بالعلم والتخطيط... الإمارات تتطلع إلى الفضاء

حسب معهد دول الخليج العربية في واشنطن، تهدف دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تعزيز الشراكات مع أفضل وكالات الفضاء في العالم

بالعلم والتخطيط... الإمارات تتطلع إلى الفضاء

ترجمات - السياق

تتجه دولة الإمارات العربية المتحدة إلى برنامجها الفضائي، لتضع نفسها كمركز للتكنولوجيا المتقدمة، وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، وإحياء ثقافة الفضاء بين الشباب الإماراتي.

ففي 26 يوليو الماضي، أعلن مركز محمد بن راشد للفضاء أن سلطان النيادي سيكون أول رائد فضاء عربي ينضم إلى مهمة مدتها ستة أشهر إلى محطة الفضاء الدولية.

وأشار معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إلى أنه تمت مناقشة الخطة مبدئيًا في أبريل، بين مركز محمد بن راشد للفضاء و"أكسيوم سبيس"، وهي شركة رائدة في مجال الرحلات الفضائية والبنية التحتية البشرية.

وبيّن المعهد، أن هذه المهمة "واحدة من عدد متزايد من المبادرات الإماراتية في قطاع الفضاء"، حيث تتجه دولة الإمارات العربية المتحدة إلى برنامجها الفضائي لتضع نفسها كمركز للتكنولوجيا المتقدمة.

 

قفزة عملاقة

ورأى معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أنه رغم الزيادة الأخيرة في الاهتمام بقطاع الفضاء في الإمارات، فإن تقدمًا كبيرًا في الصناعة يحدث منذ سنوات، حيث تأسست وكالة الإمارات العربية المتحدة للفضاء في يوليو 2014.

وكجزء من مبادرات التنويع الاقتصادي الأوسع، في جميع أنحاء المنطقة بأعقاب انهيار أسعار النفط منتصف عام 2014، كانت وكالة الإمارات للفضاء مُكلفة بتطوير وتنظيم وتوجيه الإمارات نحو الفضاء، من خلال تنمية قطاع الفضاء، مع دعم التنمية المستدامة وتعزيز مكانة الدولة كلاعب عالمي في مجال الطيران.

وأشار المعهد، إلى أنه لدعم هذه الاستراتيجية، استثمرت الإمارات 5.4 مليار دولار بتكنولوجيا الفضاء في يناير 2015.

وفي أبريل 2017، أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان -ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة آنذاك- البرنامج الوطني للفضاء.

ووفقًا للبرنامج، فإن الغرض الأساسي منه هو إعداد وتدريب الإماراتيين المتخصصين في علوم الفضاء، وتشمل مبادراتها مشروع المريخ 2117، الذي يهدف إلى إنشاء أول مستوطنة بشرية على المريخ، والبرنامج العربي لاكتشاف الفضاء، وخطط لإطلاق مجمع لتصنيع الأقمار الاصطناعية في الإمارات.

 

تعزيز الشراكات

وحسب معهد دول الخليج العربية في واشنطن، تهدف دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تعزيز الشراكات مع أفضل وكالات الفضاء في العالم.

ففي 4 أكتوبر 2018، وقَّعت وكالة الفضاء الإماراتية اتفاقية تنفيذية للتعاون في استكشاف الفضاء ورحلات الفضاء البشرية مع "ناسا".

وقد عززت هذه الاتفاقية العلاقة الثنائية بين وكالة الإمارات للفضاء و"ناسا"، ووفرت فرصًا للتعاون في أبحاث الفضاء والاستكشاف والتطوير.

وفي 30 أكتوبر 2018، أطلقت وكالة الفضاء الإماراتية القمر الاصطناعي خليفة سات، لرصد الأرض من مركز تانيغاشيما للفضاء الياباني على جزيرة قبالة الطرف الجنوبي لليابان.

