أفغانستان والعراق وليبيا وداعش... وفشل التدخل الغربي
بالنسبة لطالبان، فإن فتح الحدود مع الصين، والأموال الصينية التي يتم استثمارها في التنمية، تعد أمراً مرغوبًا فيه للغاية، وكذلك الاعتراف السياسي الضمني من الصين، وفي المقابل، ستكون بكين قادرة على الاستفادة من الموارد المعدنية الهائلة في أفغانستان، وستكتسب طرقاً تجارية جديدة، كما أنها ستطلب من طالبان، كبح جماح الأويجور.

ترجمات-السياق
رغم تعمُّق المزاج المناهض للحرب في المملكة المتحدة عام 2002، عندما تحرَّك الرئيس جورج دبليو بوش لإطاحة النظام العراقي، فإنه كان هناك شعور بالقلق، قبل بدء الحرب الأفغانية، حتى أنه كانت هناك توقُّعات بتصعيد حتمي وخطر لحرب لن تنتهي، ولكن استمرت مؤسسة الدفاع في دعم قرار الحرب، بحسب الكاتب البريطاني، بول رودجرز.
وأضاف الكاتب، في مقال بصحيفة "ذي جارديان" البريطانية، أنه في هذه الحرب، سقطت حركة طالبان، في غضون أسابيع فقط، حتى تمكن بوش من الإعلان، في خطاب حالة الاتحاد عام 2002، عن شن حرب موسعة ضد "محور الشر"، مع التركيز على العراق أولاً، وحتى منتصف عام 2002، انتقلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما من أفغانستان، تاركين فراغاً أمنياً خطيراً، ملأته عودة طالبان، عبر العديد من المناطق الريفية، ما أدى إلى بدء الأحداث التي بلغت ذروتها في الأيام الماضية.
وتابع: "يُنظر الآن إلى الحرب، على أنها فشل ذريع، لكن أهميتها أنها كانت مجرَّد أولى الحروب الأربع الفاشلة، إذ كانت الثانية حرب العراق التي استمرت ثماني سنوات، من 2003 إلى 2011، وانتهت بسحب الرئيس الأمريكي باراك أوباما القوات الأمريكية من بغداد، وقد كانت العواقب هناك وخيمة، حيث قُتل 288 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، ومئات الآلاف من الجرحى، وتشريد الملايين".
ويقول الكاتب: "عام 2011 أيضاً كانت هناك الحرب الثالثة الفاشلة، وهي العملية الفرنسية-البريطانية للمساعدة في إطاحة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وكان هذا الهجوم الجوي، الذي استمر ستة أشهر، مدعوماً من الولايات المتحدة وإيطاليا، وانتهى بمقتل القذافي"، مشيراً إلى أن التوقُّعات وقتها كانت بدخول سريع إلى دولة غنية بالنفط موالية للغرب، ستكون أيضاً سوقاً جاهزة لشركات الأسلحة الغربية، ولكن بدلاً من ذلك، كان هناك عقد من عدم الاستقرار وانعدام الأمن، مع تحول ليبيا إلى قناة لنقل الأسلحة إلى الجماعات الجهادية في جميع أنحاء منطقة الساحل.
وأشار رودجرز، وهو أستاذ لدراسات السلام بجامعة برادفورد، إلى أنه في خضم ذلك كان تنظيم داعش يتطور في العراق وسوريا، ما أدى إلى الحرب الرابعة الفاشلة: الهجوم الجوي بين عامي 2014-2018 على التنظيم بقيادة الولايات المتحدة، مع مشاركة المملكة المتحدة وفرنسا وشركاء آخرين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) .
وأوضح الكاتب، أن تنظيم داعش نشأ من الرماد المزعوم لتنظيم القاعدة في العراق، بعد انسحاب الولايات المتحدة عام 2011 وانتشر بسرعة ملحوظة، لتشكيل خلافة في جميع أنحاء سوريا والعراق، حتى بدت هذه الخلافة مستعدة لتهديد بغداد.
