قتل وخطف.. السر وراء تزايد مؤامرات إيران الخارجية في الآونة الأخيرة
يعرفون جيدًا أنه يمكنهم الإفلات من العقاب

ترجمات – السياق
لماذا يواصل المسؤولون الإيرانيون إصدار الأوامر بتنفيذ هجمات على الأراضي الأمريكية في خِضم مفاوضات حساسة؟ في إشارة إلى مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي... هكذا تساءل معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، عن عدد من الهجمات التي شملت ما تعدهم طهران (معارضين أو أعداء) داخل الأراضي الأمريكية، مشيرًا إلى أن الإجابة الوحيدة عن هذا التساؤل "أنهم يعرفون جيدًا أنه يمكنهم الإفلات من العقاب".
وفي تقرير للكاتب ماثيو ليفيت مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن سلط الضوء على تصاعد ما وصفها بـ "مؤامرات وعمليات الاغتيال والخطف الإيرانية في الخارج" خلال الآونة الأخيرة، التي تستهدف مسؤولين سابقين في الولايات المتحدة والدول الغربية، والمعارضين السياسيين الإيرانيين في الخارج، لا سيما أنشطة وفعاليات المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (NCRI)، الذي يُعرف بحركة مجاهدي خلق.
وفي هذا الإطار، أشار المعهد إلى ما أعلنته وزارة العدل الأمريكية -الأسبوع الماضي- بأن أحد أعضاء الحرس الثوري الإيراني (IRGC) ويُدعى "شهرام بورصافي" مُتهم بالتآمر لاغتيال مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون، فضلًا عن وزير الخارجية السابق ومدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو، عبر تجنيد عملاء لطهران في واشنطن.
وبيّن أن بورصافي عرض 300 ألف دولار لقتل بولتون، ومليون دولار لاغتيال بومبيو، إلا أن "العميل" لقتل بولتون كان متعاونًا مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.
ووصف مكتب التحقيقات الفيدرالي بورصافي بأنه "عضو رسمي" في الحرس الثوري الإيراني، مضيفًا أنه "تم تقييمه على أنه يعمل نيابةً عن" فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني"، لتجنيد أفراد في الولايات المتحدة لتنفيذ جرائم القتل هذه.
سجل حافل
ولفت معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الانتباه إلى أن إيران لديها سجل حافل في تنفيذ عمليات الاغتيال والاختطاف والمراقبة، التي تستهدف المصالح الأمريكية والغربية في جميع أنحاء العالم، خصوصًا في الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أنه على مدى الـ 43 عامًا الماضية -منذ الثورة الإيرانية عام 1979- نفذت طهران ما يصل إلى 105 مؤامرات في جميع أنحاء العالم، واستهدفت معارضين سياسيين إيرانيين ودبلوماسيين، ويهودًا وإسرائيليين، ومسؤولين أمريكيين وغربيين وعربًا، كانت 18 عملية منها فقط على الأراضي الأمريكية.
وأشار إلى أنه خلال العقد الماضي فقط، نفذت إيران نحو 62 مؤامرة، استهدفت 23 عملية منها لمنشقين إيرانيين ، و28 حالة استهدفت يهودًا أو إسرائيليين، و20 استهدفت دبلوماسيين، و 14 حالة استهدفت مصالح غربية، وست حالات استهدفت مصالح دول عربية.
ونبه التقرير إلى أن أول مؤامرة اغتيال خارجية نفذها عملاء إيرانيون في الخارج كانت عام 1980، بولاية مريلاند الأمريكية، واستهدفت الدبلوماسي الإيراني السابق "علي أكبر طباطبائي"، مشيرًا إلى تزايد هذه العمليات خلال تسعينيات القرن الماضي، إذ أكدت البيانات الرسمية الأمريكية مسؤولية طهران عن نحو 50 جريمة قتل للمعارضين السياسيين وغيرهم في الخارج مُنذ عام 1990.
يذكر أنه في يوليو 1980، جند عملاء إيرانيون ديفيد بلفيلد (المعروف أيضًا باسم داود صلاح الدين)، -وهو أمريكي تحول إلى الإسلام الشيعي-، لاغتيال الدبلوماسي الإيراني السابق علي أكبر طباطبائي في بيثيسدا بولاية ماريلاند.
