سيناريو مرعب... ماذا لو تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها؟

إذا لم يوافق الديمقراطيون والجمهوريون على السماح للولايات المتحدة باقتراض المزيد - أو، بلغتهم، رفع سقف الديون - فإن أكبر اقتصاد في العالم سيتخلف عن سداد ديونه البالغة 31.4 تريليون دولار.

سيناريو مرعب... ماذا لو تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها؟

ترجمات – السياق

تسابق الولايات المتحدة الزمن، لتجاوز أزمة رفع سقف الدين العام، بعد تجاوزه 31.4 تريليون دولار، فهل تنجح في ذلك، أم تواجه مصيرًا مجهولا؟

وبات من الممكن أن تتخلف الحكومة الأمريكية عن دفع فواتيرها الشهر المقبل، إذا لم يرفع الكونغرس سقف الدين المقدر بـ 31.4 تريليون دولار، الأمر الذي قد يؤدي إلى كارثة اقتصادية وذعر شامل في الأسواق.

كانت الولايات المتحدة قد وصلت إلى سقف الدين في يناير عند مستويات 31.4 تريليون دولار، وبدأت وزارة الخزانة -بعد ذلك- تطبيق إجراءات استثنائية، ومن ثمّ إن لم تكن قادرة -بحلول يونيو 2023- على الوفاء بالتزامات الديون الحكومية، فإنها ستكون قد تخلفت عن السداد لأول مرة في تاريخها.

ولمواجهة الأزمة، طلب الرئيس جو بايدن زيادة سقف الدين، لكن الجمهوريين في الكونغرس يُصرون على أن أي توسيع لسلطة الاقتراض -التي تبلغ 31.4 تريليون دولار- يجب أن ترافقه قيود كبيرة على الإنفاق.

وحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإن المستثمرين والمسؤولين التنفيذيين والاقتصاديين يعدون خطط طوارئ بينما يفكرون في الاضطرابات التي قد تنجم من التخلف عن السداد في سوق الخزانة الأمريكية البالغة قيمته 24 تريليون دولار.

وأشارت إلى أنه بعد الوصول إلى الحد الأقصى للديون، تبحث وزارة الخزانة عن طرق لتوفير النقود ومواجهة الأزمة، لافتة إلى أنه بعد "نفاد المناورات" يمكن أن يصبح ما بدا مستحيلًا، حقيقة و(تتخلف الولايات المتحدة عن السداد).

 

التنبؤات

وبينما ذكرت "نيويورك تايمز" أن من الصعب التنبؤ بالآثار بعيدة المدى، إلا أنها أشارت إلى صدمة في الأسواق المالية، تؤدي بدورها إلى إفلاس وركود، بخلاف الضرر الكبير الذي سيلحق بمكانة الولايات المتحدة، في مركز الاقتصاد العالمي.

ومع ذلك، لا يزال احتمال التخلف عن السداد بعيدًا، إذ أكد عدد من المُشرعين الجمهوريين، إبرام صفقة في اللحظات الأخيرة، لرفع أو تعليق حد الدين للخروج من المأزق.

ولكن مع اقتراب اليوم الذي تبدأ فيه الولايات المتحدة نفاد الأموال النقدية لدفع فواتيرها -التي قد تكون بأقرب وقت في الأول من يونيو- يضع المستثمرون والمسؤولون التنفيذيون والاقتصاديون في جميع أنحاء العالم خططًا للطوارئ، وسط خلافات على القواعد والإجراءات التي يجب اتباعها حينها.

ونقلت الصحيفة عن آندي سباركس، رئيس أبحاث إدارة المحافظ في مؤشر إم إس سي آي للأسواق الناشئة، قوله: "نحن نبحر في مياه مجهولة، ما قد ينشأ عنه مؤشرات ضبابية بشأن أسواق المال العالمية".

ولكن، على أعتاب التخلف عن السداد، يظهر "سيناريو مرعب"، حسب وصف الصحيفة، لافتة إلى أن بعض أركان الأسواق المالية بدأت تشعر بالخوف والقلق، لكن تلك التموجات "ذو تأثير محدود" مقارنة بموجة المد التي تتراكم مع اقتراب التخلف عن السداد.

ويعد سوق سندات الخزانة الأمريكية، الذي تبلغ قيمته 24 تريليون دولار، المصدر الرئيس للتمويل للحكومة، وكذلك أكبر سوق للديون في العالم.

