لماذا تحتاج إيران إلى 200 ألف من الميليشيات الموالية لها في العراق؟

حال تمرير الموازنة الجديدة، سوف تحصل قوات الحشد الشعبي على 3.56 تريليون دينار عراقي أي 2.7 مليار دولار

لماذا تحتاج إيران إلى 200 ألف من الميليشيات الموالية لها في العراق؟

ترجمات - السياق 

بنهاية عام 2021، كانت الولايات المتحدة والعراق، قد اتفقتا على انسحاب جميع القوات الأمريكية من بلاد الرافدين، ورغم التفاؤل بأن البلد العربي سينتعش بعد سنوات من الحروب، فإن الدولة المجاورة (إيران) كان لها رأي آخر.

كثيرون من المراقبين، اتفقوا على أن إيران كانت البلد الوحيد الذي استفاد من الانسحاب الأمريكي من العراق، ومع مرور الوقت كُشف عن تدخلات إيرانية في جميع شؤون البلاد، بلغت حد تأسيس ميليشيات خاصة تعمل لصالح طهران، وفق صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية.

فقد نقل تقريرها عن مواقع إخبارية غربية، أن "مجموعة الحشد الشعبي شبه العسكرية، تضاعف حجمها خلال العامين الماضيين، ما يجعلها ثالث أكبر قوة في البلاد"، حسب مسودة الموازنة العراقية.

وأظهرت الموازنة المقترحة لعام 2023، التي قدمتها الحكومة للبرلمان، أن أعداد قوات الحشد أصبحت تساوي نحو نِصف قوام الجيش النظامي، بينما تصل أعداد قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية إلى نحو ثلاثة أضعاف حجم القوات شبه العسكرية.

وزعم التقرير أنه حال تمرير الموازنة الجديدة، سوف تحصل قوات الحشد الشعبي على 3.56 تريليون دينار عراقي (2.7 مليار دولار).

 

تأسيس الحشد...!

صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، عرفّت الحشد الشعبي، بأنه مجموعة مسلحة نشأت عام 2014 بعد فتوى علي السيستاني -المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق- التي شجعت الشباب على الدفاع عن بغداد من هجوم داعش في ذلك العام.

إثر ذلك، توافد عدد كبير من المتطوعين، للانضمام إلى كتائب الحشد الشعبي، الذين ينتمي معظمهم إلى الميليشيات الموجودة حينها.

ومن هذه المجموعات "ميليشا بدر" التي يعود تأسيسها إلى الثمانينيات.

بينما ترتبط جماعات، مثل كتائب حزب الله، ارتباطًا وثيقًا بالحرس الثوري الإيراني.

وأشارت الصحيفة الإسرائيلية، إلى أن بعض هذه الجماعات كانت قد هددت إسرائيل، مثل مجموعة "قيس الخزعلي" من عصائب أهل الحق وحركة حزب الله النجباء، وهي ميليشيا شيعية عراقية مُصنفة منظمة إرهابية في الولايات المتحدة.

وحسب الصحيفة، نتج عن دعوة السيستاني، أن الجماعات التي كان لديها بضعة آلاف من الرجال المسلحين، في كيانات مختلفة، تضخمت إلى نحو مئة ألف مقاتل في كيان واحد، ثم سلحتهم حكومة حيدر العبادي، المدعومة من الغرب، لجعلها قوة رسمية.

ولكن عند إخراج العبادي من السلطة -بعد إحباط استفتاء استقلال كردستان العراق عام 2017- تحول الحشد الشعبي من مجرد مجموعة مسلحة إلى السيطرة على أجزاء من مؤسسات الدولة المهمة، على غرار نموذج الحرس الثوري في إيران وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، لكنه كان أكثر قوة من بعض النواحي.

 

الدعم المادي

ورأت "جيروزاليم بوست" في تحليل للكاتب سيث جي فرانتزمان -المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل، مؤلف كتاب "بعد داعش... أمريكا وإيران والصراع من أجل الشرق الأوسط"- أنه بمرور الوقت باتت هذه الميلشيات المسلحة، وعلى رأسها الحشد الشعبي، بحاجة شديدة إلى المال.

لكن الكاتب أضاف: "ليس من الواضح ما إذا كان هؤلاء الرجال جميعًا يحملون السلاح، أم أنهم مجرد وحدات من الأشباح، أي على الورق فقط، ومن ثمّ يستخدمون لسرقة وتحويل موارد الدولة العراقية المحدودة إلى طهران أو إلى سوريا".

وأشار إلى أن وصول عدد قوات الحشد الشعبي إلى نحو 238 ألف مقاتل، يثير التساؤل عن حقيقة وجودهم أو جدواه، ولصالح من يعملون.

