فوز سورية بمنصب عمدة العالم.. كيف استطاعت ليلى مصطفى تغيير وجه الرقة؟

من سجن قاتم إلى ملاذ للجميع.. فوز سورية بمنصب عمدة العالم عن دورها في الرقة

فوز سورية بمنصب عمدة العالم.. كيف استطاعت ليلى مصطفى تغيير وجه الرقة؟

السياق

امرأة وحيدة من 9 رؤساء بلديات في العالم، فازوا بمنصب «عمدة العالم»، إلا أنها صاحبة المهمة الأصعب، التي أخذت على عاتقها، إعادة إعمار مدينة، لم يبق منها سوى الحطام.

ففي بلدة يغلب عليها الطابع العشائري والمجتمع المحافظ، الذي لم يعتد يومًا أن يدار من قبل امرأة، فضلًا عن ألغام تتناثر على أطرافها، وخلايا نائمة لتنظيم داعش الإرهابي، وجدت الشابة السورية، المهندسة المدنية ليلى مصطفى، نفسها، تواجه تحديات جمة، كونها الرئيسة المشتركة لمجلس الرقة المدني شمال شرقي سوريا، منذ أن تحررت الرقة من براثن تنظيم داعش عام 2017، على يد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي.

إلا أن ليلى مصطفى، فازت بجائزة «عمدة العالم» الدولية لعام 2021، التي تقدِّمها مؤسسة «سيتي مايرز» إلى أبرز رؤساء بلديات العالم المميزين، الذين خدموا مواطنهم بنزاهة وعدالة ومساواة.

فمن هي ليلى مصطفى؟ وما هذه الجائزة؟ وما التحديات التي تواجه الشابة السورية؟ وكيف يمكنها التغلب عليها؟ «السياق» تجيب عن تلك الأسئلة في هذا التقرير.

ليلى مصطفى شابة كردية، من مواليد مدينة الرقة، تبلغ من العمر 34 عاماً، الرئيسة المشتركة لمجلس الرقة المدني شمال شرقي سوريا، منذ أن تحررت الرقة من براثن «داعش» الإرهابي عام 2017، على يد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي.

وترأس ليلى مجلس الرقة الذي يعد واحداً من هيئات إقليمية أسستها قوات سوريا الديمقراطية، ويعمل تحت قيادتها آلاف من الرجال والنساء، جنباً إلى جنب، لإعادة بناء ما دمرته الحرب.

وبسبب جهودها في إعادة إعمار مدينة الرقة، التي اتخذها تنظيم داعش عاصمة لخلافته المزعومة، منحت المنظمة الدولية المهندسة السورية ليلى مصطفى، الجائزة تقديراً لتفانيها وإصرارها على إعادة إعمار المدينة.

ما مشروع عمدة العالم؟

مشروع «عمدة العالم»، بدأ عام 2004، يتناول موضوعات مختلفة كل عامين، ففي عام 2016، ركز على أزمة اللاجئين، ثم ركز عام 2018، على نقص تمثيل المرأة في المناصب الإدارية المحلية، إلا أنه عام 2021، تناول وضع المدن أثناء جائحة كورونا.

ومنح المشروع الدولي، الجائزة هذا العام لتسعة رؤساء بلديات من دول مختلفة، إلا أن ليلى مصطفى، كانت المرأة الوحيدة بينهم وصاحبة المهمة الأصعب، لأن المدينة يغلب عليها الطابع العشائري والمجتمع المحافظ، ووجود الكثير من الألغام المزروعة والخلايا النائمة لتنظيم داعش في المدينة من جهة أخرى.

تقول المهندسة السورية الفائزة بالجائزة، في تصريحات لـ«بي بي سي»: مجلس الرقة المدني جزء من مشروع الإدارة الذاتية، مشيرة إلى أنها تم اختيارها رئيسة مشتركة لمجلس الرقة المدني، في الاجتماع التأسيسي عام 2017، بموافقة الحاضرين الذين زاد عددهم على 120 عضواً من مختلف مكونات وشرائح وشيوخ ووجهاء الرقة.

وأشارت ليلى إلى أنه تناوب ما يزيد على ثلاثة رجال من أبناء مدينة الرقة، إلى جانبها في الرئاسة المشتركة للمجلس، إلا أنها ظلت العضو الثابت فيه منذ تأسيسه، مؤكدة أنها سعت إلى إنشاء فسيفساء من العلاقات التي تجمع وتربط المجتمعات المتنوعة في المدينة، للعمل على إعادة الحياة للمدينة التي معظم سكانها من العرب، ونسبة أقل من الأكراد والمسيحيين والسريان.

