انقلاب عسكري في بوركينا فاسو.. ماذا حدث في 24 ساعة؟

انتهى عصر داميبا.. هل يعيد انقلاب بوركينا فاسو الأمن للبلد المأزوم؟

انقلاب عسكري في بوركينا فاسو.. ماذا حدث في 24 ساعة؟

السياق

«انتهى عصر داميبا».. ثلاث كلمات أوجزت 24 ساعة من إطلاق النار في بوركينا فاسو، ومفاوضات قادتها أطراف في رئاسة البلد الإفريقي، قادت إلى استيلاء عسكريين على السلطة، بعد تسعة أشهر فقط من انقلاب هز البلاد.

فاللفتنانت كولونيل بول هنري سانداوغو داميبا الذي عاد لتوِّه من نيويورك حيث ألقى خطابًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كرئيس لدولة بوركينا فاسو، دافع فيه عن انقلاب شهر يناير/كانون الثاني 2022، باعتباره «قضية بقاء لأمتنا»، حتى لو كانت «ربما تستحق اللوم» بالنسبة للمجتمع الدولي، تجرَّع نفس الكأس بعد أيام فقط من ذلك الخطاب.
وجاء انقلاب بوركينا فاسو على خلفية توترات ضربت البلد الإفريقي خلال الأشهر التسعة الماضية، والتي لم ينجح فيها داميبا، في القضاء على الاضطرابات التي هزت البلاد زمن سلفه وأثارت غضبًا واسع النطاق من فشل الحكومة في وقف الهجمات على المدنيين من قبل «الإرهابيين».
فماذا حدث في 24 ساعة؟
استيقظ مواطنو بوركينا فاسو صباح الجمعة، على اندلاع إطلاق نار في العاصمة واغادوغو، لتمر ساعات دون ظهور علني لداميبا. إلا أنه في وقت متأخر من بعد ظهر اليوم نفسه، نشر المتحدث باسمه بيانًا على صفحة الرئاسة على فيسبوك قال فيه إن «المفاوضات جارية لإعادة الهدوء والسكينة».
وفي شوارع واغادوغو، أظهر بعض الناس بالفعل دعمهم يوم الجمعة للتغيير في القيادة حتى قبل أن يتوجه الانقلابيون إلى موجات الأثير الحكومية.
ومع دوي إطلاق النار في وقت سابق يوم الجمعة، حاول الرئيس اللفتنانت كولونيل بول هنري سانداوغو داميبا، الذي قاد الانقلاب السابق في يناير/كانون الثاني 2022، طمأنة المواطنين بأنه كان لا يزال مسيطرًا.
وفي منشور على «فيسبوك» قبل الإطاحة به، قال دميبا إنه كان هناك «تغير في المزاج بين عناصر معينة من القوات المسلحة الوطنية»، مما أدى إلى سيل من التعليقات عبر الإنترنت من المواطنين، سواء لدعم الرئيس أو إدانته. 
إعلان الانقلاب
لكن بعد يوم من عدم اليقين والفوضى، أعلن ضباط الجيش في التلفزيون الوطني أنهم أطاحوا بالعقيد داميبا وأن النقيب إبراهيم تراوري في السلطة الآن.
وسيطر أعضاء من جيش بوركينا فاسو على التلفزيون الحكومي، معلنين أنهم حلوا الحكومة وعلقوا الدستور والميثاق الانتقالي، وأغلقوا الحدود إلى أجل غير مسمى وعلقوا الأنشطة السياسية ونشاطات المجتمع المدني كافة.
وفي بيان بثه التلفزيون الوطني في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، قال المسؤول العسكري إبراهيم تراوري إن مجموعة من الضباط قررت عزل داميبا، بسبب عدم قدرته على التعامل مع التمرد المتفاقم في شمال وشرق البلاد الذي أدى إلى نزوح ما يقرب من مليوني شخص (10%) من السكان.
وجاء في البيان الذي تلاه الجنود بصوتٍ عالٍ مساء الجمعة: «في مواجهة التدهور المستمر للوضع الأمني، حاولنا مرارًا إعادة تركيز المرحلة الانتقالية على القضايا الأمنية»، متعهدين للمجتمع الدولي باحترام التزاماتهم، فيما حثوا سكان بوركينا فاسو على القيام بأعمالهم بسلام.
احتجاجات داعمة
وفي نصب تذكاري أقيم لذكرى توماس سانكارا، أبرز قادة بوركينا فاسو، نظم الشباب مظاهرة صغيرة لصالح الانقلاب قبل أن يعلن عنه، لكن الاحتجاج سرعان ما تحول إلى الدور الذي اعتقد الرجال أن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، كانت تلعبه.
«نريد روسيا» قال أحد المحتجين ويدعى عمر ويدراوغو، مضيفًا: «لا نريد فرنسا بعد الآن. الشباب عاطلون عن العمل. انعدام الأمن في كل مكان».
وعكست التصريحات الخطاب في مالي المجاورة التي انسحب منها الجيش الفرنسي الشهر الماضي بعد تسع سنوات من القتال ضد «الإرهاب». ومع اشتداد الهجمات على الرغم من الوجود الفرنسي، ازدادت أيضًا إدانة الماليين لشريكهم العسكري.