في هذا السياق، تطرق معهد واشنطن إلى استمرار طهران في استهداف المعارضين الإيرانيين في الخارج، خصوصًا فعاليات المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية "مجاهدي خلق"، حيث ألغى المجلس -الشهر الماضي- قمة كان سيعقدها في ألبانيا، بعد تحذيرات من السلطات بشأن تهديد إيراني محتمل، كما يراقب عملاء إيران أنشطة المجلس في الولايات المتحدة.
وفي نوفمبر 2019، اعترف عميلان إيرانيان -أحدهما إيراني أمريكي مزدوج والآخر إيراني يعيش في كاليفورنيا- بمراقبة أمريكيين أعضاءً في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، في محاولة لاغتيالهما.
وأشار التقرير إلى أن العملاء الإيرانيبن حضروا تجمعات المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في مدينة نيويورك وواشنطن العاصمة، إلا أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يضعهم تحت المراقبة.
وتم ضبط صور لمركزي هيليل وروهر شاباد، وهما مؤسستان يهوديتان في جامعة شيكاغو، مع العميلين الإيرانيين، ما يعني أن المركزين كانا مستهدفين.
وكشف المعهد أن العملاء الإيرانيين كانوا على اتصال منتظم بوكلاء الحرس الثوري الإيراني في إيران، ما يؤكد أن هذه ليست عمليات فردية، لكنها مؤامرات يديرها مسؤولون إيرانيون.
استهداف النشطاء
في سياق متصل، ألمح معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إلى إرسال طهران خلال عام 2021 عملاء لها، لاستهداف الناشطة الإيرانية في مجال حقوق الإنسان "مسيح علي نجاد" المقيمة في نيويورك، وفي يوليو من العام نفسه، وجهت وزارة العدل الأمريكية لائحة اتهام إلى أربعة من مسؤولي المخابرات الإيرانية بتهمة التآمر لاختطافها وإعادتها إلى إيران.
ووفقًا للسلطات الأمريكية، فإن مسؤول المخابرات الإيرانية -الذي قاد هذه المؤامرة- يوجه أيضًا شبكة من العملاء الإيرانيين استهدفت ضحايا في كندا والمملكة المتحدة.
ومن اللافت للنظر -حسب المعهد- أن كشف هذه المؤامرة والاهتمام الإعلامي الكبير بها لم يردعا إيران عن متابعة مؤامرة أكثر جرأة تستهدف مسيح نجاد.
ففي وقت سابق من هذا الشهر، التقطت كاميرا باب مسيح علي نجاد لقطات لرجل يقف على شرفة منزلها الأمامية يلتقط صورًا أو فيديو بهاتفه.
وردًا على سلوكه المشبوه، أوقفته الشرطة، وعندما فتشت سيارته، عثرت على حقيبة محملة ببندقية هجومية من طراز AK-47 مع إزالة الرقم التسلسلي و1100 دولار.
الدافع
ورجح معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن الدافع الرئيس لتورط إيران بشكل متزايد في تلك الأنشطة العدوانية بالخارج -خلال الآونة الأخيرة- هو الرد على دعم واشنطن للتنظيمات الإيرانية المعارضة، والرد على عملية الاغتيال التي نفذتها واشنطن وأدت إلى قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في يناير 2020، حيث تُشير البيانات إلى تزايد المؤامرات الخارجية الإيرانية بشكل كبير منذ اغتيال سليماني، مقارنةً بالفترة السابقة على الحادث.
وأشار إلى أنه في الوقت الذي يشعر فيه النظام الإيراني بأنه يتعرض لضغوط متزايدة في الداخل، من المرجح أن يتدخل الحرس الثوري للدفاع بقوة عن النظام.
ففي نظر القادة الإيرانيين، هذه المؤامرات رد متناسب ومعقول على الدعم الأمريكي للجماعات الإيرانية المنشقة أو على بعض الأعمال الأخرى، مثل اغتيال سليماني، إذ يبدو أن التخطيط لاغتيال "بولتون وبومبيو" كان يهدف بالأساس الانتقام من ضربة سليماني.
