أزمة بين بايدن وجمعية البنادق... من يفوز في معركة حظر السلاح بأمريكا؟

العديد من الخبراء أكدوا أن آفاق الإصلاح لا تزال قاتمة، وهي حقيقة تُعزى إلى التأثير الساحق للوبي السلاح

أزمة بين بايدن وجمعية البنادق... من يفوز في معركة حظر السلاح بأمريكا؟

السياق

جدل يتجدد في الولايات المتحدة الأمريكية، في أعقاب إطلاق النار الأخير على المدرسة في أوفالدي بولاية تكساس، الذي أسفر عن قتل 19 طفلاً ومُعلِّمتَين.

ذلك الجدل أصبح حديث الساعة في أمريكا، بعد أن دعا الديمقراطيون في الولايات المتحدة -بقيادة الرئيس جو بايدن- مرة أخرى إلى قوانين وطنية أكثر صرامة للأسلحة النارية، إلا أن العديد من الخبراء أكدوا أن آفاق الإصلاح لا تزال قاتمة، وهي حقيقة تُعزى إلى التأثير الساحق للوبي السلاح.

وبينما وعدت الرابطة الوطنية للبنادق، بالتفكير في المأساة بمؤتمرها الوطني في هيوستن، تكساس، في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن، في ساعة مبكرة من صباح الجمعة، لتأكيد ضرورة حظر السلاح وتقنينه في بلاده.

القاتل الأول

قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي وقف وخلفه 56 شمعة تمثل الولايات والأراضي الأمريكية، التي تعاني عنف الأسلحة، إن الحقوق الممنوحة من التعديل الثاني من الدستور الأمريكي ليست بلا حدود، مؤكدًا أن «الأسلحة هي القاتل الأول للأطفال في أمريكا».

وبينما أشار إلى تسعة أنواع من الأسلحة سُمح لها بأن تباع من جديد، ما أدى إلى زيادة عمليات القتل الجماعية، أكد ضرورة إبعاد هذه الأسلحة عن أيدي المجرمين، وتحري هوية مشتري السلاح.

وطالب بحظر بعض أنواع الأسلحة وتشديد القوانين لتجنُّب عنف السلاح، ورفع السن القانونية لشراء السلاح إلى 21 عامًا، وحظر بيع بنادق هجومية للأفراد.

رسالة للكونغرس

ووجَّه بايدن رسالة إلى الكونغرس الأمريكي، طالب فيها بـ«اتخاذ تدابير للحد من بيع السلاح»، مؤكدًا أن «الجمهوريين في مجلس الشيوخ لا يريدون مناقشة بعض المسائل الخاصة بتشديد قوانين حيازة السلاح».

وبينما تأتي كلمة بايدن بعد تسعة أيام على مذبحة مروعة راح ضحيتها 19 طفلًا ومدرستان بمدرسة في تكساس، أشهرت جمعية البنادق الأمريكية (لوبي الأسلحة في أمريكا) أسلحتها في وجه الرئيس الأمريكي، منتقدة تصريحاته عن حظر الأسلحة.

وتعهدت جمعية البنادق في أمريكا، في بيان ترجمته «السياق»، بمحاربة أي اقتراح ينزع سلاح الأمريكيين الملتزمين بالقانون، مشيرة إلى أنها ترفض الكفالة غير النقدية، التي تفرز نظامًا للعدالة من الباب الدوار، لا يعرض سوى المواطنين «الصالحين» للخطر.

وقالت الجمعية الأمريكية، التي تعد أشهر وأقوى لوبي للأسلحة في الولايات المتحدة، إنها تدعم السياسات الموضوعية والحلول التي من شأنها أن تحدث فرقًا، والتي لن تعالج فقط هذه الأعمال «المأساوية والشريرة» (في إشارة إلى حوادث إطلاق النار)، لكن أيضًا الخسائر «الكارثية» في الأرواح التي تحدث في كثير من الأحيان، كنتيجة مباشرة لوباء «الجريمة الحالي».

حلول بديلة

وعرضت الجمعية حلولًا بديلة لتلك التي ينادي بها بايدن، بينها ضرورة تأمين المدارس، والتطبيق الصارم للقوانين الأمريكية، التي تستهدف المجرمين، ودعم ومحاكمة ومعاقبة المجرمين الذين يخالفون هذه القوانين.

وشددت على ضرورة القبض على أي مجرم «عنيف» أو أي شخص «محظور خطير» آخر يحاول شراء أو حيازة سلاح ناري، ومقاضاته ومعاقبتهم، مشيرة إلى أنها تؤيد -بكل إخلاص- حق أي أمريكي يلتزم بالقانون في الدفاع عن نفسه وأحبائه.

وقالت جمعية البنادق، إن أكثر من مليون أمريكي ملتزمون بالقانون، يستخدمون الأسلحة النارية للدفاع عن النفس كل عام، معظمهم لم يطلق رصاصة، مشيرة إلى أن الإدارة تعجز عن طرح تدابير وظيفية وحلول حقيقية، عند تنفيذها ستقلل من الجريمة وستساعد أولئك الذين يعانون مشكلات صحية سلوكية خطيرة.

وأكدت أن ما يقترحه الرئيس بايدن مرارًا وتكرارًا «لن ينتهك» سوى حقوق أولئك الذين يلتزمون بالقانون والذين لم يرتكبوا أية جريمة، مشيرة إلى أن ما طرحه ليس حلًا حقيقيًا، وليس قيادة حقيقية، وليس ما تحتاجه أمريكا، مختتمة بيانها بقولها: «هذا عار».

