غرق قارب سوريا.. القبض على مهربين واستمرار عمليات انتشال الضحايا
القوات اقتحمت الجمعة منازل عدد من المهربين المشتبه بهم، واعتقلت أربعة في مدينة طرابلس الشمالية

السياق
أمهات ثكلى، أطفال أصبحوا يتامى، مشاهد مروعة في رحلة شاقة بدأها ذوو ضحايا غرق قارب يقل مهاجرين من لبنان قبالة سواحل سوريا، في حادث وصف بالأكثر دموية حتى الآن.
فبعد 4 أيام من غرق قارب المهاجرين قبالة سواحل سوريا، مازالت أعمال البحث عن جثامين الضحايا متواصلة، بعد انتشال 91 جثة من جنسيات سورية وفلسطينية ولبنانية، فيما لا زال نحو 50 شخصًا في عداد المفقودين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
فما القصة؟
قارب لا يتسع سوى لثلاثين شخصًا في أقصى حالاته، انطلق في رحلة وصفت بـ«رحلة الموت» يوم الثلاثاء الماضي من لبنان إلى إيطاليا، حاملا أكثر من 160 شخصًا، بينهم رجال وشبان ونساء وأطفال.
وبعد يوم من انطلاق الرحلة، بدأت أنباء «الكارثة» تتوالى، بعد غرق القارب الذي كان يقل سوريين ولبنانيين وفلسطينيين، إلا أن تلك التقارير كانت متضاربة حول عدد الأشخاص الذين كانوا على متن القارب عندما غرق، بالإضافة إلى حجم القارب وسعته.
وأمام ضبابية المعلومات، نقلت وكالة «أسوشيتيد برس»، عن مسؤولين قولهم، إن القارب غادر من مدينة المنية قرب ميناء طرابلس اللبناني قبل أن يغرق قرب جزيرة أرواد السورية القريبة من طرطوس، فيما يعتقد أن القارب كان متوجهًا إلى قبرص عندما غرق.
وتقع طرطوس، حيث تم نقل الناجين، على بعد حوالي 30 ميلاً (50 كم) شمالي طرابلس اللبنانية، فيما قالت وكالة الأنباء السورية، إن السلطات ستنقل جثث الضحايا المجهولين إلى المعبر الحدودي لتسليمها إلى الصليب الأحمر اللبناني.
وقالت السلطات السورية، إن أقارب الضحايا بدأوا في العبور من لبنان إلى سوريا للمساعدة في التعرف على أحبائهم واستعادة جثثهم، فيما نقل التلفزيون السوري الحكومي عن وزير الصحة محمد حسن غباش قوله إنه تم إنقاذ 20 شخصا وهم يتلقون العلاج في مستشفى الباسل بمدينة طرطوس الساحلية، مشيرًا إلى أن الجهات الطبية في حالة تأهب منذ ظهر الخميس للمساعدة في عمليات البحث.
وقال مسؤول في الباسل، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بموجب اللوائح المحلية، إن ثمانية من الذين تم إنقاذهم كانوا في العناية المركزة، مؤكدًا تسجيل السلطات المحلية وفاة 89.
وأكد مدير الهيئة العامة لمسشفى الباسل الدكتور إسكندر عمار، أن عدد الذين يتلقون العلاج في المشفى بلغ 14 شخصا، اثنان منهم فى العناية المشددة، فيما تم تخريج 6 من المشفى إلى منازلهم وهم بصحة جيدة، مشيرًا إلى أنه جرى نقل 5 مرضى من العناية المشددة إلى الأقسام الطبية المتخصصة، لاستقرار حالتهم.
وفيما قال إن إجراءات تسليم الجثث لذوي الضحايا مستمرة بعد تعرف الأهالي عليها، قال وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي إن ثماني جثث أعيدت إلى لبنان في ساعة مبكرة من صباح أمس الجمعة.
وبعد غروب الشمس يوم الجمعة، نقل مزيد من جثث الضحايا بينهم فلسطينيان إلى لبنان، في سبع سيارات إسعاف اتجهت جنوبا من معبر العريضة الحدودي باتجاه مدينة طرابلس الشمالية.
وقالت وسائل إعلام رسمية سورية إن السلطات سلمت جثث تسعة لبنانيين وفلسطينيين إلى الصليب الأحمر اللبناني عند معبر العريضة الحدودي.
الفلسطيني سالم خلف الذي فقد قريبه في الكارثة، تحدث عند المعبر الحدودي لوكالة «أسوشيتيد برس»، قائلا، إن المهاجرين ليس لديهم خيار سوى القيام برحلة خطيرة هرباً من البؤس في لبنان.
