التيار الإسلامي العريض... مناورة إخوانية للعودة إلى حكم السودان

قالت المتخصصة في الشؤون العربية والإفريقية أسماء الحسيني، للسياق، إن المشهد السياسي السوداني الحالي، الذي تخيم عليه الهشاشة والصراع، وفر مناخًا مثاليًا لبروز وصعود تيار الإسلام السياسي إلى الواجهة من جديد.

التيار الإسلامي العريض... مناورة إخوانية للعودة إلى حكم السودان

السياق

على وقع الصراعات السياسية وانسداد الأفق، أصيب الوسط السوداني بصدمة «هائلة»، بعد صعود تيار الإسلام السياسي مجددًا إلى الساحة التي غابت عنها رؤى الحل حتى اللحظة.

فالبلد الإفريقي، الذي شهد الفترات الماضية قرارات عدة، أفضت إلى تغيير تركيبة السلطة، أصيب فرقاؤه بالصدمة، بعد أن أعلنت 10 تنظيمات إسلامية، بينها 8 تتبع تنظيم الإخوان، عن تيار جديد باسم «التيار الإسلامي العريض».

ومن التنظيمات الموقعة على الإعلان: التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وجماعة الإخوان فرع السودان، ومنبر السلام العادل، والحركة الإسلامية السودانية، الرافد الأساسي لحزب المؤتمر الوطني المنحل -برئاسة البشير- وتيار النهضة، وحزب دولة القانون والتنمية الذي يرأسه محمد علي الجزولي الموالي لتنظيم داعش، وحركة الإصلاح الآن وحزب التحرير والعدالة.

وبينما يهدف هذا التحالف -بحسب إعلان تأسيسه- إلى التحضير للانتخابات التشريعية بنهاية المرحلة الانتقالية، إلا أن مراقبين عدَّوه انعطافة هائلة في مسار العملية السياسية المتعثرة في السودان، ظهرت على الساحة في إطار لعبة توازنات القوى بالمشهد السياسي.

 

قفز الإخوان

وبينما عدَّ البعض بروز ذلك التحالف محاولة من تيار الإسلام السياسي وتنظيم الإخوان، للقفز مجددًا على السلطة والعودة بالسودان إلى عهد بائد، بعد أن أطاحته التيارات المدنية في ديسمبر 2018، أكد آخرون أن التباينات والانقسامات التي وصفت بـ«العنيفة» و«الحادة» ستظل المحرك الأساس لتيارات الإسلام السياسي.

وتسبب ظهور ذلك التيار في حالة من الجدل والتساؤلات داخل السودان، عن دور تنظيم الإخوان داخله، خاصة في ظل الأوضاع «الحرجة»، التي يعيشها البلد الإفريقي، وسط تخوفات من أن يتمكن ذلك التيار من القفز مجددًا على الحكم.

إلى ذلك، قالت مديرة تحرير صحيفة الأهرام، المتخصصة في الشؤون العربية والإفريقية أسماء الحسيني، في تصريحات لـ«السياق»، إن المشهد السياسي السوداني الحالي، الذي تخيم عليه الهشاشة والصراع، وفر مناخًا مثاليًا لبروز وصعود تيار الإسلام السياسي إلى الواجهة من جديد.

 

توازنات القوى

وأوضحت أسماء الحسيني، أن لعبة توازنات القوى في المشهد السياسي السوداني، كان لها تأثير كبير في ولادة هذا التحالف، خاصة في ظل الانقسام الذي حدث بين التيار المدني والمكون العسكري، بصدور قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، ما أغرى فلول التيار الإسلامي بـ «القفز لملء هذا الفراغ» السياسي.

وطرحت المتخصصة في الشؤون العربية والإفريقية، تساؤلات عن مدى نجاح مساعي التحالف «العريض» في استبدال التيار المدني، وما إذا كان التيار المدني والشعب السوداني على استعداد لقبول هذه المعادلة الجديدة القديمة، وما تأثير بروز ذلك التيار في أوضاع السودان المأزوم؟ وهل يتمكن هذا التحالف من مواجهة تحديات كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي؟!