ذلك البيان الذي وصف بـ«شديد اللهجة»، أثار تساؤلات عدة عن الرابطة الوطنية للأسلحة (إن آر إيه) أو جمعية البنادق الأمريكية، وأهميتها في الداخل الأمريكي، ومدى تأثيرها في صناعة القرار.

فما هي جمعية البنادق الأمريكية؟

جمعية البنادق الأمريكية أقوى منظمة تمارس الضغط (لوبي) دفاعاً عن حقوق ملكية السلاح في الولايات المتحدة.

تأسست عام 1871 من قِبل اثنين من قدامى المحاربين الأمريكيين في الحرب الأهلية، كمجموعة ترفيهية لتعزيز وتشجيع إطلاق النار بالبنادق على أساس علمي.

إلا أن مسيرتها شهدت تحولا جذريًا عام 1934 بعد أن بدأت ممارسة الضغط السياسي، خاصة بعد أن كتبت لأعضائها معلومات تتعلق بمشاريع قوانين الأسلحة النارية، بحسب تقرير نشرته «بي بي سي».

بعد ذلك التحول الذي وُصف بـ«التاريخي»، دعمت قانونين رئيسين لمكافحة الأسلحة، الأول عام 1934 وهو قانون الأسلحة النارية الوطني، والآخر عام 1968 وهو قانون مراقبة الأسلحة.

عام 1975 اتجهت الجمعية إلى التأثير في السياسة بشكل مباشر من خلال معهد العمل التشريعي، الذي وُصف بـ«ذراع الضغط» لها، ليمر عامان، وتبدأ تشكيل لجنة العمل السياسي الخاصة بها (باك)، لتوجيه الأموال إلى المشرِّعين.

وبينما تُعد الرابطة من أقوى مجموعات الضغط ذات المصالح الخاصة في أمريكا، كشفت تقارير صحفية، أنها تمتلك ميزانية كبيرة للتأثير في أعضاء الكونغرس بشأن سياسة الأسلحة، يديرها واين لابيير نائب الرئيس التنفيذي.

وبحسب «بي بي سي»، فإن جمعية البنادق، أنفقت عام 2020 قرابة 250 مليون دولار، بينما تنفق رسميًا نحو 3 ملايين دولار سنويًا للتأثير في سياسة الأسلحة بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى الحد الذي جعلها تصنف أعضاء الكونغرس الأمريكي من إيه إلى إف بناءً على مواقفهم من مسألة امتلاك السلاح، في تصنيفات كلفت بعض المرشحين المؤيدين لفرض رقابة على السلاح مقاعدهم.

وبعد انتخاب دونالد ترامب عام 2016، انخفض إنفاق الرابطة على الحملات السياسية.

جاء ذلك وسط صعود الجماعات المؤيدة للرقابة على السلاح، التي تلقت ملايين الدولارات من المؤيدين، الذين يعارضون معظم سياسات الرابطة الوطنية للأسلحة.

ويندرج تحت لواء جمعية البنادق، قرابة 5 ملايين عضو، بحسب تقارير فنَّدها بعض المحللين، مؤكدين أن عدد أعضائها قرابة 3 ملايين فقط، بينهم الرئيس السابق الراحل جورج بوش الأب، الذي استقال منها عام 1995.

كانت تضم الممثل الراحل تشارلتون هيستون رئيسًا للرابطة الوطنية للبنادق، بين عامي 1998 و 2003، بينما تضم حاليًا المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس سارة بالين، والممثل توم سيليك والممثلة وبي غولدبرغ.

ضغوط شديدة

تمارس جمعية البنادق الأمريكية ضغوطًا شديدة، ضد جميع أشكال الرقابة على الأسلحة، بدعوى أن المزيد من الأسلحة يجعل البلاد أكثر أمانًا.

وبحسب «بي بي سي»، فإن الجمعية تتشبث بموقفها الرافض لحظر الأسلحة، مستندة فيه إلى تفسير «متشدد» للتعديل الثاني من دستور الولايات المتحدة، التي ترى أنه يمنح الأمريكيين الحق في حمل السلاح، من دون أي تدخل حكومي.

وتعارض جمعية البنادق معظم التشريعات المحلية والتشريعية الفيدرالية وتشريعات الولايات، التي من شأنها تقييد ملكية السلاح، بل إنها تضغط –عادة- من أجل إعادة بيع الأسلحة التي صادرتها الشرطة، بحجة أن تدميرها يمثل إهدارًا لأسلحة جيدة.

وتدعم التشريعات التي توسع حقوق حيازة السلاح، مثل قوانين «حمل السلاح علنًا»، التي تسمح لمالكي الأسلحة بحمل أسلحتهم غير مخفية في معظم الأماكن العامة، وترفض بشدة أي اتهام بأن سياساتها تسهم في مشكلة الأسلحة الأمريكية.

وفي الربع الأول من عام 2022، أنفقت أكثر من 600000 دولار أمريكي (قرابة 500000 جنيه استرليني) على الضغط من أجل عدم حظر الأسلحة، في رقم يتوقع أن يرتفع في النصف الثاني من هذا العام، وسط انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، إضافة إلى تجدد مطالب الليبراليين بإصلاح السلاح.

وتظهر البيانات أن أكثر من 50% بقليل من الأمريكيين، يريدون قوانين أكثر صرامة لمراقبة الأسلحة بشكل عام، بل إن التأييد أكبر لحظر الأسلحة من طراز الهجوم (يفضله 63%).