وعن لبنان أضاف: «إن ترك السمك يأكلنا أفضل من العيش هنا»، مشيرًا إلى أنهم «لقد وصلوا إلى النقطة التي يريدون أن يموتوا فيها في البحر»، في إشارة إلى الذين لقوا حتفهم في غرق القارب.
وقال محافظ طرطوس عبد الحليم خليل لراديو الشام الحكومي، إن البحث جار عن المزيد من الجثث قبالة سواحل بلاده، فيما قال مسؤول في الموانئ لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن 31 جثة تم انتشالها على الشاطئ بينما التقطت قوارب سورية البقية في عملية بحث بدأت مساء الخميس.
وفي أعقاب الكارثة، قال الجيش اللبناني، إن القوات اقتحمت الجمعة منازل عدد من المهربين المشتبه بهم، واعتقلت أربعة في مدينة طرابلس الشمالية، ثاني أكبر مدن لبنان وأكثرها فقراً، فيما اعتقل ثلاثة آخرين في قرية دير عمار المجاورة.
وقال الجيش اللبناني، إن المشتبه بهم متورطون في تهريب مهاجرين عن طريق البحر بينما يخطط آخرون لشراء قوارب للسبب نفسه.
أهالي الضحايا ينعون
وسام تلاوي، أحد الناجين الذين يتلقون العلاج في مستشفى الباسل، فقد ابنتيه فيما لا تزال زوجته وابناه في عداد المفقودين. ونقلت جثثا ابنتيه ماي ومايا إلى لبنان فجر الجمعة ودفنتا في مسقط رأسيهما شمال القرقاف.
وقال والد تلاوي الذي عرّف نفسه على أنه أبو محمود: «إنني بخير لكن الأطفال تائهون»، مشيرًا إلى أن نجله أعطى للمهربين شقة الأسرة مقابل نقله هو وعائلته إلى أوروبا.
مصطفى مستو، 35 عامًا، توفي مع ابنتيه وابنه، فيما لا تزال زوجته ووالدها في حالة حرجة في أحد مستشفيات سوريا.
كان مصطفى، سائق تاكسي لبناني، يأمل وعائلته في الوصول إلى إيطاليا حيث كانوا يحلمون بحياة أفضل، لكن أسرهم الآن مثل الآخرين الذين فقدوا حياتهم على هذا القارب، في حالة صدمة.
والدة مصطفى، (عادلة) تجلس في وسط غرفة كبيرة مليئة بالأقارب المفجوعين، وتنتحب بصوت عالٍ، ملقية باللوم على الحكومة اللبنانية في مصير ابنها.
وتقول والدة مصطفى: «لقد هرب من الفقر والظروف المروعة التي تركونا فيها. هؤلاء السياسيون لا يهتمون كثيرًا بحياتنا. لا شيء سيعيده إليّ، ولن يعيده إلي أطفاله الصغار».
أزمة حادة
ويستضيف لبنان ما يقدر بنحو 1.5 مليون لاجئ سوري، وحوالي 14 ألفًا من دول أخرى، وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي قالت إن البلد العربي يواجه أزمة اقتصادية حادة، فاقمتها جائحة كورونا وانفجار ميناء بيروت عام 2020، والتي تركت أكثر من 80% من السكان يكافحون لشراء الغذاء والدواء.
ويؤثر الوضع بشدة على السكان المهاجرين في البلاد، الذين يختار الكثير منهم الفرار إلى أماكن أخرى، بما في ذلك إلى أوروبا؛ فشهد لبنان في العام الماضي ارتفاعًا كبيرًا في عدد المهاجرين الذين يستخدمون شواطئه للسفر إلى أوروبا. ووفقًا لأرقام الأمم المتحدة فإن عدد المغادرين من البلاد تضاعف تقريبًا في عام 2021 عن عام 2020.
وقال مراقبون دوليون إن عدد المعابر هذا العام ارتفع بأكثر من 70% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
وفي أبريل/نيسان، هبط قارب يقل عشرات اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين الذين كانوا يحاولون الهجرة عن طريق البحر إلى إيطاليا على بعد أكثر من 5 كيلومترات (3 أميال) من طرابلس، بعد مواجهة مع البحرية اللبنانية، قتل فيها العشرات.
والأربعاء، قال مسؤولون لبنانيون، إن القوات البحرية أنقذت زورقا يحمل 55 مهاجرا بعد أن واجه مشاكل فنية على بعد حوالي 11 كيلومترا قبالة سواحل منطقة عكار الشمالية، مشيرة إلى أن من بين الذين تم إنقاذهم امرأتان حاملان وطفلان.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قُتل ستة أشخاص بينهم أطفال، عندما غرق قارب يقل مهاجرين من لبنان إلى أوروبا قبالة سواحل تركيا. وقال خفر السواحل في البلاد إنه تم إنقاذ 73 مهاجرا من أربعة قوارب.