رسم خرائط بشكل صارخ، من خلال ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية المطلة على البحر الأسود عام 2014، علمًا أن المجتمع الدولي لم يعترف بالخطوة.
لكن في وقت لا يبدو بوتين في عجلة من أمره للانسحاب، ما زالت أهدافه النهائية غير واضحة.
وإذا سقطت منطقة دونباس، يمكن أن يكون ميناء أوديسا الاستراتيجي غربًا "في خط النار"، وفق ما أفاد خبير الجغرافيا والدبلوماسي السابق ميشال فوشيه لوكالة فرانس برس، مؤكدًا أن "الفترة التي بدأت غير مواتية للأوكرانيين".
تحالفات روسية
بينما وقف الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة صفًا واحدًا نسبيًا (رغم اختلاف الاستراتيجيات) حيال الحاجة للضغط على روسيا، لم يكن هذا الموقف السائد على مستوى العالم.
لم تصدر أي إدانة صينية صريحة للهجوم الروسي، واستغلت موسكو عزلتها في الغرب، لتوطيد علاقاتها ببكين التي كانت مشحونة تاريخيًا منذ الحقبة السوفيتية.
وبدت الهند، التي تعد حليفة رئيسة لروسيا، خصوصًا في ما يتعلق بمبيعات الأسلحة، متحفظة أيضًا.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان حريصًا على عدم تقويض العلاقات مع موسكو رغم استخدام أوكرانيا لمسيّرات تركيا.
وذكر مدير برنامج الحوكمة والدبلوماسية الإفريقية لدى المعهد الجنوب الإفريقي للشؤون الدولية ستيفن غروزد أن معظم دول مجموعة "بريكس" للاقتصادات الناشئة كانت "مترددة للغاية" في إدانة الغزو.
وأفاد: "أعتقد أن هناك دولًا في إفريقيا تقول إنها تفضّل البقاء على الحياد مثل جنوب إفريقيا، لكن يفسّر ذلك بأنه دعم لروسيا في هذا الوضع".
"ناتو" مختلف
قبل 24 فبراير، كانت مسألة انضمام فنلندا والسويد غير المنحازتين تاريخيًا إلى حلف شمال الأطلسي، بعيدة عن سلم الأولويات السياسية للبلدين الاسكندنافيين.
لكن الآن، تقدّمت فنلندا التي تتشارك حدودًا برية مع روسيا، والسويد التي تعود خلافاتها البحرية مع موسكو إلى قرون، بطلبين للانضمام إلى "الناتو".
في الأثناء، أرسلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون آلاف الجنود الإضافيين، للمساعدة في حماية حدود دول "الناتو" مع روسيا في بولندا ودول البلطيق.
عقوبات تؤثر في العالم
اتفقت قوى العالم على عقوبات تعد الأشد ضد روسيا، فسعت إلى قطعها عن الجزء الأكبر من الاقتصاد العالمي وإيذاء بوتين سياسيًا.
لكن القيود تحمل خطر الإضرار بالمستهلكين خارج روسيا، التي تعد مورّدًا عالميًا رئيسًا للحبوب، وما زال الأوروبيون يعتمدون على إمداداتها من الطاقة، واتفق الاتحاد الأوروبي على حظر محدود على النفط الروسي، لكن الغاز سيمثّل خطوة أخرى.
ويشعر العالم بتداعيات الحرب، التي تؤثر في النمو الاقتصادي وسلاسل التوريد وقطاعي الغذاء والطاقة، وأثارت المخاوف من أزمة غذائية، خصوصًا في دول شمال إفريقيا، التي تعتمد على الواردات الروسية، بحسب غروزد.
وأشار إلى أن كل ذلك قد يؤدي إلى تداعيات تتمثل بـ"انتفاضات أو تظاهرات، لذا، حتى وإن كان ما يجري بعيدًا للغاية، هذا عالم مترابط، ويشعر به سكان جنوب الكرة الأرضية بالتأكيد"