وعلى الرغم من عدم وجود مثل هذا الوجود الفرنسي في بوركينا فاسو، فقد انتشر النقد الموجه إلى المستعمرين السابقين في جميع أنحاء المنطقة القاحلة المعروفة باسم الساحل، والتي تم زعزعة استقرار الكثير منها في السنوات الأخيرة من قبل الجماعات «الإرهابية» التي تستغل المظالم المحلية.
ورحب كثير من الناس في بوركينا فاسو بانقلاب يناير/ كانون الثاني، على أمل أن يساعد في إحداث التغيير في دولة عانت مثل العديد من جيرانها، من هجمات مدمرة في السنوات الأخيرة. 
لكن هذا التغيير في الحكومة لم يفعل الكثير لتحسين الوضع الأمني؛ فـ11 جنديًا قتلوا وفقد العشرات من المدنيين يوم الثلاثاء الماضي، عندما هاجم مسلحون قافلة تحمل إمدادات إلى بلدة في شمال البلاد، تعيش تحت حصار من قبل «الإرهابيين» منذ شهر. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قتل ما لا يقل عن 35 مدنيًا بعد أن انفجرت قنبلة على جانب طريق قافلة من المركبات.
آثار الانقلاب
وإلى ذلك، قال عبد الزانيا ساليفو، الباحث في جامعة كالجاري الذي يركز على منطقة الساحل، إن «الإرهابيين» في الواقع تحت قيادة العقيد دميبا، سيطروا على مساحات كبيرة جديدة من الأراضي وحاصروا بلدات رئيسة، فيما ازداد الجوع والنزوح وتكاليف المعيشة، واستمرت الصعوبات الاقتصادية والبطالة- وهي جميع القضايا التي قالت الإدارة الجديدة إنها ستعالجها.
وأضاف ساليفو، أن «تبرير انقلاب يناير عاد ليطارد الانقلابيين».
وقال قسطنطين جوفي، الباحث في بوركينا فاسو في Clingendael، إن أحداث ليلة الجمعة «تأتي في أعقاب التوترات المتصاعدة داخل المجلس العسكري الحاكم في والجيش الأوسع حول القرارات الإستراتيجية والعملياتية لمعالجة حالة انعدام الأمن المتصاعدة».
وأوضح جوفي في تصريحات لوكالة أسوشيتد برس: «شعر أعضاء المجلس العسكري الحاكم بشكل متزايد أن داميبا كان يعزل نفسه وينحي جانبًا أولئك الذين ساعدوه في الاستيلاء على السلطة».
فيما قال فرانسوا بيوجو ، الناشط السياسي من حركة إعادة تأسيس بوركينا فاسو، إن داميبا «أظهر حدوده»، مشيرًا إلى أن الناس كانوا يتوقعون تغييرًا حقيقيًا.
وقال إريك هامفيري سميث ، كبير محللي إفريقيا في شركة استخبارات المخاطر فيريسك مابليكروفت: «من الصعب على المجلس العسكري في بوركينا فاسو أن يدعي أنه أوفى بوعده بتحسين الوضع الأمني، والذي كان ذريعة لانقلاب يناير».
بدوره، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك يوم الجمعة إن ما يقرب من خمس سكان بوركينا فاسو بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية.
وأوضح المسؤول الأممي: «بوركينا فاسو بحاجة إلى السلام والاستقرار والوحدة من أجل محاربة الجماعات الإرهابية والشبكات الإجرامية العاملة في أجزاء من البلاد».
فيما وصف كريسوجوني زومور، رئيس حركة بوركينا فاسو لحقوق الإنسان، التطورات التي حدثت يوم الجمعة بأنها «مؤسفة للغاية»، قائلًا إن عدم الاستقرار لن يساعد في مكافحة العنف، متسائلا: «كيف نأمل في توحيد الشعب والجيش إذا كان الأخير يتسم بهذه الانقسامات الخطيرة.
تطورات مألوفة
جاءت الاضطرابات بعد تسعة أشهر فقط من استيلاء الجيش على السلطة في انقلاب آخر، هز البلاد بسبب غضب واسع النطاق من فشل الحكومة في وقف الهجمات على المدنيين من قبل الإرهابيين، والتعامل مع الصعوبات الاقتصادية المتزايدة.
وبدت تطورات يوم الجمعة مألوفة للغاية في غرب إفريقيا، حيث أدى انقلاب مالي في أغسطس/آب 2020 إلى سلسلة من «الانقلابات» في المنطقة، حتى إن مالي تجرعت الكأس نفسه وشهدت بعد تسعة أشهر من الإطاحة برئيسها، قيام زعيم المجلس العسكري بتهميش نظرائه المدنيين في المرحلة الانتقالية ووضع نفسه بمفرده في السلطة.
وبعد تلك الانقلابات، بدأ رجال مسلحون في سرقة وقتل المدنيين والجنود، بينما أعدمت الجماعات العسكرية وجماعات الأمن في بعض الأحيان أولئك المشتبه في عملهم مع «الإرهابيين». 
وتفتخر بوركينا فاسو، وهي دولة غير ساحلية يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة وواحدة من أكبر منتجي القطن في القارة، بالروح الوطنية للسلام والتسامح والتكامل.