وأشار المعهد، إلى أنه بعد إلقاء القبض على دبلوماسي إيراني وعملاء آخرين في جميع أنحاء أوروبا، بتهمة التخطيط لتفجير تجمع للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في يوليو 2018 في باريس، ربط المدعون البلجيكيون المؤامرة صراحةً بوزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، التي "تشمل مهامها في المقام الأول المراقبة المكثفة ومحاربة جماعات المعارضة داخل إيران وخارجها".
وأدين حينها الدبلوماسي الإيراني وحُكم عليه بالسجن 20 عامًا لدوره في المؤامرة، لكن على مدى السنوات الثلاث التالية، طارد عملاء إيرانيون قرابة 26 مؤامرة عبر قارات عدة.
الأهم من ذلك -حسب معهد واشنطن- تشير البيانات إلى أن إيران تسعى بقوة وراء مؤامرات الاغتيال والاختطاف والإرهاب والمراقبة الدولية، حتى في الأوقات والأماكن الحساسة بشكل خاص، لافتًا إلى أنه باستثناء فترة 23 شهرًا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، عندما سعت إيران بنشاط لتجنُّب الوقوع في "الحرب على الإرهاب"، نفذ العملاء والوكلاء الإيرانيون عمليات، حتى خلال مفاوضات الاتفاق النووي.
ووفقًا لقاعدة بيانات معهد واشنطن، فإن 23 من إجمالي 105 مؤامرات أجنبية إيرانية تتبعها منذ عام 1980 حدثت منذ قتل سليماني في يناير 2020، وهو ما يمثل زيادة غير عادية في عدد هذه الحوادث والمؤامرات.
علاوة على ذلك، وقعت ستة من هذه الحوادث الـ 23 (بنسبة 26.1%) في الولايات المتحدة ، مقارنةً بـ 12 من أصل 82 (14.6%) من الحوادث قبل قتل سليماني.
وحسب المعهد، تسعى إيران عادةً إلى تنفيذ عملياتها بقدر من الحيل، إذ إنها لتحقيق هذه الغاية، غالبًا ما توظف ثنائيي الجنسية ووكلاء ومجرمين لتنفيذ المهام الرئيسة.
لكن الأحداث الأخيرة -حسب المعهد- تؤكد كيف أن إيران لا تزال تنشر رعاياها لتنفيذ العمليات أو الإشراف عليها، ففي مؤامرة قتل بولتون، أخبر بورصافي عميله بأنه لا يريد تتبع أي أموال إلى أي منهما، واتبع الاثنان إجراءات أمنية غير عادية في عملية الاتصال بينهما.
في 19 نوفمبر 2021، قال بورصافي للمشغل إنه لا يهم كيفية تنفيذ جريمة القتل، لكن "مجموعته" -الحرس الثوري الإيراني- سوف تتطلب تأكيدًا بالفيديو لوفاة الهدف، وسأل المشغل بورصافي عما سيحدث إذا نُسبت عملية القتل إلى إيران، فرد عليه بعدم القلق وأن "مجموعته" سوف تهتم بالأمر.
ومن خلال بحث وزارة العدل الأمريكية، تم العثور في حسابات بورصافي على الإنترنت على مجموعة من الصور مرتديًا زيًا رسميًا مشابهًا للزي الحرس الثوري الإيراني، ورغم كل تلك الأدلة، نكر بورصافي مرارًا أن تكون لديه علاقة بفيلق القدس.
وردًا على لائحة اتهام بورصافي، أصدر متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية تحذيرًا من "أي عمل ضد الإيرانيين بحجة هذه الاتهامات السخيفة التي لا أساس لها".
وختم المعهد تقريره بتأكيد أن الاستجابة المثلى التي يتعين على واشنطن والدول الغربية القيام بها، لإيقاف الأنشطة الإيرانية العدوانية في الخارج، تتمثل في اتخاذ بعض الإجراءات التي تُكبد صُناع القرار الإيرانيين تكاليف ملموسة.