أسرار الصدام بين بوريس جونسون والملك تشارلز.. ما القصة؟

خلافات غير معلنة بين رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، وملك إنجلترا الجديد تشارلز الثالث.. فهل لعبت دورًا في إبعاد جونسون عن رئاسة الوزراء؟

أسرار الصدام بين بوريس جونسون والملك تشارلز.. ما القصة؟

ترجمات - السياق

العلاقة بين رئيس الوزراء في بريطانيا، وقصر باكنغهام، تكاد تكون مقدسة، ودائمًا ما يغلفها الاحترام المتبادل، وفي أحيان كثيرة التكامل، وهو ما بدا جليًا في العلاقة بين ونستون تشرشل والملك جورج السادس، إبان الحرب العالمية الثانية، التي انتهت لصالح لندن وحلفائها، لذا من المستغرب أن تظهر علاقة لاحقة بين أكبر منصبين في بريطانيا (الملك ورئيس الوزراء) تشوبها الخلافات.

فقد كشفت مجلة ذا سبيكتاتور البريطانية، عن خلافات "غير معلنة" بين رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، وملك إنجلترا الجديد تشارلز الثالث، فهل لعبت هذه الخلافات دورًا في إبعاد جونسون عن "داوننغ ستريت"؟

وبينت أنه، رغم أن أي محادثات بين رئيس الوزراء والنظام الملكي، بموجب الدستور، يحتفظ بها في سرية تامة، حتى يأخذها كلاهما إلى القبر، فإن بوريس جونسون كسر هذه القواعد.

ونقلت المجلة عن غوتو هاري، مدير الاتصالات السابق في "داونينغ ستريت، تفاصيل خلافات بين جونسون والملك تشارلز، خلال قمة الكومنولث -وهو اتحاد سياسي يضم 56 دولة كانت جميعها تقريبًا أقاليم سابقة للامبراطورية البريطانية- التي عُقدت بالعاصمة الرواندية كيغالي في يونيو 2022.

ووقع الخلاف إثر رفض الملك تشارلز سياسة حكومة جونسون بشأن ترحيل اللاجئين إلى رواندا، التي وصفها بأنها "مروعة"، إلا أنه سرعان ما تسربت أخبار هذا الاستنكار بشكل مريب إلى وسائل الإعلام.

وهو ما كان من الممكن أن يلحق ضررًا بشعبية الملك تشارلز -الذي كان وليًا للعهد- إذ إن استطلاعات رأي أظهرت موافقة عامة قوية على سياسة الترحيل لرواندا، التي اتبعتها حكومة جونسون.

لذا فإن الذي سرّب رأي "تشارلز" كان يعرف أنه سيلحق الضرر بالملك المنتظر.

وحسب المجلة البريطانية، فإن جونسون عمد إلى تأجيج القصة خلال قمة الكومنولث بكيغالي، من خلال إخبار المراسلين ووسائل الإعلام بتصريحات تشارلز، التي قالها في الكواليس، ومطالبته بأن يكون الأمير "أكثر انفتاحًا".

 

جر الأمير

وأوضحت "ذا سبيكتاتور" أنه بالنظر إلى أن الأمير تشارلز كان يُمثل الملكة الراحلة اليزابيث، كرئيس لقمة الكومنولث، فإن من المستغرب أن يكشف رئيس الوزراء مقدمًا عما يعتزم قوله، خصوصًا إذا كانت قضية ذات حساسية كترحيل اللاجئين، تحظى بمتابعة شعبية داخل بريطانيا.

وبينت أن رجال الحاشية بقصر كلارنس -المقر الرسمي لإقامة الملك تشارلز الثالث- كانوا حريصين على إبعاد ولي العهد السابق، عن المشكلات السياسية، بعكس الملكة إليزابيث التي كانت تشتهر بملاحظاتها بين الحين والآخر على قرارات الحكومة.

ومن ثمّ بدا أن تسريب تصريحات تشارلز عن اللاجئين، محاولة لتهيئة المسرح لصراع محتمل بين النظام الملكي والحكومة.