ورأى الكاتب، أن هذه الاستجابة الغربية، مع بعض الدعم الإقليمي، كانت مثالاً كلاسيكياً على الاتجاه الجديد نحو الحرب البعيدة، إذ بات من الواضح أن وجود الجنود على الأرض، فشل في العراق وأفغانستان، لذا فقد تم خوض هذه الحرب بطائرات هجومية، وطائرات من دون طيار مسلَّحة، واستخدام انتقائي للقوات الخاصة، كما تم الاعتماد على الأكراد، والمليشيات العراقية المدعومة من إيران.
وتابع: "بحلول نهاية عام 2018، تم تطهير جميع أراضي داعش، حيث بدت هذه الحرب ناجحة في ذلك الوقت، لكن هذا النجاح يبدو الآن أجوف، بالنظر إلى الصراع وعدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة الساحل وما وراءها، من موريتانيا، مروراً ببوركينا فاسو ومالي والنيجر ونيجيريا وتشاد والصومال وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية، كما أنه بات هناك فروع لداعش والقاعدة في ليبيا وإندونيسيا وتايلاند والفلبين، وهناك 10 آلاف من القوات شِبه العسكرية في العراق وسوريا، كما أنه لا تزال لدى داعش والقاعدة روابط مستمرة في أفغانستان".
وقدَّر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، العام الماضي، أن هناك نحو 230 ألف شخص من الجماعات المتطرفة شِبه العسكرية في ما يقرب من 70 دولة، بزيادة قدرها أربعة أضعاف عن عام 2001، ولذا فإن إنشاء إمارة أفغانستان الإسلامية، سيكون دفعة كبيرة لتشكيل حركة عالمية.
ورأى الكاتب، أنه ليس من المؤكد -بأي حال من الأحوال- أن نظام طالبان المتنامي في أفغانستان، سيسمح للحركات الإسلامية العابرة للحدود، بالازدهار والتخطيط لشن هجمات في الخارج، وأضاف: "صحيح ربما كان هذا هو الوضع بين عامي 1998و2001، لكن طالبان حينها كانت تخوض حرباً أهلية مكلفة، ضد أمراء الحرب في تحالف الشمال، وكانت تعتمد على المساعدة الخارجية من أمثال بن لادن والقاعدة".
ولفت الكاتب، إلى أن طالبان التي باتت متطورة سياسياً، قد تضع في اعتبارها الآن شرعيتها الدولية المحتملة، حيث استضافت الصين، قبل ثلاثة أسابيع، وفداً رفيع المستوى من أعضاء الحركة، لعقد محادثات، وكان لدى كل جانب منهما الكثير ليكسبه.
بالنسبة لطالبان، فإن فتح الحدود مع الصين، نهاية ممر واخان، والأموال الصينية التي يتم استثمارها في التنمية، تعد أمراً مرغوبًا فيه للغاية، وكذلك الاعتراف السياسي الضمني من الصين، وفي المقابل، ستكون بكين قادرة على الاستفادة من الموارد المعدنية الهائلة في أفغانستان، وستكتسب طرقاً تجارية جديدة، كما أنها ستطلب من طالبان، كبح جماح الأويجور، وفقًا للكاتب.
ورأى الكاتب، أنه مهما كان التأثير طويل المدى لنجاح طالبان الأخير، فإن هناك شيئين مؤكدين لهذا النجاح، الأول أن حقوق الإنسان ستتراجع بشكل خطير في أفغانستان، والآخر أن انتصار طالبان، الذي توَّج عقدين من التدخلات الفاشلة، سينظر إليه المسلَّحون في جميع أنحاء الشرق الأوسط وكثير من دول إفريقيا وآسيا، حيثما كان هناك غضب واستياء من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنخب الغربية الأخرى، على أنه علامة أو مصدر إلهام لمستقبل مختلف.