مؤتمر مبادرة استقرار ليبيا.. رسائل ردع خارجية وطمأنة لليبيين

تمر ليبيا بمرحلة حاسمة، ففي الوقت الذي تستعد فيه لإجراء الانتخابات بعد قرابة شهرين، كثَّف تنظيم الإخوان الليبي تحركاته لعرقلة تلك الخطوة، حاملًا في جعبته الكثير لتهديد الاستحقاق الدستوري، الذي قد يطيحه من آخر معاقله في المغرب العربي.

مؤتمر مبادرة استقرار ليبيا.. رسائل ردع خارجية وطمأنة لليبيين

السياق

بيان من 9 نقاط، كان عنوانًا لختام المؤتمر الوزاري الدولي لمبادرة استقرار ليبيا، الذي استضافته العاصمة الليبية طرابلس، الخميس، وجَّه رسالة وُصفت بـ«القاسية» لتنظيم الإخوان في ليبيا، الذي كان يسعى -الفترة الأخيرة- إلى تأجيل انتخابات الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل.

وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، تلت في ختام المؤتمر الدولي لـ «دعم استقرار ليبيا»،  البيان الختامي، الذي أكد 9 نقاط وُصفت بـ«المهمة»، أولاها أهمية اتخاذ التدابير اللازمة والاستحقاقات لبناء الثقة، وتهيئة بيئة مناسبة لعقد الانتخابات الوطنية، بشكل نزيه وشفاف وجامع في 24 ديسمبر المقبل، في رسالة قال عنها مراقبون، إنها موجَّهة لمحاولات تنظيم الإخوان في ليبيا، لتأجيل الاستحقاق الدستوري، ما يمهد الطريق لنهاية سيطرة الإخوان على مقدرات البلد الإفريقي.

 

التدخلات الخارجية

ذلك ما أكدته النقطة الثانية من البيان الختامي، التي كان نصها: «الالتزام الدائم والثابت والقوي لحكومة الوحدة الوطنية، بسيادة ليبيا واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية، ورفضها القاطع للتدخلات الأجنبية في الشؤون الليبية، وإدانتها لمحاولات خرق حظر السلاح وإثارة الفوضى في ليبيا»، في نقطة تكمن أهميتها في الأطراف الموجهة إليها، خاصة أنها تتزامن مع بدء نشر مراقبين دوليين في ليبيا، لمراقبة وقف إطلاق النار.

النقطة الثانية، التي جاءت مترابطة مع النقطة الثالثة، التي تنص على «التزام الحكومة التام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن ليبيا بدءًا من القرار 1970 والقرارات اللاحـقة، لاسيما قـراري مجــلـس الأمـن 2570 و2571، ومخرجات مؤتمري برلين (1) و(2)، وخارطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي، ودعوة الجميع لتنفيذ هذه القرارات».

إلا أنه بالنظر إلى طبيعة تلك القرارت الصادرة عن مجلس الأمن، التي تتعلق بفرض حظر الأسلحة على ليبيا، وحظر سفر وتجميد الأصول، في ما يتصل بالحالة في ليبيا، وتفتيش السفن التي تحاول تصدير النفط الخام بطريقة غير مشروعة من ليبيا، تتضح الأطراف الموجَّهة إليها هذه الرسائل، التي تأتي في المقام الأول تركيا والمليشيات المسلحة التابع لها غربي ليبيا، في نقاط قال عنها مراقبون، إنها رسالة ردع لتركيا.

وهو ما بدا واضحًا، خلال كلمة ممثلها في المؤتمر، الذي يبدو أنه اطلع على البيان الختامي، فحاول أن تكون كلمته متوافقة مع التوجُّه العام، وألا تبدو بلاده نشازًا، قائلًا: إن موقف تركيا من المرتزقة والمقاتلين الأجانب في ليبيا واضح للجميع، داعيًا كل الأطراف إلى احترام الشرعية، إلا أنه تناسى أن بلاده مَنْ دفعت بالمرتزقة والمقاتلين الأجانب إلى ليبيا.

 

انحراف تركيا

كلمات نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، المتماشية مع التوجُّه العام، انحرفت قليلًا عن مسارها، ليقول إن حكومة تصريف الأعمال، ما زالت بحاجة للدعم، لبسط سيطرتها على البلاد، وتقديم الخدمات العامة، وتوحيد المؤسسات الحكومية، في تمهيد لموقف قد تتخذه بلاده في الفترة المقبلة، للتدخل في ليبيا، بذريعة تقديم الدعم.

وبالعودة إلى البيان، الذي أشار إلى ترحيب الحكومة الليبية، بعودة سفارات الدول للعمل من داخل العاصمة طرابلس، ودعوة باقي الدول لعودة عمل سفارتها من طرابلس، في إشارة إلى أن البلد الإفريقي بدأ يستعيد عافيته، بعد عشرية من الصراعات التي أدمت أهله ومزَّقت أوصاله.

