مخاوف من حرب نووية يشعلها الذكاء الاصطناعي.. ما السبب؟
وصفت نيويورك تايمز، المخاوف التي تدور حيال الذكاء الاصطناعي بالغير منطقية، لأنها مازالت غير مرئية حتى الآن، لكنها تنتشر سريعًا.

ترجمات -السياق
رغم توقيع أكثر من ألف، من القادة والخبراء في قطاع التكنولوجيا، رسالة مفتوحة، حذروا فيها من الأخطار التي يُشكلها الذكاء الاصطناعي، على المجتمع والإنسانية، قبل نحو شهر، فإن الهوس به لم ينتهِ، إذ لم تتوقف مخاطره عند الضرر الذي قد يلحقه بالأسرة فقط، وإنما قد يصل لحد اختلاق حرب نووية، تقضي على الأخضر واليابس، وفق صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
كانت مجموعة الموقعين، التي ضمت الرئيس التنفيذي لشركة تِسلا ومالك منصة تويتر إيلون ماسك، حثت المختبرات على تعليق تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة ذات القوة إلى ستة أشهر، إلى أن يتمكنوا من فهم أخطار هذه التقنية بشكل أفضل.
وفي أكتوبر الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قيود صارمة على بيع رقائق الكمبيوتر الأكثر تقدمًا إلى الصين، إلا أنه عاد ووافق على بيعها، كوسيلة لمنح الصناعة الأمريكية فرصة لاستعادة قدرتها التنافسية.
لكن في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" ومجلس الأمن القومي الأمريكي، كانت هناك أجندة أخرى، تقوم على أساس ضرورة "الحد من التسلح" بشأن هذه الأسلحة.
وبرر "البنتاغون" أجندته بأنه "إذا لم يتمكن الجيش الصيني من الحصول على الرقائق، فقد يؤدي ذلك إلى إبطاء جهوده لتطوير أسلحة مدفوعة بالذكاء الاصطناعي، ومن شأن ذلك أن يمنح البيت الأبيض والعالم وقتًا لاكتشاف بعض القواعد الخاصة باستخدام الذكاء الاصطناعي في أجهزة الاستشعار والصواريخ والأسلحة الإلكترونية وإمكانية مواجهتها.
ضباب الخوف
ووصفت "نيويورك تايمز" المخاوف التي تدور حيال الذكاء الاصطناعي بالغير منطقية، لأنها مازالت غير مرئية حتى الآن، لكنها تنتشر سريعًا.
واستشهدت ببرنامج "شات جي بي تي"، وقالت إنه يُعد أحد أشهر الأمثلة على الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو مصطلح شامل يغطي الأدوات التي تنتج نصوصًا وصورًا ومقاطع فيديو وصوتًا بناءً على مطالبات المستخدم، وبحسب ما ورد أصبحت الخدمة من أسرع تطبيقات المستهلكين نموًا في التاريخ، بعد وصولها إلى 100 مليون مستخدم نشط شهريًا، بعد شهرين فقط من إطلاقها في نوفمبر 2022.
وأشارت إلى أنه عندما غادر بايدن اجتماعًا في البيت الأبيض للمديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا، الذين يكافحون للحد من مخاطر التكنولوجيا، كان تعليقه الأول: "ما تفعلونه ينطوي على إمكانات هائلة ومخاطر جمة".
وهو ما فسره مساعدوه في مجال الأمن القومي بأنه يأتي "انعكاسًا للإيجازات السرية الأخيرة لإمكانات التكنولوجيا الجديدة في قلب أي حرب محتملة، والصراعات السيبرانية القائمة، التي من الممكن أن تصل إلى حد استخدام الأسلحة النووية".
ورغم تحذيرات بايدن، فإن مسؤولي البنتاغون -الذين تحدثوا في منتديات التكنولوجيا- رأوا أن التوقف ستة أشهر لتطوير الأجيال القادمة من "شات جي بي تي" والبرامج المماثلة فكرة سيئة، محذرين من أن الصينيين والروس لن يتوقفوا بدورهم، وبذلك قد يسبقون العالم في هذه التكنولوجيا الخطيرة.
ونقلت الصحيفة عن كبير مسؤولي المعلومات في "البنتاغون"، جون شيرمان، قوله: "إذا توقفنا، فإن الأعداء في الخارج لن يتوقفوا، ومن ثمّ علينا الاستمرار في التحرك".
