بعد دخوله جولة الإعادة... الغرب يتأهب لـ 5 سنوات جديدة من حكم أردوغان

ربما يضغط أردوغان للحصول على تنازلات من الولايات المتحدة، قد تتعلق بخطة أنقرة لتحديث أسطولها بطائرات مقاتلة طراز إف16، التي سبق أن عرقلها الكونغرس.

بعد دخوله جولة الإعادة... الغرب يتأهب لـ 5 سنوات جديدة من حكم أردوغان

ترجمات - السياق

بعد اجتيازه عقبة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التركية، ودخوله جولة الإعادة أمام مُمثل المعارضة كمال كليجدار أوغلو، هل يتخطى رجب طيب أردوغان "النفق المظلم" ويستمر في السلطة؟.

صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، سلطت الضوء على موقف الغرب من احتمال فوز أردوغان، وبقائه في السلطة خمسة أعوام أخرى، مشيرة إلى أن الدول الغربية تهيئ نفسها لهذا الاحتمال، لأنه المرشح "الأوفر حظًا" خلال جولة الإعادة.

ونقلت عن مسؤولين في الولايات المتحدة وأوروبا، أن الحليفين عبر الأطلسي، يستعدون لخوض رحلة مليئة بالصعوبات مع رئيس يعدونه "مزعجًا ولا يمكن التنبؤ بما يفعله"، لكنه أيضًا شريك أساسي كرئيس لدولة عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، مجاورة للشرق الأوسط والبحر الأسود، وتستضيف 4 ملايين لاجئ.

وشهدت تركيا، الأحد الماضي، انتخابات برلمانية ورئاسية، تنافس فيها مرشح "تحالف الشعب" الحاكم، الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ومرشح "تحالف الأمة" زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، ومرشح "تحالف آتا" (الأجداد) سنان أوغان.

وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا، جولة إعادة في انتخابات الرئاسة 28 مايو الجاري، بين أردوغان ومنافسه كمال كليجدار أوغلو، إذ حصل أردوغان على 49.51% من الأصوات، وحصد كليجدار أوغلو 44.88%، وحاز مرشح تحالف "أتا" (الأجداد) سنان أوغان 5.17%، وحصل المرشح المنسحب محرم إنغه على 0.44%.

 

علاقة مشحونة

ونقلت "فايننشال تايمز" عن السفير الأمريكي السابق لدى تركيا، إيريك إيدلمان، قوله إن فوز "الزعيم المخضرم بولاية جديدة سيؤدي إلى استمرار توتر العلاقات بين الغرب وأنقرة".

وأضاف: "سيكون لدينا حليف غير موثوق به للغاية، سياساته ستحركها الاحتياجات والأهواء السياسية لشخص واحد".

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن أردوغان -المشهور بتصريحاته الحادة- الذي يصور نفسه بأنه "زعيم قوي يُمهد لبلاده طريقًا خاليًا من قيود الغرب المنافق وغير الجدير بالثقة"، أمضى معظم سنوات العقد الماضي في الترنح من أزمة خارجية إلى أخرى.

وذكرت أنه خلال السنوات الخمس الماضية فقط، تعرضت تركيا تحت حكم أردوغان، لعقوبات أمريكية بسبب سجن قس أمريكي، وشراء نظام دفاع جوي روسي، وتهديده بطرد 10 سفراء غربيين، وإرسال عشرات الآلاف من اللاجئين إلى الحدود مع اليونان، بعد أن وعد بفتح البوابات أمام اللاجئين للذهاب إلى أوروبا.

والسبت الماضي -أي قبل يوم واحد من الجولة الأولى للانتخابات التركية- اتهم أردوغان، منافسه كمال كليجدار أوغلو بالعمل مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، للتغلب عليه، من دون تقديم أدلة على ذلك.

والثلاثاء -أي بعد يومين من الانتخابات- اتهم الرئيس التركي المعارضة في تركيا بأنها "حاولت خداع الشعب" عبر التلاعب بالنتائج.

وأشار أردوغان إلى أن "تحالف الشعب" الحاكم، الذي يُمثله في الانتخابات، حافظ على الأغلبية في البرلمان، بينما لم تستطع المعارضة تحقيق الأغلبية، لكنه اعترف بأن هناك انخفاضًا في نسبة التصويت لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه، وأضاف: "سنُعيد محاسبة أنفسنا كي نتلافى هذا الأمر مجددًا، وسنستثمر الأيام المتبقية جيدًا ولن نتراخى".

واتهم الرئيس التركي المعارضة بأنها "بدأت تُسيء لمتضرري الزلزال، بعد أن فشلت في الحصول على الأصوات التي كانت تتوقعها"، مشيرًا إلى أنه سيزور خلال الأيام المقبلة المناطق التي تضررت من الزلزال الذي ضربها في فبراير الماضي.

 

ماذا لو فازت المعارضة؟

ومع إشارة استطلاعات الرأي، إلى تفوق كليجدار أوغلو في الفترة السابقة للانتخابات التي أُجريت الأحد الماضي، حاول دبلوماسيون أجانب ونظراؤهم الأتراك تخيل الوضع، إذا وصلت المعارضة إلى السلطة، وفق "فايننشال تايمز".

وحسب الصحيفة البريطانية، توقع مسؤول تركي كبير، أن تكون هناك "أجواء أكثر إيجابية بكثير" -حال فوز المعارضة- حتى وإن كان من غير المرجح أن تحدث أي حكومة جديدة تغييرًا جذريًا في جوهر السياسة الخارجية.