تساؤلات تظل معلقة بقدرة القوى السياسية المدنية السودانية على التنسيق، وتشكيل كيان مدني قوي، يمكن من خلاله استيعاب تناقضات المشهد السوداني الحادة، بحسب الحسيني.

 

نظام أيديولوجي

ورغم أن هذا الكيان أثار مخاوف كبيرة لدى قطاعات واسعة داخل السودان وخارجه، من عودة نظام أيديولوجي حكم السودان ثلاثين عامًا، فإن أسماء الحسيني أشارت إلى أن غياب حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه عراب الحركة الإسلامية في السودان الدكتور حسن الترابي، بعد انشقاقه عن الرئيس السوداني المعزول عمر البشير عام 1999، عن ذلك التيار، طرح الكثير من التساؤلات.

وبينما علل المؤتمر الشعبي عدم دخوله في هذا التحالف بـ«أنه يعمل على جمع كل أهل السودان في مائدة مستديرة، ولا يمكنه الانكفاء والانغلاق داخل تيار أيديولوجي محدد»، قالت أسماء الحسيني: «هذا التبرير يعد ضربة موجعة لهذا التحالف المبني على أسس أيديولوجية عقائدية»، مشيرة إلى أن التجارب أثبتت أن السودان لا يحكم من خلال فكرة عقائدية أو طائفية منعزلة.

وبينما أعربت قيادات قوى التحالف الجديد عن عزمها على التوحد تنظيميا، إلا أن المتخصصة في الشؤون الإفريقية، قالت إن ما يجمع هذه التنظيمات الإسلامية في السودان، هو العداء للتيارات المدنية الأخرى التي أقصتها من المشهد بعد ثورة ديسمبر 2018، مشيرة إلى أنه رغم ذلك، فإن التباينات والانقسامات داخل تيارات الإسلام السياسي تظل عميقة وحادة في الرؤية والمنهج والأهداف.

 

تحديات قانونية وشعبية

ويواجه التحالف الجديد، تحديات قانونية، إضافة إلى أخرى ممثلة في رفض قطاعات واسعة من الشعب السوداني قبول عودة التيار الإسلامي لقيادة السودان أو المشاركة فيه، بحسب الحسيني.

تصريحات أسماء، وافقها فيها مدى الفاتح، الكاتب والباحث في العلاقات الدولية، الذي أكد في تصريحات لـ«السياق»، أن عودة الإسلاميين لأنشطتهم، لكن بأنماط مختلفة، من شأنه تغيير مسار الفترة الانتقالية.

وعن أسباب صعود هذا التيار مرة أخرى، قال الفاتح، إن «سيولة» الفترة الانتقالية وما شهدته من قرارات أفضت إلى تغيير تركيبة السلطة، ساعدت في إفساح المجال -من دون قصد- لعدد من الجماعات ذات الأيديولوجية الإخوانية للعودة مرة أخرى.

 

منهج براجماتي

وعن تصوره لطبيعة التيار الإسلامي العريض، أكد الباحث في العلاقات الدولية، أن مكوناته غالبًا تعتمد على «المنهج البراجماتي»، أي المصلحة في مرحلة زمنية بعينها.

أما عن أسباب غياب حزب المؤتمر الشعبي عن ذلك التحالف، فقال الفاتح، إن الحزب يرى في ذلك الكيان الجديد خصمًا له، مشيرًا إلى أن أعضاء حزب المؤتمر الشعبي وقياداته، يتحفظون أيضاً على التعاون مع الكيانات القريبة من حزب الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، الذي سبق أن أقصى شيخهم حسن الترابي.

وبينما يؤيد -حتى الآن- هذا التيار الجديد إجراء انتخابات نزيهة لثقته بأن السودانيين سيفضلون انتخاب الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، إلا أن الباحث في العلاقات الدولية حذر من أن هذا التأييد ربما يتغير إذا بدا أن هناك توجهًا من الشعب نحو إقصائهم.