وترى الصحيفة أن تصريح شيرمان يكشف -لأي مدى- التوتر الذي يشعر به مجتمع الدفاع الأمريكي، جراء التطورات الكبيرة في الذكاء الاصطناعي، مشيرة إلى أنه "لا أحد يعرف قدرة هذه التقنيات الجديدة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بتطوير الأسلحة والسيطرة عليها".
نذير غامض
ورأت "نيويورك تايمز" أنه رغم أن نذير "مآلات الذكاء الاصطناعي" على العالم مازال غامضًا، فإنه مقلق للغاية، إذ إنها تفتح الباب أمام التساؤل عن مدى تمكين "شات جي بي تي" بعض الدول "السيئة" للوصول بسهولة إلى التكنولوجيا المدمرة، وقدرة هذه التكنولوجيا الغامضة على تسريع المواجهات بين القوى العظمى، التي قد تصل لحد "حرب نووية".
ونقلت عن إريك شميدت، رئيس "غوغل" السابق، الذي شغل منصب الرئيس الافتتاحي لمجلس ابتكار الدفاع الاستشاري من 2016 إلى 2020: قوله: "التكنولوجيا تتطور سريعًا... وهناك جهود للتنظيم الذاتي".
وأضاف شميدت، الذي كتب مع وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنغر، سلسلة من المقالات والكتب عن إمكانات الذكاء الاصطناعي في قلب الجغرافيا السياسية رأسًا على عقب: "هناك سلسلة من المحادثات غير الرسمية عن الصناعة - وكلها غير رسمية- عن قواعد الذكاء الاصطناعي ومدى استخدامه".
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن ما يزيد مخاطر هذه التكنولوجيا، أن هذه الروبوتات الجديدة لن تجيب عن أسئلة بشأن كيفية إيذاء شخص ما بمشروب من المخدرات مثلًا، أو كيفية تفجير سد أو تعطيل أجهزة الطرد المركزي النووية.
ونوهت إلى أن وضع "قوائم سوداء" لهذه الاستخدامات، لن يؤدي إلا إلى إبطاء إساءة استخدام هذه الأنظمة، وليس إيقافها تمامًا، مشيرة إلى أن هناك دولًا تسعى جاهدة إلى الالتفاف على حدود الأمان واختراقها، وهو ما يثير قلق مسئولي "البنتاغون".
وأشارت إلى أن بعض الأسلحة المستحدثة يعمل على الطيار الآلي، لافتة إلى أنه طالما كانت صواريخ باتريوت، التي تُسقط الصواريخ أو الطائرات التي تدخل مجالًا جويًا محميًا ، تتمتع بوضع "تلقائي"، تمكنها من إطلاق النار من دون تدخل بشري، عندما تطغى على الأهداف الواردة أسرع مما يمكن أن يتفاعل الإنسان.
وضربت الصحيفة أمثلة بعدد من العمليات التي جرت مؤخرًا باستخدام الذكاء الاصطناعي، ومن ذلك استهداف الموساد الإسرائيلي لمحسن فخري زادة، أكبر عالم نووي إيراني، باستخدام مدفع رشاش مستقل يعمل بتلك التقنية، التي تتمتع بدرجة عالية جدًا من التحكم عن بُعد.
أعلنت روسيا أيضًا أنها بدأت تصنيع طوربيد نووي بوسيدون تحت البحر، باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وبينت الصحيفة، أن هذا السلاح قد يكون قادرًا على السفر عبر المحيط بشكل مستقل، والتهرب من الدفاعات الصاروخية الحالية، لإيصال سلاح نووي بعد أيام من إطلاقه.
وذكرت بأنه -حتى الآن- لا توجد معاهدات أو اتفاقيات دولية تتعامل مع هذه الأسلحة المستقلة، منوهة إلى أنه "في عصر يشهد التخلي عن اتفاقيات الحد من الأسلحة بشكل أسرع من التفاوض عليها، فإن احتمالات الوصول إلى اتفاق بشأن هذه الأسلحة المتطورة تظل ضئيلة للغاية".
كانت روسيا أعلنت -في فبراير الماضي- تعليق مشاركتها في معاهدة نيو ستارت مع الولايات المتحدة للحد من الأسلحة النووية.