وبالفعل -حسب المجلة- بدأ هذا الصراع قبل أن يتولى تشارلز العرش، ويكأن المحافظين -الذين كان يتزعمهم جونسون- كانوا يفكرون في أنه إذا أراد تشارلز دخول الساحة السياسية، يجب أن يكون مستعدًا لتحمل بعض الألم السياسي.

وترى المجلة أنه يجب على الأمير ورئيس الوزراء السابق أن يتفقا وجهًا لوجه، قبل خروج أي تصريح يفتح الباب لأي خلاف محتمل، مشيرة إلى أن كليهما من دعاة حماية البيئة، وأن تشارلز ساعد في قيادة جهود الحكومة البريطانية، خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في غلاسكو (كوب 26) العام الماضي.

وأشارت إلى أن الرجلين -الأمير ورئيس الوزراء السابق- تتلمذا على يد السير الراحل إريك أندرسون، بمدرستي غوردونستون وإيتون على التوالي، كما أمضيا بعض الوقت خلال المراهقة في تيمبرتوب التابع لمدرسة غيلونغ النحوية في أستراليا.

ومن ثمّ فقد نشأ الاثنان، وهما يعتقدان أنهما وُلدا من أجل السلطة والحكم، فقد رأى بوريس نفسه "ملك العالم"، بينما كان يعد تشارلز نفسه الملك الفعلي لبريطانيا.

وها هما الآن، أحدهما رئيس وزراء (سابق) غير تقليدي، والآخر أصبح ملك بريطانيا.

ورغم ذلك، لا يشتهر أي من الرجلين بالالتزام بقواعد الأمانة الزوجية، فكلاهما انتهى به المطاف بالزواج بعشيقته.

وقد يكون هذا الاعتقاد الذاتي المشترك -وفق المجلة البريطانية- في استثنائيتهما ومصيرهما، إضافة إلى خلفيتهما، هو الذي تسبب في صدام بين الرجلين.

 

تحركات تشارلز

وبينت "ذا سبيكتاتور" أنه في الوقت الذي حافظت الملكة إليزابيث على مسافة آمنة من السياسة، فعل تشارلز العكس.

فبصفته أميرًا، كان يستدعي بانتظام وزراء جونسون للاجتماعات في دومفريز هاوس باسكتلندا، للتباحث بشأن التجديد الأخير للمبنى الشهير.

وعلى طريقة جاكي أوناسيس -جاكلين أرملة الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي وزوجة الملياردير اليوناني أرسطو أوناسيس- كان يتابع الأمير تشارلز ترميم المنازل والقصور الكبيرة، من أجل المنفعة الوطنية.

لكن، هذه التجديدات كانت تحتاج لأموال طائلة، ما اضطر الأمير تشارلز ومصرفييه إلى قبول نحو 3 ملايين يورو من أحد الزائرين العرب في حقيبة.

فوفقًا لصحيفة صنداي تايمز، كانت الحقيبة التي تبلغ قيمتها مليون يورو نقدًا، واحدة من ثلاث دفعات نقدية حصل عليها، بلغ مجموعها 3 ملايين يورو من الشيخ حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني، رئيس الوزراء السابق لدولة قطر بين عامي 2011 و2015.

وفي إحدى المناسبات، قبل الأمير تشارلز حقيبة قماشية تحتوي على مليون يورو خلال اجتماع فردي خاص في مقر إقامته (كلارنس هاوس) عام 2015، وفقًا لتقارير "صنداي تايمز".

وذكرت الصحيفة أن المدفوعات أودعت في حسابات صندوق أمير ويلز الخيري (بي دبليو سي إف)، وهو كيان يمول المشاريع الخاصة للأمير وممتلكاته في اسكتلندا.

وأفادت "صنداي تايمز" بأن ولي العهد البريطاني -حينها- "قبل مدفوعات بمليون جنيه استرليني من عائلة أسامة بن لادن".

وأوضحت الصحيفة، في يوليو الماضي، أن الأمير تشارلز "حصل على المال من بكر بن لادن وشقيقه، شفيق"، مشيرة إلى أن الاثنين من الإخوة غير الأشقاء لأسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة.

وبحسب التقرير، اجتمع تشارلز (73 عامًا) مع بكر (76 عامًا) في قصر كلارنس هاوس بلندن في 30 أكتوبر 2013، بعد عامين من قتل أسامة بن لادن على يد القوات الخاصة الأمريكية في باكستان.