وبينما أشاد البيان الختامي بالدور المحوري للأمم المتحدة بدعم الاستقرار في ليبيا، وكذلك جهود الاتحاد الإفريقي ولجنته رفيعة المستوى، لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي المعنية بليبيا، واللجنة الرباعية، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، ودول الجوار الليبي في هذا الإطار، أكد أن إنهاء النزاع وتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا، أساس لإحلال السلام وبناء الدولة، وركيزة للتعايش السلمي، ودافع لعجلة الاقتصاد والتنمية، وهي الرسالة التي تسعى تلك المنظمات إلى تحقيقها في البلد الإفريقي، لأن الصراع فيه يؤثر في دول الجوار.

 

خطوة لحلحلة الأزمة

وأكد البيان الختامي، عزم الحكومة الليبية، الأخذ بزمام المبادرة في إطار قيادة الجهود الدولية، لإنهاء الأزمة في ليبيا، مشيرًا إلى أن مبادرة دعم استقرار ليبيا، خطوة في إطار تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ومخرجات مؤتمري برلين، وهو ما تحاول الدول المتضررة من الأزمة الليبية تحقيقه، في  خطوة النجاح فيها، سيعيد البلد الإفريقي إلى مكانته قاريًا ودوليًا.

تلك الخطوات لن تتحقق، إلا بالنقطة الثامنة التي نصت على «دعم الحكومة الليبية للجهود المبذولة من قِبل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، وخطة العمل التي تم إقرارها في الجولة الثالثة عشرة لأعمال اللجنة، التي عُقدت بجنيف، من 6 إلى 8 أكتوبر الجاري».

وتعد هذه الخطوة الأهم، بحسب مراقبين ليبيين، لأن الأزمة الليبية أمنية في الأساس، مشيرين إلى أن نجاح اللجنة العسكرية في مهمتها وتوحيد الجيش الليبي، وإجلاء المرتزقة، سيعيد إلى ليبيا وحدتها، وسيادتها، التي أصبحت رهينة بالموجودين على أرضها، خاصة في الغرب الليبي.

 

انتهاكات بحق المهاجرين

بالتزامن مع تلك الخطوة، جاءت النقطة الأخيرة التي نصت على: «احترام السلطات الليبية لالتزاماتها وتعهداتها الدولية، واحترام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، في إطار حماية وتعزيز حقوق الإنسان، وتعاون السلطات الليبية مع بعثة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان، وتسهيل مهامها».

وبحسب مراقبين، فإن تضمين تلك النقطة في البيان الختامي، جاء بعد الأحداث الدامية والانتهاكات التي ارتكبت بحق المهاجرين غربي ليبيا، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، واحتجاز قرابة 5  آلاف لاجئ، في مراكز مكتظة، في حوادث أدانتها الدول الغربية، وأدت إلى تعليق مفوضية اللاجئين أعمالها في البلد الإفريقي.

وبينما كانت لتلك النقطة أهمية قصوى لدى الدول الأوروبية، إلا أن إيطاليا -إحدى أكثر الدول المتضررة من الهجرة غير المشروعة من ليبيا- أبدت اهتمامًا متزايدًا، مؤكدة أن ليبيا المستقرة تعني أوروبا الآمنة.

وأعاد وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، تأكيد أن بلاده تدعم بقوة مسار الاستقرار في ليبيا، مشيرًا إلى أن روما «تظهر ذلك بالحقائق».

وقال دي مايو، عبر «فيسبوك»، بعد زيارته طرابلس والمشاركة في المؤتمر الوزاري الدولي لمبادرة استقرار ليبيا: «ضمان السلام والتنمية في هذا البلد، أولوية للمجتمع الدولي، لأن ليبيا مستقرة تعني أيضًا أوروبا أكثر أمانًا».

 

موقف إيطالي

وأضاف: «يمكننا مكافحة الإرهاب وتدفقات الهجرة غير المنضبطة من خلال السعي لتحقيق هدفين محوريين: الانتخابات البرلمانية والرئاسية نهاية العام، وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار»، مؤكدًا أن«انتخابات حرة وشفافة، مع انسحاب تدريجي للمرتزقة الأجانب والمقاتلين، بوسعهما ضمان هذه النتائج».

وقال دي مايو: إيطاليا مرتبطة تاريخيًا بليبيا، وهذا هو السبب في أننا سنواصل دعم مؤسساتها نحو استكمال عملية الانتقال، لذلك كان مؤتمر طرابلس لحظة مهمة لإعادة تأكيد التزام المجتمع الدولي، وإيطاليا في المقدمة.

وتمر ليبيا بمرحلة حاسمة، ففي الوقت الذي تستعد فيه لإجراء الانتخابات بعد قرابة شهرين، كثَّف تنظيم الإخوان الليبي تحركاته لعرقلة تلك الخطوة، حاملًا في جعبته الكثير لتهديد الاستحقاق الدستوري، الذي قد يطيحه من آخر معاقله في المغرب العربي.