هل العراق على شفا حرب أهلية شيعية؟

وصفت المجلة الأمريكية، تطورات الأحداث، بأنها أسوأ صراع شيعي داخلي في العراق منذ سنوات، حتى الآن، بعدما ظلت الأغلبية الديموغرافية الشيعية في العراق موحدة إلى حد كبير منذ سقوط صدام حسين

هل العراق على شفا حرب أهلية شيعية؟

ترجمات – السياق

"العراق يقترب من شفا حرب أهلية شيعية"، تحت هذا العنوان رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن التنافس العنيف على نحو متزايد بين زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وإيران سيقرر مستقبل العراق.
كانت العراق شهدت أحداث عنف قبل نحو أسبوعين، راح ضحيتها العشرات، انتهت بإعلان الصدر اعتزاله السياسة، بعد أشهر من المحاولات الفاشلة لتشكيل حكومة جديدة، ثم خروج الآلاف من أنصار الزعيم الوطني -الذي ظهر كمعارض قوي للميليشيات المدعومة من إيران في العراق- إلى الشوارع غاضبين واشتباكهم مع قوات الأمن واختراق المنطقة الخضراء.
وما يعيد المخاوف من عودة العنف إلى الشارع العراقي، انتهاء مهلة التهدئة التي دعا إليها الصدر، مع انتهاء الزيارة الأربعينية (مناسبة دينية شيعية) رسميًا، الجمعة، خصوصًا أن المساعي -على ما يبدو- لم تنجح في تهدئة الصراع القائم منذ أشهر بين التيار الصدري والإطار التنسيقي المدعوم من إيران.