ومؤخرًا، نقلت الصحيفة عن أحد أعضاء مجلس الوزراء -الحكومة الحالية تتبع المحافظين أيضًا- قوله: "إنه أمر مذهل... السياسي الذي تصرف بهذه الطريقة يجب أن يستقيل".

وتعلق المجلة البريطانية على ذلك بقولها: "يبدو أن حكومة المحافظين ترى أنه إذا أراد تشارلز أن يلعب في السياسة، عليه أن يلتزم بالحدود نفسها التي كانت عليها الملكة إليزابيث، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأموال النقدية".

 

أعداء جونسون

وتبين "ذا سبيكتاتور" أن تشارلز في المقابل، لديه حاشية سياسية موالية أكثر من جونسون، مشيرة إلى أنه في حين أن رئيس الوزراء السابق سيكافح لإحصاء أي سياسيين بين أصدقائه المقربين، فإن لدى تشارلز عديد الأعداء اللدودين لجونسون.

أحد هؤلاء -حسب المجلة- روري ستيوارت، وزير حزب المحافظين السابق، الذي تتلمذ على يديه الأميرين هاري وويليام، وكان يرتدي ملابس رسمية في حفل التتويج، الأسبوع الماضي.

وقد كان ستيوارت رئيسًا تنفيذيًا لمؤسسة جبل الفيروز، وهي مؤسسة خيرية أطلقها الأمير لدعم صناعة الحرف اليدوية في أفغانستان.

والآخر هو السير نيكولاس سوامز، صديق مقرب لأمير ويلز.

ودائمًا ما دافع سوامز عن تصرفات تشارلز، ومن ذلك، اتهامات للأمير السابق -والملك الحالي- باستخدامه المفرط للطائرات الهليكوبتر والطائرات الخاصة.

وقد رفض اللورد نيكولاس سوامز، وهو صديق للملك لسنوات عدة، هذه الاتهامات، قائلًا إن استخدام طائرة هليكوبتر لن يكون إلا "لغرض جيد للغاية" في المهام العامة، وأضاف: "استخدام الطائرات الهليكوبتر ليس رحلة ترفيهية، وإنما للعمل".

كانت هناك أيضًا مزاعم بانقسام بين قصر كلارنس -مقر تشارلز- وجونسون بشأن جدوى يخت ملكي جديد.

ومن الخلافات أيضًا، ما أشيع بأن حماسة جونسون أقل كثيرًا من تشارلز بشأن الكومنولث.

وأشارت المجلة البريطانية، إلى أن الملكة الراحلة كانت تؤيد الكومنولث، لأنه يمنحها "حشودًا مبتهجة بحضورها على الدوام"، وهو ما جذب تشارلز أيضًا إلى هذا الاتحاد.

وقبل رئاسة بوريس للوزراء، كانت هناك أيضًا اشتباكات بشأن "سيتي هول"، في قرارات التخطيط.

فبصفته عمدة، دافع جونسون عن المطورين، بعد أن حثهم على أن يكونوا أحرارًا في بناء أي شيء، كما أنه كان يحتقر المباني الكلاسيكية المصممة من قِبل المهندسين المعماريين مثل كوينلان تيري ، الذي أعجب أسلوبه كثيرًا تشارلز.

وإضافة إلى خلافاتهم السياسية، كان هناك تفاوت في الشخصية أيضًا، فبينما يُثمن الأمير الالتزام بالمواعيد والبروتوكول، كان رئيس الوزراء على العكس من ذلك.

أحد الحسابات أيضًا طلب من جونسون -في وقت مبكر من ولايته- تسجيل تأبين لتشارلز حال وفاته غير المتوقعة، وبدلاً من التمسك بنص "داونينغ ستريت" المتفق عليه، راح يردد بسخرية: "لقد أحببت بسكويت دوتشي أورجينال الخاص به، ويجب أن نأمل جميعًا أنه لم يأخذ الوصفة السرية معه إلى القبر".

وتضيف المجلة: "العلاقة بين الملك ورئيس الوزراء مقدسة، وذات حدود دستورية صارمة، لكن تشارلز وجونسون واجها صعوبات في التمسك بها".