وأفاد بأنه خلال السنوات الأخيرة، هددت الميليشيات الإيرانية في العراق، بالمشاركة في أي حرب محتملة ضد إسرائيل، لافتًا إلى أن ذلك قد يكون جزءًا من خطة إيران "لتوحيد" الجبهات ضد إسرائيل، حيث تستخدم إيران، حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وحزب الله في لبنان، وآخرين كخط أمامي ضد إسرائيل.

ووصف الكاتب هذه الميليشيات المسلحة، بأنها "وقود المدافع الإيرانية" في أي حرب محتملة، تموَّل حاليًا من الميزانية العامة للعراق، مضيفًا: "بينما لا يستطيع مواطنو البصرة الحصول على المياه النظيفة، تحصل الميليشيات الإيرانية على التمويل الذي تحتاجه وقتما تشاء".

وبيّن أنه قبل سنوات، شاركت هذه الميليشيات في قمع المتظاهرين بالعراق، وسط مزاعم بأن إيران تستخدمها ضد الأقليات الكردية أيضًا.

أمام ذلك، لم يستبعد فرانتزمان، أن "تعمل إيران على بناء جيش ظِل في العراق، أو تتعمد سرقة موارد العراق لصالحها، أو إعداد ميليشياتها لأي حرب محتملة".

وأضاف: "لقد نقلت إيران طائرات من دون طيار وصواريخ إلى العراق لهذه الميليشيات"، مشيرًا إلى أنه في مايو 2021، أطلِقت طائرة مُسيرة من العراق لاستهداف إسرائيل.

ولذلك -وفق الكاتب- "قد يكون دعم إيران لجماعات مثل الجهاد الإسلامي في غزة والضفة الغربية ذيلًا ماليًا يعود إلى العراق".

وشدد على أنه "إذا تمكنت إيران من سرقة ملايين الدولارات من العراق إلى ميليشياتها، من المنطقي أن تحول ذلك وتعيد توجيهه لدعم الجهاد الإسلامي في فلسطين"، محذرًا من أن "أي توسع في موارد الميليشيات العراقية الموالية لإيران ضار، ليس فقط لإسرائيل وإنما أيضًا للعراق وسوريا ولبنان والمنطقة".

 

اختلاس

كانت مسودة موازنة 2023 بالعراق، كشفت عن تضخم بـ 116.000 مقاتل في صفوف الحشد الشعبي خلال عامين، ليصل إجمالي القوات إلى 238.000 مقاتل.

وأوضح موقع ميدل إيست آي، أنه عند المقارنة، وجد أن عدد جنود وموظفي وزارة الدفاع ارتفع بـ 25.000 فقط في الفترة نفسها، ليصل إلى 450.000 إجمالاً، وعلى نحو مماثل، وجد أن أعداد قوات وزارة الداخلية زادت بـ 22.250 فقط، لتبلغ 700 ألف شرطي.

مع ذلك، لم تتأكد دقة تلك الأرقام، في التعبير عن عدد المقاتلين، إذ يُشتبه -وفق الموقع البريطاني- بأن الحشد الشعبي وأفرع القوات الأمنية الأخرى تُضخم أعداد المقاتلين في صفوفها، لاختلاس الأموال الحكومية لأغراض أخرى.

كان فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، قد أعلن أن أعداد هذه الفصائل في العراق تجاوزت 200 ألف مسلح.

وقال الفياض، في لقاء متلفز، إن "أعداد مقاتلي الحشد الشعبي كانت 170 ألفًا حتى إقرار ميزانية عام 2022، التي سميت الأمن الغذائي، والتي سمحت بإضافة نحو 30 ألفًا من المفسوخة عقودهم".

وأضاف: "بالفعل استوعب هؤلاء، حتى تجاوزت الأعداد 200 ألف، وتحديدًا قرابة 204 آلاف، لكن البرلمان في المرحلة الحالية لم يخصص أي درجة وظيفية للهيئة، وما زال أفراد الحشد بلا رتب عسكرية رسمية، وقانون الخدمة والتقاعد الخاص بهم ما زال على طاولة البرلمان".

وبيّن أن "مهام الحشد الشعبي الأولى الدفاع عن الدولة لا الحكومة"، زاعمًا أنه "ليس هناك مقارنة بين الحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني".

وتُتهم الفصائل المسلحة الموالية لطهران، التي تعرف محليًا بـ"الولائية"، أي المرتبطين بشكل مباشر بـ"فيلق القدس" الإيراني، وأبرزها "عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، و"النجباء"، و"سيد الشهداء"، ومليشيات أخرى، بأنها تستغل غطاء "هيئة الحشد الشعبي"، للحصول على أموال كبيرة.

أبرز الاتهامات لهذه الميليشات، أنها تدرج آلاف الأسماء الوهمية ضمن جداول التعيينات، لتُدخل مليارات الدنانير العراقية في خزائن هذه الفصائل، لممارسة أنشطة تجارية وأخرى عسكرية ضد الوجود الأمريكي في البلاد، وتمويل وسائل الإعلام الخاصة بها، لمهاجمة الحراكات السياسية المناوئة لها.