ووصفت الصحيفة الأمريكية، سوق الخزانة الأمريكية بأنه "العمود الفقري للنظام المالي" ، مشيرة إلى أنه "جزء لا يتجزأ من كل شيء، من معدلات الرهن العقاري إلى الدولار، العملة الأكثر استخدامًا في العالم".

ونوهت الصحيفة إلى أنه في بعض الأحيان ، يتعامل مع ديون الخزانة على أنها معادلة للنقد، بسبب ضمان الجدارة الائتمانية للحكومة.

ونقلت عن كالفين نوريس، مدير المحفظة واستراتيجي أسعار الفائدة في شركة "إيغون" لإدارة الأصول، قوله: إن تحطيم الثقة في هذا السوق الكبير والحيوي، سيكون له تأثيرات يصعب تحديدها كميًا، محذرًا من أن التخلف عن السداد سيكون "كارثيًا"، واصفًا هذه التوقعات بـ"السيناريو المرعب".

 

جنون تجاري

ورأت "نيويورك تايمز" أن التخلف عن السداد سيؤدي إلى "نوبة من الجنون التجاري"، حيث تبدأ الأسواق الانهيار.

وأشارت إلى أن الحكومة تدفع ديونها عبر البنوك الأعضاء في نظام المدفوعات الاحتياطي الفيدرالي المسمى "فدوير"، ثم تتدفق هذه المدفوعات من خلال حركة السوق، وينتهي بها الأمر في حسابات حاملي الديون، بمن في ذلك الأفراد ، وصناديق التقاعد، وشركات التأمين والبنوك المركزية.

ومن ثمّ إذا أرادت وزارة الخزانة تغيير التاريخ الذي تسدد فيه للمستثمرين، تحتاج إلى إخطار "فدوير" في اليوم السابق لاستحقاق السداد، حتى يعرف المستثمرون أن الحكومة كانت على وشك التخلف عن السداد في الليلة السابقة لحدوث ذلك.

ووفقًا للمحللين في شركة تي دي للأوراق المالية "هناك أكثر من تريليون دولار من ديون الخزانة المستحقة بين 31 مايو ونهاية يونيو يمكن إعادة تمويلها لتجنُّب التخلف عن السداد".

وأضافوا: "هناك أيضًا 13.6 مليار دولار من مدفوعات الفوائد المستحقة، موزعة على 11 تاريخًا، وهذا يعني 11 فرصة للحكومة لتفويت دفعه الشهر المقبل".

لكن، إذ أغلق "فدوير" نظام الدفع، ولم يسدد المستحق، ستبدأ الأسواق الانهيار.

ونتيجة لذلك، من المحتمل أن تنخفض الأسهم وقيمة الدولار، إلا أن هذه التقلبات الشديدة لن تشمل الولايات المتحدة فقط، وإنما جميع أنحاء العالم.

فعام 2011، عندما أبرم المشرعون صفقة اللحظة الأخيرة لتجنُّب انتهاك حد الديون، انخفض مؤشر ستاندارد آند بورز 500 بنسبة 17 في المئة خلال أسبوعين.

لكن رد الفعل بعد التخلف عن السداد لاشك سيكون أكثر حدة، وربما يكون الطلب على بعض سندات الخزانة مرتفعًا، على عكس ما هو متوقع.

وبذلك من المحتمل أن يتخلص المستثمرون من أي دين مع استحقاق السداد قريبًا، وعلى سبيل المثال، حولت بعض صناديق أسواق المال ممتلكاتها بعيدًا عن سندات الخزانة التي تستحق في يونيو، وشراء سندات الخزانة الأخرى ذات المدفوعات المستحقة في المستقبل، التي تعد "ملاذًا خلال فترة التوتر".

 

جنون حاملي السندات

ورأت "نيويورك تايمز" أن التخلف عن السداد سيصيب حاملي السندات بالجنون.

ونقلت عن جويديب موخيرغي، محللة التصنيف الائتماني الرئيسة للولايات المتحدة في "إس آند بي" جلوبال للتصنيفات الائتمانية، قولها: إن التخلف عن السداد من شأنه أن يؤدي إلى اعتبار الحكومة في حالة "تقصير انتقائي" ، وأنها اختارت التراجع عن بعض المدفوعات، إلا أنها ستستمر في دفع ديون أخرى.

بينما قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، إنها ستخفض تصنيف الحكومة الأمريكية بطريقة مماثلة، حال التخلف عن السداد.

