انهيار في صفوف الأمن.. تظاهرات إيران تدخل مرحلة جديدة 

ملامح تطورات الاحتجاجات التي عمَّت أرجاء عدة في إيران، رافعة راية العصيان في وجه النظام وأدواته القمعية.

انهيار في صفوف الأمن.. تظاهرات إيران تدخل مرحلة جديدة 

السياق

انهيار في صفوف قوات الأمن، واعتقال المئات، ووفاة العشرات.. ملامح تطورات الاحتجاجات التي عمَّت أرجاء عدة في إيران، رافعة راية العصيان في وجه النظام وأدواته القمعية.

تلك الاحتجاجات التي دخلت يومها الثامن على التوالي دون أن تُخْمَد جَذْوتها بعد، توسَّعت في عدد من المناطق، وسط تأييد محلي ودولي، وآمال بأن تكون نهاية لنظامٍ جثم على قلوب الإيرانيين عقودًا من الزمان.

واعترفت وسائل الإعلام الحكومية لأول مرة منذ اندلاع الاحتجاجات قبل أيام، بمقتل 35 شخصًا على الأقل في التظاهرات التي طافت شوارع المدن الرئيسة في جميع أنحاء إيران، بما في ذلك طهران؛ تنديدًا بملابسات وفاة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق الإيرانية.

وأُعْلِن الأسبوع الماضي وفاة الشابة الكردية مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عامًا، بعد ثلاثة أيام من اعتقالها في العاصمة الإيرانية على يد شرطة الأخلاق؛ لارتدائها الحجاب بطريقة «غير لائقة».

وخرجت مظاهرات في 40 مدينة على الأقل في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك العاصمة طهران، فيما طالب المتظاهرون بإنهاء العنف والتمييز ضد المرأة وكذلك إنهاء ارتداء الحجاب الإجباري، وبإسقاط النظام.

وبحسب وسائل إعلام محلية، فإنَّ محتجين سيطروا على شوارع العديد من المدن، وطالبوا بالإطاحة بالنظام الإيراني من خلال حرق الأوشحة وترديد الشعارات المناهضة للنظام.

وفي بعض المناطق، انتشرت صور لإضرام النار في سيارات ومعدات لقوات الأمن، وتواصلت الشعارات ضد مسؤولي النظام، بمن فيهم المرشد علي خامنئي.

وتُظهر لقطات بثّت على وسائل التواصل الاجتماعي، عائلات تحمي متظاهرين يحاولون الفرار من الشرطة، شوهد في إحداها الشرطة وهي تكسر باب المنزل الذي يختبئ فيه المتظاهرون.

وقال شاهد من طهران، في تصريحات لصحيفة «الغارديان»: «الليلة الماضية، صعد العديد من النساء والرجال في حي فاناك إلى أسطح المباني وهتفوا: الموت للديكتاتور».

وأضاف الشاهد: «خلال هذه المظاهرات، رأيت قوات الحرس الثوري الإيراني تهاجم فجأة سيارة. كان السائق امرأة. دقت بوقها دعمًا للمتظاهرين في الشارع. فقامت الشرطة بإلقاء تلك المرأة بعنف من السيارة واعتقالها».

وتابع: لقد شاهدت الشرطة تعتقل الناس بطرق عنيفة بشكل لا يصدق. شعبنا يقاتل ضد القوات العسكرية بأيديهم فقط. ومع ذلك، يطلقون النار على الناس ويقفون أمام المستشفيات للتحقق ممَّن ينقلون، ثم يعتقلونهم».

انهيار قوات الأمن

اتساع رقعة تلك الاحتجاجات التي اتسمت بـ«العنف» في بعض المناطق، خاصة بعد استعمال قوات الأمن للغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، بحسب مقاطع الفيديو المنتشرة عبر مواقع التواصل، دفع قائد قوات الأمن في مدينة رشت بشمال إيران -والتي شهدت تظاهرات حاشدة- إلى الاعتراف بـ«انهيار قوات الأمن».

وقال الجنرال عزيز الله ملكي، قائد قوات الشرطة في محافظة جيلان التي شهدت وعاصمتها رشت مظاهرات عارمة، في مقابله بثها موقع موقع «غيل خبر»، وحذفها لاحقًا: «منذ ليالٍ ونحن على حافة السقوط»، مشيرًا إلى أن ثمة اختلافات بين القادة والجنود في قوات الأمن بخصوص طريقة مواجهة الاحتجاجات التي وصفها بـ«أعمال الشغب».