ووفقًا لمركز محمد بن راشد للفضاء، كان خليفة سات أول قمر اصطناعي تم تصميمه وبناؤه واختباره من قِبل علماء ومهندسين إماراتيين.

أواخر عام 2019، أرسلت الإمارات، التي لم يكن لديها رواد فضاء قبل سنوات، أول رائد فضاء لها، هزاع المنصوري، إلى محطة الفضاء الدولية.

وقد أمضى المنصوري وقته القصير في المدار بإجراء سلسلة من التجارب وجولة في المحطة الفضائية باللغة العربية.

وفي أكتوبر 2020، وقَّعت دولة الإمارات العربية المتحدة "أرتميس" وهي اتفاقية بين وكالة ناسا والعديد من الدول، لوضع مجموعة من المبادئ لتوجيه التعاون في استكشاف الفضاء بين الدول المشاركة في مبادرة ناسا لاستكشاف القمر.

ومن خلال توقيع الاتفاقيات، التزمت دولة الإمارات ليس فقط بتطوير وكالة فضاء وطنية، بل بالقيام بذلك جنبًا إلى جنب مع مجتمع الفضاء الدولي، ما يوفر فرصًا جديدة للتعاون.

في أبريل 2021، تم اختيار نورا المطروشي، أول رائدة فضاء عربية، من برنامج الإمارات لرواد الفضاء للتدرب مع وكالة ناسا عامين.

وفي فبراير 2021، في أول رحلة لها إلى الفضاء، أطلقت الإمارات المركبة الفضائية (مسبار الأمل)، التي دخلت بنجاح مدار المريخ، ما جعل الإمارات خامس دولة تقوم بذلك.

وبيّن معهد واشنطن، أنه تم بناء المركبة الفضائية (مسبار الأمل) بالتعاون مع مختبر جامعة كولورادو بولدر لفيزياء الغلاف الجوي والفضاء.

وأشار إلى أنه منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم، دخلت الإمارات العربية المتحدة أيضًا في شراكة مع إسرائيل.

فقد وقعت الإمارات وإسرائيل اتفاقية في أكتوبر 2021 للتعاون في مهمة القمر بيريشيت2، وكجزء من الاتفاقية، يتعاون البلدان في تطوير البيانات والبحث من القمر الاصطناعي الإسرائيلي الفرنسي فينوس، بينما سيعمل الطلاب الإماراتيون والإسرائيليون معًا على قمر اصطناعي جديد لتتبع القمر.

 

تكنولوجيا الفضاء

وأشار المعهد إلى أنه إضافة إلى بناء الأقمار الاصطناعية والمركبات الفضائية، أظهرت دولة الإمارات العربية المتحدة دعمها للابتكار العالمي في تكنولوجيا الفضاء.

ففي أكتوبر 2021، أطلق مركز محمد بن راشد للفضاء مبادرة (مشاريع الفضاء) "Space Ventures"، وهي نظام بيئي في قطاع الفضاء للشركات الناشئة من جميع أنحاء العالم.

يهدف هذا النظام إلى تمكين الشركات من التعاون في مشاريع طويلة الأجل، والحصول على التكنولوجيا والدعم، وتلقي المساعدة في التواصل مع الوكالات التنظيمية الدولية لتسهيل النمو المستدام طويل الأجل.

إضافة إلى مبادرة مركز محمد بن راشد للفضاء، اختارت منظومة التكنولوجيا العالمية في أبوظبي "Hub71" -النظام البيئي العالمي للتكنولوجيا في أبوظبي- العديد من شركات تكنولوجيا الفضاء من بين 16 شركة ناشئة في مجموعتها 2021.

ومن المقرر أن تربط المنظومة "Hub71" شركات تكنولوجيا الفضاء المختارة ببرامج تهدف إلى دعم نموها وتطورها.

وحسب معهد واشنطن، يعد هذان المشروعان، وتركيزهما على الشركات الناشئة في القطاع الخا ، جزءًا من استراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة الأوسع نطاقًا لتشجيع مساهمة الشركات في تكنولوجيا الفضاء لدعم اقتصاد الفضاء.