وأشار المسؤول إلى ارتياح كبير بين المسؤولين الغربيين تجاه كليجدار أوغلو، موضحًا أنهم يحبونه، بينما في المقابل، مشاعرهم تجاه أردوغان "تقترب من الكراهية".

وحسب الصحيفة، فقد تضاءلت فرص حدوث تغيير بشكل كبير، بعد تفوق أردوغان في الجولة الأولى بنحو 5 نقاط مئوية، ما يمنحه أفضلية واضحة قبل جولة الإعادة في 28 مايو الجاري.

ويتمثل أول اختبار كبير للفائز في الجولة الثانية من الانتخابات، الموافقة على عضوية السويد في "الناتو"، الأمر الذي اعترضت عليه تركيا بعد اتهامها للسويد بـ"التساهل" مع الأكراد، الذين وصفهم أردوغان بأنهم "إرهابيون"، بحسب الصحيفة.

بينما يتطلع مسؤولو "الناتو" إلى الموافقة على انضمام السويد إلى التحالف العسكري، خلال القمة التي ستعقد بليتوانيا في يوليو المقبل، لزيادة الضغط على روسيا.

ولكن هناك من يساورهم قلق إزاء ميل أردوغان "المنتصر"، إلى إرجاء العملية أكثر بعد "الأداء القوي للقوميين المتطرفين الأتراك المتشككين في الناتو" خلال الانتخابات البرلمانية.

أمام ذلك، ربما يضغط أردوغان للحصول على تنازلات من الولايات المتحدة، قد تتعلق بخطة أنقرة لتحديث أسطولها بطائرات مقاتلة طراز إف16، التي سبق أن عرقلها الكونغرس.

ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين قولهم: إن المشكلة الرئيسة -في انضمام السويد إلى "الناتو"- هي أن التصديق على هذه القرارات، يعتمد -بشكل شبه كامل- على "أهواء" أردوغان، الذي عزز سلطته ومركزية صُنع القرار بدرجة غير مسبوقة.

 

قطيعة...!

وعن احتمال "قطيعة" بين تركيا والاتحاد الأوروبي، حال فوز أردوغان، رأت "فايننشال تايمز" أنه "لا أحد يتوقع انقطاع علاقات تركيا مع أوروبا والولايات المتحدة"، مشددة على أن "التجارة والتمويل الغربيان لا يزالان يُشكلان أهمية بالغة للاقتصاد التركي المضطرب".

وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم أن لأردوغان علاقات شخصية وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن "الزعيم التركي" يدرك جيدًا أن جزءًا من قيمته بالنسبة لموسكو يكمن في مكانة بلاده كعضو في "الناتو".

ونقلت الصحيفة عن السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، قوله إن "الغرب لا يستطيع تحمُّل انهيار العلاقات مع أنقرة"، مضيفًا: "تركيا ستظل شريكًا حيويًا لنا بصرف النظر عمن يقود هذا البلد".

تدرك الولايات المتحدة وأوروبا أيضًا، أن الرئيس التركي، كأحد قادة العالم القلائل، الذين تربطهم علاقات طيبة ببوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يلعب دورًا رئيسًا كوسيط في الأزمة الأوكرانية.

وبينما لا تزال دول الاتحاد الأوروبي قلقة من "تهديدات أردوغان بإرسال مزيد من اللاجئين إلى القارة"، تُشكل تركيا، التي يبلغ تعداد سكانها 85 مليون نسمة، سوقًا مهمة للشركات الأوروبية، وفق "فايننشال تايمز".

وتوقع المحللون وصانعو السياسة أن تظل العلاقات ببروكسل ثابتة، إذا حكم أردوغان خمسة أعوام أخرى، مع عدم إحراز تقدم في محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أو الجهود المبذولة لرفع مستوى اتحادها الجمركي مع الكتلة، وأضافوا أن التعاون سيكون مستهدفًا وعمليًا، مع التركيز على مجالات مثل الأمن والتجارة.

ومع ذلك، حذرت إلكه تويغور، أستاذة الجغرافيا السياسية الأوروبية بجامعة كارلوس الثالث في مدريد، من أن العلاقات يمكن أن تتدهور أكثر إذا تخلت الدول الغربية عن ضبط النفس، الذي أبدته العام الماضي، أمام "تجاوزات أردوغان"، مضيفة: "لقد كانوا يتراجعون خوفًا من أن يستغل أردوغان ذلك في حملته الرئاسية، لكن إذا فاز بالجولة الثانية، لن يكون هناك أي داعٍ للتراجع".

ومن الأمور التي قد تفتح الباب للخلاف بين بروكسل وأنقرة، محاولة بروكسل معاقبة الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي تساعد موسكو في التحايل على العقوبات الأوروبية، ومن هذه الدول تركيا.

لكن ألكسندر جابيف، مدير مركز كارنيغي روسيا أوراسيا، قال إن الكرملين يتوقع "استمرار العلاقة الحالية" مع أردوغان، التي أشار إلى أنها كانت "مفيدة" في الالتفاف على العقوبات.

بينما أبدى ألبر كوشكون، الدبلوماسي التركي السابق -المقيم في واشنطن- قلقه بشأن الآثار طويلة المدى لتعميق التوتر مع الغرب، مضيفًا: "التكامل الأوروبي يتقدم لكن من دون ضم تركيا، ومن ثمّ فإن خمس سنوات أخرى لأردوغان تعني تعميق هذا الخلاف".

وحذر من أن ذلك سيكون له تأثير في نظرة المجتمع التركي إلى العالم، وقدرة دول مثل روسيا والصين على استغلال هذه النظرة (المعادية للغرب) في تركيا.