منطقة حرب

وبينت "فورين بوليسي" أنه في غضون 24 ساعة تمكن مقتدى الصدر من إظهار قوته، عندما خضعت شوارع العاصمة العراقية بغداد للعنف، ثم خفت حدته ، بناءً على طلب منه.
وفي 29 أغسطس، حوَّل أتباع الصدر العاصمة إلى منطقة حرب، حتى دعا إلى إنهاء النزاع المسلح صباح اليوم التالي.
وفي غضون ساعة، توقفت الفوضى في المدينة، بعد أن أدت إلى قتل 21 شخصًا على الأقل وإصابة 250.
وأشارت المجلة إلى أن الأحداث كشفت المعركة الجيوسياسية الدائرة بين إيران وجهود العراق لتشكيل حكومة في بغداد، لافتة إلى أنه على عكس الاحتجاجات الشعبية عام 2019، التي ولدت من رحم الإحباط الناجم عن الفساد السياسي، فإن العنف الذي شهده العراق -قبل نحو أسبوعين- نجم عن النفوذ الإيراني في البلاد التي باتت على شفا حرب أهلية شيعية.
وترى المجلة الأمريكية أن ما سمتها "دوامة الأحداث الكارثية" التي بلغت ذروتها مع تحول أجزاء من بغداد إلى منطقة حرب، أثارها بيان تم تجاهله إلى حد كبير من قِبل زعيم ديني، هو كاظم الحائري الذي أعلن في أغسطس تقاعده من منصبه كسلطة دينية بأثر فوري، والمفاجئ أنه شرع في مطالبة أتباعه بدعم علي خامنئي الإيراني بدلًا من ذلك، بهدف الحد من نفوذ الصدر.
وأوضحت أن أحد أركان العقيدة المركزية في الإسلام الشيعي هو مفهوم المرجعية، بضرورة أن يكون لكل مسلم شيعي زعيم روحي مختار يتم اتباع فتاواه من دون أدنى شك.
لكن -حسب المجلة- لكي يصبح رجل الدين مرجعيًا، يجب أن يمر بعقود من الدراسة الدينية، إضافة إلى كسب دعم زملائه من كبار رجال الدين، قبل منحه لقب آية الله.
ففي العراق، يُعد آية الله علي السيستاني صاحب التأثير الأكبر في المراسم الروحية، إلا أنه اختار الابتعاد عن السياسة، لكن المرجع في إيران هو المرشد الأعلى للبلاد، علي خامنئي، الذي يشارك إلى حد كبير في حكم بلاده ومحاولة التأثير في جارتها العراق.
كان والد مقتدى، آية الله محمد الصدر، يتمتع بالمؤهلات ليكون قائدًا روحيًا وزعيمًا سياسيًا، لكن بعد اغتيال الصدر الأكبر عام 1999، انقسم الموالون له في ولائهم السياسي والديني.
وبما أن الصدر الأصغر ليس مرجعاً، فإن أنصاره -الذين كان واجبهم وفقاً للإسلام الشيعي، باتباع رجل دين آخر في مسائل العقيدة- لجأوا إلى الحائري، الذي حصل على تأييد الصدر الأكبر، من أجل التوجيه الديني.
إلا أن قرار حائري الاستقالة من السلطة الدينية غير مسبوق في نظام المرجعية، إذ إنه عادةً ما يستمر المرجع في تقديم دوره حتى الوفاة.
وأشارت المجلة إلى أن السيستاني يبلغ من العمر 92 عامًا ومع ذلك يواصل مهامه، بينما واصل آية الله محمد حسين فضل الله عمله كمرجع، رغم دخوله المستشفى مرات عدة، حتى وفاته عام 2010.
كما أنه ليس من الشائع أن يُعين آية الله على قيد الحياة خليفته، ناهيك عن اعتراف آية الله العراقي بالسلطة الدينية لرجال الدين في إيران، وهو أمر أيضًا غير شائع.
نفوذ طهران
وأوضحت "فورين بوليسي" أن محاولة طهران لكسب النفوذ على أتباع الصدر لم تكن مدروسة بشكل جيد، إذ فشلت في اعتبار أن مؤيديه مخلصون له من دون تردد.
وأشارت إلى أنه ردًا على استقالة الحائري الصادمة، ادعى الصدر (وليس للمرة الأولى) أنه يستقيل من السياسة، ما دفع أنصاره المدججين بالسلاح إلى النزول إلى شوارع بغداد، ثم منح الصدر أنصاره 60 دقيقة للانسحاب من البرلمان ووقف كل أعمال العنف، وقد أطاعه أنصاره على الفور، وأرسلوا رسالة إلى طهران مفادها أنها بصرف النظر عن الطريقة التي قد تحاول بها التأثير في السياسة العراقية، فإن الصدر لا يزال مسيطرًا على الأرض.
وترى المجلة الأمريكية، أن ما سمتها "هذه المعركة مع إيران" مستمرة منذ أن تركت الانتخابات العراقية في أكتوبر 2021 البلاد في مأزق سياسي، لافتة إلى أنه من دون فائز صريح في صناديق الاقتراع، لم يكن لدى أي حزب سياسي أغلبية لتشكيل حكومة، ما دفع البلاد إلى أشهر من عدم الاستقرار السياسي.
أمام ذلك -حسب المجلة- تجد البلاد نفسها في مواجهة ارتفاع معدلات الفقر، وزيادة عمالة الأطفال، ومعدلات البطالة القياسية بعدما مُنعت الحكومة المؤقتة دستوريًا من تمرير مشروع قانون الميزانية.
وبفوزه بأكبر كتلة في الحكومة، حصل حزب الصدر على 73 مقعدًا من أصل 329، متفوقًا -بشكل كبير- على التحالف المدعوم من إيران، المعروف باسم تحالف الفتح، وموجهًا ضربة قوية لطهران.
يذكر أن حملة الصدر تعهدت بمنع التأثير الخارجي في العراق، من قِبل إيران والولايات المتحدة، ومعالجة الفساد الداخلي.
ولكن مع رفض إيران فقدان نفوذها في العراق ورفض الصدر التراجع عن موقفه المناهض لإيران، وجد الجناحان السياسيان المستقطبان نفسيهما في مأزق تحول إلى العنف، نهاية الشهر الماضي.
ووصفت المجلة الأمريكية، تطورات الأحداث، بأنها أسوأ صراع شيعي داخلي في العراق منذ سنوات، حتى الآن، بعدما ظلت الأغلبية الديموغرافية الشيعية في العراق موحدة إلى حد كبير منذ سقوط صدام حسين.
وأشارت إلى أنه خلال العملية الانتخابية الأولى عام 2005، دعم السيستاني -وهو أيضًا الزعيم الروحي لمعظم المسلمين الشيعة على مستوى العالم- التحالف العراقي الموحد، ما أدى إلى انتصار ساحق لتجمع الحزب ذي الأغلبية الشيعية، لكن بمرور الوقت، تفكك هذا التحالف.
ولفتت إلى أنه "إلى جانب عدم ثقة الجمهور العراقي بالنخبة السياسية، أدت الأحداث الأخيرة إلى مشهد استقطابي متزايد بين الشيعة، مع انقسام عميق بين جماعة الصدر الوطنية وقوات الحشد الشعبي المتأثرة بشدة بإيران".
معاناة الصدر
وبينت "فورين بوليسي" أنه على مدى أشهر، عانى الصدر ضربات متكررة من إيران، بعد أن تعهد باستبعاد الأحزاب المدعومة من إيران من المشاركة في تشكيل حكومة عراقية.
وأشارت إلى أنه في فبراير من هذا العام، وفي محاولة أخيرة للتعاون مع الصدر، أرسلت إيران الجنرال إسماعيل قاآني لمقابلته. ويُزعم أن الصدر رد غاضبًا من محاولة التودد هذه، قائلًا: "ما علاقة السياسة العراقية بك؟".
إلا أن المجلة الأمريكية كشفت أن إصرار إيران أدى -في النهاية- إلى إجبار الصدر على التخلي عن انتصاره في 12 يونيو، واستقالة ما يقرب من ثلث المشرِّعين العراقيين، حيث نقل -بدلاً من ذلك- المعركة إلى شوارع العراق، داعيًا إلى مسيرة مليونية في تغريدة، وتعهد بمواصلة محاربة الفساد.
وأوضحت أن الصدر يدعو -منذ ذلك الحين- إلى إجراء انتخابات مبكرة، ولكن مع استمرار الاضطرابات السياسية في العراق، فإنه من غير المرجح أن تؤدي انتخابات أخرى إلى إصلاح الأضرار الهيكلية العميقة التي لحقت بها. 
وخلصت المجلة إلى أن الفوضى التي استمرت 24 ساعة، تظهر ما يمكن أن يحدث إن ظل الصدريون بلا قيادة مسؤولة، وذلك مؤشر أيضًا على السرعة التي يمكن أن تدخل بها البلاد في حرب داخلية شاملة بالنظر إلى المدججين بالسلاح.
ورأت أنه رغم أن طهران ربما لم تطلب مباشرةً العنف في شوارع بغداد، فإن محاولاتها المستمرة للتأثير في العراق تساهم بتصاعد التوترات في البلاد.
وأضافت: "مع ديموغرافية شيعية شديدة الانقسام، انحدر العراق مرة أخرى إلى مزيد من الاضطرابات"، مشددة على أن الأمل الوحيد أن تتراجع إيران عن السياسة العراقية، وتترك الأمة تحاول رسم مستقبلها بنفسها.