وأعلنت وكالة التصنيف الأخرى، موديز ، أنه إذا فوتت وزارة الخزانة الأمريكية دفعة فائدة واحدة، سيخفض تصنيفها الائتماني بدرجة، إلى ما دون تصنيفها الأعلى الحالي بقليل، لافتة إلى أن عدم سداد دفعة الفائدة الثانية، يؤدي إلى تخفيض آخر.

وأشارت "موديز" إلى أن عددًا كبيرًا من المُصدِرين المرتبطين بالحكومة قد يعانون أيضًا انخفاض التصنيف، من الوكالات التي تدعم سوق الرهن العقاري إلى المستشفيات، والمقاولين الحكوميين، والسكك الحديدية، ومرافق الطاقة، وشركات الدفاع التي تعتمد على الأموال الحكومية، كما ستشمل الحكومات الأجنبية بضمانات على ديونها من الولايات المتحدة ، مثل إسرائيل.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن بعض مديري الصناديق "حساسون" بشكل خاص لتخفيض التصنيفات، وقد يضطرون إلى بيع ممتلكاتهم من الخزانة للوفاء بالقواعد المتعلقة بالحد الأدنى لتصنيفات الديون المسموح لهم بحملها، ما يؤدي إلى خفض أسعارهم.

الأهم من ذلك، أن التخلف عن سداد فاتورة أو سندات أو سند حكومي واحد، لا يؤدي إلى تقصير في جميع ديون الحكومة، المعروف بـ "التقصير المتقاطع"، وفقًا لجمعية صناعة الأوراق المالية والأسواق المالية، وهي مجموعة صناعية، وذلك يعني أن أغلبية ديون الحكومة ستظل جارية.

وبينت الجمعية أنه "يجب أن يحد ذلك من التأثير في الأسواق التي تعتمد على ديون الخزانة للحصول على ضمانات، مثل تريليونات الدولارات من عقود المشتقات والقروض قصيرة الأجل، التي تسمى اتفاقيات إعادة الشراء".

هناك أيضًا خطر آخر، يتمثل في تجميد أنابيب النظام المالي، حيث يندفع المستثمرون لإعادة وضع محافظهم، بينما تتراجع البنوك الكبيرة، التي تسهل التداول عن السوق، ما يجعل شراء وبيع أي أصل أكثر صعوبة.

ووسط هذا الاضطراب، خلال الأيام التي تعقب التخلف عن السداد، قد يكون عدد قليل من المستثمرين في مواجهة مكاسب كبيرة غير متوقعة.

ولكن بعد فترة سماح مدتها ثلاثة أيام، قد يفعل نحو 12 مليار دولار من مقايضات التخلف عن سداد الائتمان ، وهو نوع من الحماية ضد التخلف عن السندات.

ونوهت الصحيفة إلى اتخاذ القرار بشأن المدفوعات من قِبل لجنة الصناعة، التي تضم البنوك الكبيرة ومديري الصناديق.

أما الخطر الأكبر، فيتمثل في إمكانية تغير الثقة بالدور الأساسي للولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي.

ويمتلك المستثمرون الأجانب والحكومات 7.6 تريليون دولار ، أو 31 في المئة، من إجمالي ديون الخزانة، ما يجعلها حيوية لظروف التمويل المواتية، التي تتمتع بها الحكومة الأمريكية منذ فترة طويلة.

ولكن بعد التخلف عن السداد ، يمكن أن ترتفع المخاطر المتصورة لامتلاك سندات الخزانة، ما يجعل الاقتراض أكثر تكلفة على الحكومة في المستقبل المنظور، كما قد يقوَّض الدور المركزي للدولار في التجارة العالمية.

كما أن ارتفاع تكاليف الاقتراض الحكومي، يجعل الأمر أكثر تكلفة بالنسبة للشركات لإصدار السندات والحصول على القروض، إضافة إلى رفع أسعار الفائدة للمستهلكين، الذين يأخذون قروضًا عقارية أو يستخدمون بطاقات الائتمان.

اقتصاديًا، وفقًا لتوقعات البيت الأبيض، فإن التخلف عن السداد فترة وجيزة، يؤدي إلى خسارة نِصف مليون وظيفة وركود ضحل، ومن شأن التخلف عن السداد فترات طويلة، أن يدفع باتجاه خسارة ثمانية ملايين وظيفة وركود حاد، مع انكماش الاقتصاد بأكثر من 6 في المئة.