وأشارت الشابة السورية إلى أنه رغم الإمكانات المحدودة وضعف الموارد المتاحة، فإن المجلس الذي ترأسه، حقق العديد من الإنجازات، بفضل تكاتف أبناء المنطقة، عبر وضع الخطط والبرامج بما يتناسب مع كل مرحلة.

إنجازات هائلة

وأوضحت أن الرقة التي تعرَّضت للدمار بنسبة 95%، استطاعت تحقيق الكثير من الأعمال والإنجازات، في زمن قياسي، مشيرة إلى أن المدينة الآن مركز وملاذ للسوريين من مختلف المحافظات والمدن، بعد أن حولها تنظيم داعش إلى سجن قاتم لسكانها.

وأشارت إلى أن مشاريع لتعذية المدينة بالكهرباء والمياه وغيرها من البنى التحتية، مثل بناء المستشفيات والمدارس والمراكز الصحية، نفذت بشكل تدريجي، مؤكدة أن العمل مازال جاريًا في ترميم المنازل والشوارع والخدمات الأخرى.

فمن تأهيل جسر الرقة القديم إلى جانب عدد من الجسور الفرعية الأخرى، وتفعيل ما يزيد على 390 مدرسة، وإعادة تفعيل أكثر من 25 مركزًا صحيًا و10 مستشفيات خاصة وعامة، وتأهيل 8 محطات كهرباء، و30 محطة مياه شرب و27 محطة ري، إلى جانب تهيئة الظروف الملائمة للقطاع الخاص لافتتاح ما يقرب من 70 مصنعًا، وتأهيل وصيانة ما يقرب من 12 حديقة، كانت من المشاريع الخدمية الأساسية في المدينة، التي دمرها تنظيم داعش الإرهابي.

ليلى تقول إن تلك المشروعات، دليل على مدى التطور الذي تشهده الرقة، ما أدى إلى ارتفاع عدد السكان، ليصل إلى مليون نسمة، بينهم النازحون الجدد، ونيلها ثقة واحترام سكان المدينة بسبب عملها المتواصل من أجل تمكين الأشخاص من كل الخلفيات الاجتماعية والثقافية.

وعبرت المهندسة السورية عن آمالها بأن تصبح الرقة نموذجاً يحتذى في جميع أنحاء البلاد، خاصة في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، في جميع قطاعات ومجالات الحياة، إلا أنها كشفت عن بعض الصعاب التي تعوق مهمتها، مثل البيئة التي تعمل فيها، التي تولي أهمية كبيرة إلى وجهاء العشائر.

 

نموذج ملهم

ليلى ألهمت العديد من نساء المنطقة باختلاف خلفياتهن، للعب دور في بناء المجتمع والمدينة، ما أدى إلى رفع نسبة النساء اللاتي يشغلن مناصب مهمة ووظائف إدارية في المجلس، إلى 40%، في رقم لا يطبق سوى في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي البلاد.

وتقول ليلى: «تعداد العاملين في مجلس الرقة المدني حالياً يقرب من 10500 موظف، بينهم 4080 امرأة يعملن في مختلف مؤسسات وقطاعات المدينة، أما عن عددهن في مناطق الإدارة المدنية الديمقراطية في الرقة، فيتجاوز 7000 امرأة في جميع المؤسسات، في دليل على العدالة والمساواة التي نسعى إليهما».

ورغم «الإنجازات» التي حققها المجلس الذي ترأسه ليلى، فإن هناك الكثير من المشاريع الحيوية والبنى التحتية التي ينتظرها سكان المدينة، بحسب المهندسة المدنية، التي قالت: «الدعم الدولي المقدم خجول ويكاد يكون معدوماً، مقارنة بحجم الأعمال المطلوب إنجازها، لذا نتمنى أن يفي المجتمع الدولي بواجباته تجاه الرقة».

وأكدت أنها تسعى لتطوير الخبرات والكفاءات، ودعم المنظمات والدول، من أجل إنجاح هذه التجربة، وتحقيق العدالة والمساواة من خلال تفعيل دور المرأة، وتمكينها في مجالات الحياة كافة.

وتشكل رئاسة ليلى مصطفى للمجلس حالة استثنائية في تاريخ المدينة، التي لم يحكمها على مر الزمن سوى الرجال، سواء كان في ظل الحكومة السورية قبل الحرب، أو من قبل المعارضة السورية الموالية لتركيا، أو تنظيم داعش.