وفي يوليو، أنشأت الإمارات صندوقًا بـ 817 مليون دولار لدعم قطاع الفضاء، بما في ذلك مبادرة لتطوير الأقمار الاصطناعية الرادارية.

وأعلنت الإمارات خططها لتكون أول دولة عربية تطور كوكبة من الأقمار الاصطناعية الرادارية ذات الفتحة ، إذ سيتم بناء الأقمار الاصطناعية من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص مع الشركات الدولية.

كما يهدف الصندوق إلى دعم تأسيس الشركات الوطنية في قطاع الفضاء وتعزيز المشاريع الاستراتيجية والبحثية الوطنية، مع السعي أيضًا إلى تشجيع الشراكات العالمية لترسيخ نفسها في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتقديم حوافز للشراكات من خلال برنامج المناطق الاقتصادية الفضائية التابع لوكالة الفضاء الإماراتية.

 

ثقافة الفضاء

وحسب معهد دول الخليج العربية في واشنطن، فإنه في الوقت الذي تشجع فيه الشراكات والاستثمارات العالمية، تحاول الإمارات أيضًا إحياء الاهتمام الثقافي بالفضاء الخارجي.

وأشار إلى أنه رغم أن عِلم الفلك نفسه متجذر بعمق في الثقافة العربية، فإن ثقافة الفضاء "الحديثة" تتطور بين الشباب الإماراتي، لافتًا إلى أنه مع تطوير الإمارات لقطاع الفضاء، كان هناك المزيد من الإماراتيين يتابعون التصوير الفلكي، إضافة إلى الفن والتعليم في الدراسات المتعلقة بالفضاء.

على سبيل المثال -حسب المعهد، حقق سعيد العمادي، عضو فريق الاتصالات في مركز محمد بن راشد للفضاء، شهرة على الإنترنت كفنان ابتكر شخصية سهيل، وهي شخصية كرتونية محشوة طارت إلى الفضاء مع المنصوري عام 2019.

كانت هناك أيضًا زيادة في المشاركة يمجموعات علم الفلك ومراقبة النجوم أيضًا، وهو نشاط ترفيهي اختفى من الثقافة السائدة.

وفي سبتمبر 2021، أطلق مركز محمد بن راشد للفضاء برنامج الإمارات لفنون الفضاء بالتعاون مع جسور، وهي مؤسسة اجتماعية خاصة.

يهدف البرنامج إلى توثيق معالم دولة الإمارات العربية المتحدة في قطاع الفضاء من خلال الفن.

وفي فبراير، أعلنت "سيلينيان"، وهي شركة مقرها الإمارات، متخصصة في رعاية الفن في الفضاء، أنها ستنقل قطعة فنية أصلية إلى القمر، بمساعدة وكالة ناسا، وسبيس بيت -مركبات الهبوط والمركبات الفضائية الروبوتية على سطح القمر- و"أستروبوتيك"، وهي شركة أمريكية خاصة تقوم بتطوير تكنولوجيا الروبوتات الفضائية لمهام القمر والكواكب.

في مارس الماضي، تم الإعلان عن أول عمل فني رسمي على الإطلاق يوضع على القمر بعنوان "نرتفع معًا - مع ضوء القمر"، الذي تم إنشاؤه بواسطة ساشا جفري، وهو فنان مقيم في دبي، ويهدف إلى البقاء على سطح القمر، وتكوين أول مهمة فنية رسمية في تاريخ البشرية إلى القمر.

ورأى معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أنه في حين أن ثقافة الفضاء الإماراتية ليست قريبة من ثقافة الفضاء الأمريكية والروسية، التي تطورت في ستينيات القرن الماضي، مع استكشافات الفضاء الأولى، فقد تزايدت شعبيتها خلال العقد الماضي.

