التيار الصدري يرفض الحكومة الجديدة في العراق.. ماذا بعد؟
مهمة تشكيل الحكومة في بلد متعدد الطوائف والعرقيات وتقوم فيه الحياة السياسية على مفاوضات لا تنتهي بين القوى المهيمنة على المشهد، تبدو صعبةً، وقد تعود الخلافات من جديد إلى الواجهة.

السياق
بعد يومين من انتخاب عبداللطيف رشيد رئيسًا للعراق وتكليف محمد شياع السوداني رئيسًا للحكومة، خرج التيار الصدري عن صمته السياسي، معلنًا تبرؤه من الحكومة التي لم تر النور بعد.
وكان العراق تمكن يوم الخميس من إنهاء الجمود السياسي الذي استمر عامًا بعد الانتخابات العامة التي أُجريت في أكتوبر تشرين/الأول من العام الماضي، وانتخب برلمانه السياسي الكردي عبد اللطيف رشيد رئيسًا، فيما جرى تكليف محمد شياع السوداني رئيسًا للوزراء خلفًا لرئيس الوزراء الحالي.
ومع وصول العراق إلى هذه المحطة صاحبه صمت طويل دام يومين من التيار الصدري والذي كان الجميع يترقب موقفه، كونه الورقة الحاسمة في الصراع، إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي سفن سياسيي البلد الغني بالنفط.
فالتيار الصدري كسر صمت اليومين الماضيين، ببيان نشره وزير الصدر صالح محمد العراقي، كشف فيه عن موقف التيار من تكليف محمد شياع السوداني برئاسة الوزراء.
وقال صالح محمد العراقي، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إنه «في خضم تشكيل حكومة ائتلافية تبعية مليشياوية لم ولن تلبّي طموح الشعب ولا تتوافق مع مبدأ (المجرب لا يجرب)، وبعد أن أُفشلت مساعي تشكيل حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية يسود فيها العدل والقانون والقضاء النزيه وينحصر بها السـلاح بها بأيدي القوات الأمنية، وبعد أن تحوّلت الديمقراطية والائتلافات الحزبية من خلال المسـيّرات والقصف الداخلي والخارجي وكَيْل التهم الجزافية، فإننا نشجب ونستنكر قمع صوت الشعب الرافض لإعادة العراق للمربع الأول».
وأكد التيار الصدري، رفضه «العصيان الصريح للتوجيهات الشرعية والوطنية الصادرة من أعلى المستويات من داخل العراق أولًا ومن خارجه ثانيًا»، مضيفًا: «نوصي بعدم تحول العراق إلى ألعوبة بيد الأجندات الخارجية وألا يتحوّل السـلاح إلى الأيادي المنفلتة وألا تتحول أموال الشعب إلى جيوب وبنوك الفاسدين».
رفض قاطع
وشدد التيار الصدري على رفضه القاطع والواضح والصريح «لاشتراك أي من التابعين لنا ممن هم في الحكومات السابقة أو الحالية أو ممن هم خارجها أو ممن انشقوا عنّا سابقًا أو لاحقًا سواء من داخل العراق وخارجه أو أي من المحسوبين علينا بصورة مباشرة أو غير مباشرة بل مطلقًا وبأي عذر أو حجة كانت، في هذه التشكيلة الحكومية التي يترأسها المرشح الحالي أو غيره من الوجوه القديمة أو التابعة للفاسـدين وسلطتهم ممن لا هم لهم غير كسر شوكة الوطن وإضعافه أمام الأمم».
وحذر التيار الصدري «كل من يشترك في وزارات الحكومة الحالية لأي سبب كان بأنه لا يمثلنا على الإطلاق بل نبرأ منه إلى يوم الدين ويعتبر مطرودًا فورًا عنّا (آل الصدر)».
وتابع: «لا تعجبوا من ذلك، فإن هناك مساعي لا تخفى لإرضاء التيار وإسكات صوت الوطن.. وإن في من ينتمون لنا قد سال لعابهم لتلك الكعكة الفاسـدة التي لم يبق منها إلا الفتات»، مضيفًا: هناك خطط خبـيثة لتجذر وتجذير وتقوية سلطتهم وتقويض ما عداهم لتزداد هيمنة الفـساد والفاسـدين والتلاعب في رقاب ومصائر وأموال الشعب بلا رقيب من خلال خلط الأوراق والهيمنة على السلطات القضائية والأمنية والهيئات المستقلة وما شاكل ذلك.
وأكد التيار الصدري: احذروا من سلطة بني العباس بل (يأجوج ومأجوج) الذين يعيثون في الأرض فـسادًا وظلمًا (وائتلافات لا خير فيها)»، في إشارة إلى حكومة السوداني.