تسريع المعارك
وبينت "نيويورك تايمز" أن أكثر ما يزيد مخاوف هذه الأسلحة المتطورة أنه يمكن للأنظمة المشبعة بالذكاء الاصطناعي، تسريع وتيرة القرارات في ساحة المعركة، إلى درجة أنها تسبب مخاطر جديدة تمامًا من الضربات العرضية، أو القرارات المتخذة بشأن التنبيهات المضللة أو الكاذبة عن عمد للهجمات المقبلة.
وهو ما علق عليه شميدت بالقول: "أكبر مشكلة قد تواجه العالم بشأن هذه الأسلحة، صعوبة التعامل مع هجمات تكون أسرع من صُنع القرار البشري، أو بعبارة أخرى، يأتي الصاروخ بسرعة كبيرة بحيث يجب أن يكون هناك رد تلقائي، فماذا يحدث إذا كانت هذه إشارة خاطئة؟".
فقد كانت الحرب الباردة مليئة بالتحذيرات الكاذبة، إذ أشار بول شار، من مركز الأمن الأمريكي الجديد، في كتابه الصادر عام 2018 بعنوان "جيش لا شيء" إلى أنه كان هناك "على الأقل 13 حادثًا نوويًا وشيكًا من عام 1962 إلى عام 2002 بسبب التحذيرات الكاذبة".
لهذا السبب، عندما كانت التوترات بين القوى العظمى أقل بكثير مما هي عليه، حاول عدد من الرؤساء التفاوض للحصول على مزيد من الوقت، في عملية صُنع القرار النووي من جميع الأطراف، حتى لا يندفع أحد إلى الصراع، لكن "الذكاء الاصطناعي" يهدد بدفع البلدان في الاتجاه الآخر، ونحو اتخاذ قرارات أسرع.
لكن ما يطمئن المجتمع الدولي، أن الدول قد تكون أكثر حذرًا بشأن استخدام هذه الأسلحة، وهو ما أكدته آنيا مانويل، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، بالقول: "حتى لو لم تكن الصين وروسيا مستعدين لمحادثات الحد من التسلح بشأن الذكاء الاصطناعي، فإن البلدين سيكونان أكثر حرصًا على استخدامها".
وعن مطالب الولايات المتحدة بضرورة وضع مزيد من القيود على الذكاء الاصطناعي، قال داني هيليس، عالم الكمبيوتر الذي كان رائدًا في أجهزة الكمبيوتر الموازية، التي استخدمت في الذكاء الاصطناعي: "لقد ناضلت للحصول على سياسة مفادها أنه إذا كان لديك عناصر مستقلة من الأسلحة، فأنت بحاجة إلى طريقة لإيقاف تشغيلها".
لكن -وفق الصحيفة الأمريكية- قد تأتي المخاطر الأكبر من الجهات الفاعلة الفردية، أو الإرهابيين أو مجموعات برامج الفدية، أو الدول الأصغر ذات المهارات الإلكترونية المتقدمة -مثل كوريا الشمالية- التي تتعلم كيفية استنساخ نسخة أصغر وأقل تقييدًا من "شات جي بي تي"، وقد يجدون أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، البرنامج المثالي لتسريع الهجمات الإلكترونية واستهداف المعلومات المضللة.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن توم بيرت، الذي يقود عمليات الثقة والأمان في شركة ميكروسوفت، التي تسرع استخدام التكنولوجيا الجديدة لتجديد محركات البحث الخاصة بها، قوله خلال منتدى في جامعة جورج واشنطن، إنه يعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيساعد المدافعين -حال الحرب- في اكتشاف أي سلوك شاذ بشكل أسرع، ما قد يساعد المهاجمين، في إشارة إلى قدرة هذه التكنولوجيا على تعطيل الصواريخ الموجهة في أي لحظة.
وشددت الصحيفة الأمريكية، على أن كل ذلك يُنذر بعهد جديد من التسلح عالي الخطورة، ونقلت عن بعض الخبراء قولهم: "نظرًا لأنه سيكون من المستحيل إيقاف انتشار شات جي بي تي والبرامج المماثلة، فإن أفضل أمل هو الحد من الرقائق المتخصصة وقوة الحوسبة الأخرى اللازمة لتطوير هذه التكنولوجيا".
وأضافوا: "سيكون ذلك -بلا شك- من خطط الحد من التسلح، التي ستطرح خلال السنوات المقبلة، في وقت تبدو القوى النووية الكبرى، غير مهتمة بالتفاوض على الأسلحة القديمة، ناهيك عن الأسلحة الجديدة".