وبحسب المسؤول الإيراني، فإنَّ هذه الاختلافات تسببت في تقدم المحتجين في المحافظة وخاصة في العاصمة رشت، معترفًا بأنه «لولا إرسال قوات من المحافظات الأخرى لسيطر المحتجون على المحافظة».

وفيما أشار إلى أن المحافظات الإيرانية الأخرى تواجه نفس التحديات، الممثلة في قلة عدد عناصر الأمن، وصف تصاعد الاحتجاجات بـ«الأمر الخطير».

كيف تعاملت قوات الأمن؟

تقول السلطات الإيرانية، إنها ستقيد الوصول إلى الإنترنت في البلاد حتى عودة الهدوء إلى الشوارع الذي شهد نزول مئات الآلاف، في رسالة واضحة على تدنّي شعبية النظام.

وقال وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي، في حديث مع الإذاعة الحكومية IRIB يوم الجمعة: «حتى انتهاء أعمال الشغب، ستكون خدمة الإنترنت محدودة، لمنع تنظيم الشغب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، نحن ملزمون بوضع قيود على الإنترنت».

وقال وحيدي: «وردت تقارير من هيئات رقابة واستجوب شهود ومراجعة مقاطع فيديو وتمَّ الحصول على آراء الطب الشرعي وتبيَّن أنه لم يكن هناك ضرب»، مشيرًا إلى أن الحكومة تحقق في سبب وفاة أميني، ويجب انتظار الرأي النهائي للطبيب الشرعي، الأمر الذي يستغرق وقتًا.

وانتقد وحيدي أولئك الذين اتخذوا مواقف «غير مسؤولة والذين حرَّضوا على العنف واتبعوا الولايات المتحدة والدول الأوروبية والجماعات المناهضة للثورة».

جاءت تعليقات وحيدي بعد أن أظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد لنساء يتحدين القيود الأمنية، بخلع الحجاب وحرقه، فيما ردد المتظاهرون شعارات مثل «المرأة، الحياة، الحرية»، بالإضافة إلى انطلاق دعوة من الأمم المتحدة لإجراء تحقيق مستقل في وفاة مهسا أميني ودعوة قوات الأمن الإيرانية إلى الامتناع عن استخدام القوة غير المتناسبة مع المحتجين.

الأمر نفسه كرره الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والذي طالب في تصريحات صحفية، بثت اليوم السبت، بمواجهة التظاهرات بـ«حزم»، قائلًا إنه على إيران «التعامل بحزم مع أولئك الذين يعتدون على أمن البلاد وسلامها».

تصريحات رئيسي جاءت في مكالمة هاتفية قدم خلالها التعازي لأسرة أحد أفراد الأمن قُتل طعنًا الأسبوع الماضي، مع توجيه أصابع الاتهام إلى المتظاهرين الغاضبين من وفاة مهسا أميني خلال احتجاز الشرطة لها.

ما ردود الفعل الدولية؟

على مدار الأيام الماضية، أصدرت دول عدة بيانات تشجب وتدين تعامل قوات الأمن الإيرانية مع المتظاهرين، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت خطوة جديدة تجاه دعم المحتجين.

فرغم العقوبات الأمريكية على إيران، إلا أن وزارة الخزانة الأمريكية أصدرت في ساعة مبكرة من صباح اليوم السبت، توجيهات لتوسيع نطاق خدمات الإنترنت المتاحة للإيرانيين.

وبحسب وكالة «رويترز»، فإن مسؤولين قالوا إن هذه الخطوة ستساعد الإيرانيين في الوصول إلى الأدوات التي يمكن استخدامها لتفادي رقابة الدولة، لكنها لن تمنع طهران تمامًا من استخدام أدوات الاتصال لقمع المعارضة.

وقال نائب وزير الخزانة والي أدييمو، إنه "في الوقت الذي ينزل فيه الإيرانيون الشجعان إلى الشوارع للاحتجاج على وفاة مهسا أميني، تضاعف الولايات المتحدة دعمها لتدفق المعلومات بحرية إلى الشعب الإيراني"

وكان مرصد نتبلوكس لمراقبة انقطاعات الإنترنت قال يوم الخميس، إنه تم تسجيل تعطل جديد للإنترنت عبر الهاتف المحمول في إيران، مشيرًا إلى أنَّه يتم تقييد الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المحتويات بشدة.

وأكد المرصد حدوث انقطاع شبه كامل في الاتصال بالإنترنت في عاصمة المنطقة الكردية يوم الإثنين، وربط ذلك بالاحتجاجات.

فيما قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين إنه «في مواجهة هذه الخطوات، سنساعد في التأكد من أن الشعب الإيراني لن يظل معزولًا وفي الظلام».