ماذا بعد رفض التيار الصدري؟
سامي المرشد مدير مكتب تنمية الاتصالات بالاتحاد الدولي بجنيف سابقًا وعضو جمعية العلوم السياسية والباحث في العلاقات الدولية، قال إنه «سواء تتفق أو تختلف مع مقتدى الصدر في العراق، لكنه على حق»، مشيرًا إلى أنه «عندما يصف حكومة الإطار بقيادة المالكي الذي يحاول تشكيلها في العراق بأنها حكومة مليشيات فهو على حق».
وقال البرلماني السابق مزاحم التميمي، في تصريحات صحفية، إن موقف الصدر معروف منذ فترة، مشيرًا إلى أن مسألة المشاركة من عدمها هي مسألة سياسية، ما يعني أن الأمور قد تتغير.
وأوضح التميمي، أن رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني سيحاول إقناع الصدريين بالاشتراك في الحكومة من أجل تشكيل الكابينة الوزارية المقبلة.
الناشط السياسي مسعود سنجاري قال إن موقف مقتدى الصدر واضح وثابت، مشيرًا إلى أن الصدر يعود ويرسل رسالة غاضبة إلى الحكومة «الميليشياوية»
وأكد الناشط السياسي: «كنا نعلم بأن الصدر سيظهر ببيان واضح وغاضب بعد جلسة البرلمان اعتراضًا على تشكيل الحكومة».
ويقول مراقبون، إن التيار الصدري استنفد ما لديه من أوراق في مواجهة الإطار الذي خرج «منتصرا» من معركته مع التيار، إلا أن ورقة التحشيد في الشارع لا تزال إضافة الى تطلعه لإجراء انتخابات مبكرة بهدف إعادة خلط الأوراق.
وبحسب مراقبين، فإن الأمر سيظل ضبابيًا من هذه الناحية، خاصة أن البرلمان والحكومة التي يهيمن عليهما الإطار من المستبعد أن تتبنى موقف الصدر فيما يتعلق بالانتخابات المبكرة.
وأشار المراقبون إلى أن الصدر سيعول على القوة الشبابية الرافضة لهيمنة حلفاء إيران على المشهد في العراق وهي قوة كانت فاعلة خلال الاحتجاجات التي شهدها البلد في الحكومات السابقة.
ضربة قاتلة
واعتبر تقريران أمريكي وبريطاني أن انتخاب البرلمان لرئيس جديد العراق وهو عبداللطيف رشيد الذي كلف فورًا مرشح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة، «ضربة سياسية قاتلة» لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والذي يعارض بشدة تولي السوداني رئاسة مجلس الوزراء.
وقال المحلل السياسي العراقي محمد جاسم، إن تكليف الشياعي ضربة قاتلة لمقتدى الصدر سياسيًا، مشيرًا إلى أنه بانتصار أعضاء الإطار التنسيقي على مقتدى الصدر، بات الطريق ممهدًا تمامًا أمامهم لتمرير مرشحهم (رئيس الوزراء) وتشكيل الحكومة.
وأكد أن فوز الإطار التنسيقي يعتبر نصرًا لإيران، إلا أنه بمثابة «انتكاسة» لمصالح الولايات المتحدة من دون أن يستبعد أن يعمل قادة الإطار الموالين إيران على القضاء على الوجود الأمريكي في العراق.
وحول إمكانية لجوء التيار الصدري إلى الشارع مجددًا، قال محمود خوشناو القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إنه يجب إتاحة الفرصة لتشكيل الحكومة، مشيرًا إلى أن هناك محاولات لجلب دعم التيار الصدري لهذه الحكومة، على الأقل للذهاب إلى انتخابات أخرى.
وأشار إلى أن هناك محاولات لأخذ مباركة التيار الصدري على الحكومة؛ فحكومة عراقية يرأسها السوداني بدعم الصدري، أفضل من حكومة عراقية يرأسها السوداني دون مباركة من مقتدى الصدر.
وتقول وكالة «رويترز»، إن مهمة تشكيل الحكومة في بلد متعدد الطوائف والعرقيات وتقوم فيه الحياة السياسية على مفاوضات لا تنتهي بين القوى المهيمنة على المشهد، تبدو صعبةً، وقد تعود الخلافات من جديد إلى الواجهة.
ريناد منصور الباحث في معهد «شاتام هاوس»، قال إنه «حينما تبدأ المحادثات بشأن من سيكون وزيرًا، ومن له اليد الأعلى في الوظائف العليا، والمؤسسات الحكومية وخزينة الدولة، فسيطفو المأزق من جديد على المشهد»، مضيفًا: «سنكون أمام حكومة محاصصة، تحاول فيها الأحزاب السياسية تقاسم ثروات البلاد».
وكان السوداني، أعرب عن استعداده للتعاون مع جميع القوى السياسية والمكونات المجتمعية، سواءٌ المُمثلة في مجلس النواب أو الماثلة في الفضاءِ الوطني، مضيفا: «لن نسمح بالإقصاء والتهميش في سياساتنا، فالخلافات صدعت مؤسسات الدولة وضيعت كثيرًا من الفرص على العراقيين في التنمية والبناء والإعمار».