وأشار إلى أنه في حين أن هناك متشككين يتساءلون عما إذا كان برنامج الفضاء سيكون قادرًا على إعداد جيل من مهندسي الفضاء الإماراتيين وموظفي الفضاء، فقد انتشرت ثقافة الفضاء المتنامية في الأوساط الأكاديمية وتشجع الطلاب على متابعة تعليمهم في مجال الطيران، الذي بدوره نما في الحجم والتمويل.

أمام ذلك، تعمل الجامعات والمعاهد -منذ ذلك الحين- على إنشاء مناهج جديدة لمساعدة الطلاب في معرفة وظائف صناعة الفضاء وتأسيسها.

إضافة إلى ذلك، أعلنت وكالة الإمارات للفضاء بالتعاون مع جامعة خليفة عن مسابقة "تحدي القمر الاصطناعي الإماراتي الصغير" الذي يتيح للطلاب المشاركة في تقديم أفكار عن حمولات علمية وتقنية سيتم إطلاقها في مركبة فضائية مصغرة.

ويقدم طلاب الجامعات خلال المسابقة مقترحات لتجارب التصميم التي يمكن أن تحل مشكلات استكشاف الفضاء الواقعية.

وتهدف المسابقة إلى تعزيز التفكير النقدي والإبداع والتعاون بين الشباب الإماراتي، لتعزيز البحث والتطوير الهندسي، مع إثارة اهتمام الطلاب بهندسة الفضاء.

 

الوصول للنجوم

وأشار معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إلى أنه في متابعة لإطلاقها الناجح لمركبة (مسبار الأمل) الفضائية في مدار المريخ، تخطط الإمارات أيضًا لإرسال مركبة فضائية غير مأهولة إلى القمر عام 2024.

كانت هناك أيضًا اقتراحات بالتفرع إلى السياحة الفضائية، واستكشاف كوكب الزهرة بحلول عام 2028، والهبوط على كويكب، ما يجعلها رابع دولة تفعل ذلك إذا نجحت.

وبيّن المعهد أن هذه الخطط جزء من "مشاريع الخمسين" الإماراتية.

ففي سبتمبر 2021، أعلنت حكومة الإمارات أنها تعتزم استقطاب استثمارات بـ 150 مليار دولار في السنوات التسع المقبلة، بخطة تندرج ضمن "مشاريع الخمسين" تزامنًا مع مرور 50 عامًا تقريبًا على تأسيس الدولة في ديسمبر 1971.

وأوضح معهد واشنطن أنه رغم أنها أكثر برامج الفضاء طموحًا في الشرق الأوسط، فإن الإمارات العربية المتحدة ليست الدولة الوحيدة في المنطقة التي لديها مبادرات فضائية، فقد أطلقت البحرين أول قمر اصطناعي لها في المدار في فبراير، وتخطط سلطنة عمان للقيام بالشيء نفسه بحلول نهاية العام، بينما أطلقت قطر عام 2010 مسحًا للكواكب الخارجية، وهو مشروع بحثي بقيادة الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي ومؤسسة قطر وجامعة حمد بن خليفة، للعثور على كواكب خارج النظام الشمسي، كما أعلنت المملكة العربية السعودية خطتها الفضائية لمدة 10 سنوات.

أمام هذه التحديات، يأمل القادة الإماراتيون أن يصبح قطاع الطيران وسيلة أخرى، يمكنهم من خلالها وضع البلاد كمركز للتكنولوجيا المتقدمة، مع تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط.

ويعلق معهد واشنطن: "تظل هذه أهدافًا طموحة في هذه المرحلة، رغم التقدم المثير للإعجاب نحو علوم الفضاء"، مشيرًا إلى أنه إلى جانب التطلعات لإنشاء هذا المركز التكنولوجي الجديد، وتعزيز التنويع الاقتصادي للدولة على المدى الطويل، هناك آمال بتعزيز مكانة الدولة العالمية، على الصعيدين الدبلوماسي والثقافي.