زيارة حكومية إلى تونس... ليبيا تحاول رأب الصدع وتعيد صياغة علاقتها مع جارتها
زيارة رأب الصدع... هل ينجح لقاء الدبيبة وسعيد في إذابة جليد الإرهابيين بين البلدين؟

السياق
اتفاق تونسي ليبي، على إعادة فتح الحدود واستئناف الحركة الجوية بين البلدين، خطوة تعيد رأب الصدع بين البلدين الجارين، بعد قرابة شهرين من تبادل الاتهامات بتصدير الإرهاب، فاقمها استمرار غلق الحدود.
إلا أن زيارة رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة إلى تونس، الخميس، حرَّكت المياه الراكدة بين البلدين، وأعادت تأكيد وحدة المصير وتلازم التنمية والاستقرار والأمن، في مسعى لإنهاء حالة فتور العلاقات.
من جانبه، قال الناطق الإعلامي باسم الحكومة الليبية محمد حمودة، في تصريح مقتضب عبر «فيسبوك»: إن رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة أجرى لقاء مع الرئيس التونسي قيس سعيد بقصر قرطاج في تونس العاصمة، تم الاتفاق خلاله على عودة فتح الحدود واستئناف الحركة الجوية الأسبوع المقبل، وفق البروتوكول الصحي الموحد بين الجانبين الليبي والتونسي.
توقيت إعادة فتح الحدود بين البلدين، لم يشر إليه المكتب الإعلامي للحكومة الليبية، في بيانه، الذي أكد فيه أن الدبيبة أجرى لقاءً مع الرئيس قيس سعيد، حضره وزراء الصحة، والداخلية، والدولة لشؤون مجلس الوزراء ورئيس الحكومة، ومن الجانب التونسي وزير الداخلية وعدد من مستشاري رئيس الجمهورية.
التطورات الأخيرة
وأكد المكتب الإعلامي للحكومة، أن الجانبين ناقشا التطورات السياسية الأخيرة، وسبل تعزيز التعاون بين البلدين في المجالين الأمني والاقتصادي.
بيان الحكومة، أشار إلى أن المسؤولين بحثا فتح المعابر الحدودية بين البلدين، مؤكدًا أن الجانبين اتفقا على التنسيق بين وزارتي الصحة والداخلية، لإعداد بروتوكول موحد لعودة الحركة البرية والجوية بين البلدين، في أقرب وقت ممكن، من دون تحديد موعدها.
الرئاسة التونسية، لم يحوي بيانها الكثير من تفاصيل المباحثات، إلا أنها أكدت أن اللقاء فرصة لاستعراض وشائج الأخوة وعلاقات التعاون بين تونس وليبيا، في شتى المجالات.
وقالت رئاسة الجمهورية التونسية، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إنه جرى خلال اللقاء تأكيد وحدة المصير وتلازم التنمية والاستقرار والأمن في البلدين، وضرورة النأي بالعلاقات الثنائية، عن محاولات التشويش من أجل مستقبل أفضل للشعبين، وفق تصور جديد.
مكافحة الإرهاب
وأشارت إلى أنه تم الاتفاق على تكثيف التنسيق وتبادل المعلومات، لتأمين الحدود ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والتصدي لمحاولات استهداف وحدة واستقرار البلدين والمنطقة.
وأكدت الرئاسة التونسية، الاتفاق –كذلك- على تسريع الهياكل المعنية في البلدين خطاها، من أجل بلوغ حلول مشتركة، لبعض المسائل والصعوبات المتعلّقة بالصحّة، وحركة تنقل الأشخاص والبضائع في المعابر، ومساهمة المؤسسات التونسية في جهود إعادة الإعمار في ليبيا.
زيارة رئيس الحكومة الليبية إلى تونس، جاءت بعد تعهده أمام البرلمان الليبي، في جلسة المساءلة التي عقدت الأربعاء، بإصلاح العلاقات مع الدولة الجارة، كاشفًا أن تصريحاته تجاهها، رد فِعل على الاتهامات التي وُجِّهت إلى بلاده.
وأوضح الدبيبة، خلال الجلسة، أنه سيتوجه إلى تونس الخميس، للقاء الرئيس قيس سعيد، في محاولة لحل تلك الأزمة، مشيرًا إلى أن أن البلدين في حاجة إلى فتح الحدود بينهما.
تاريخ الأزمة
الأزمة بين البلدين، بدأت قبل أيام، بإخطار الإنتربول التونسي، الشرطة الجنائية العربية والدولية، اعتزام 100 إرهابي التسلل من قاعدة الوطية الجوية، التي تحتلها تركيا في الغرب الليبي إلى تونس.
البرقية التونسية، التي اطلعت «السياق» على نسخة منها، وحملت توقيع وزير الداخلية الليبي خالد مازن، جاء فيها: «أفادنا رئيس مكتب الشرطة الجنائية العربية والدولية، بأنه أخطر بموجب برقية وردت إليه من إنتربول تونس، فحواها توفر معلومات لديهم باعتزام نحو 100 إرهابي في القاعدة الجوية الوطية التسلل إلى تونس».
أضافت البرقية، أن وزير الداخلية الليبية طالب باتخاذ ما يلزم من إجراءات، وتكثيف عمليات البحث وجمع المعلومات، لإحباط أي مخططات تحاك للقيام بأي عمليات إرهابية.
تسلل إرهابيين
وزارة الداخلية الليبية، أصدرت بعدها برقية إلى الشرطة الجنائية العربية، أكدت فيها أن الجهات الأمنية بالغرب الليبي نفت صحة تلك المعلومات، مشيرة إلى أن القاعدة الجوية الوطية، تخضع لسيطرة وزارة الدفاع الليبية.
وشدَّدت وزارة الداخلية الليبية، على أنها لا يمكنها السماح بأن تكون قاعدة الوطية منطلقًا لتنفيذ أي أعمال إرهابية أو تخريبية، قد تزعزع الأمن والاستقرار بليبيا، أو تلحق الضرر بدول الجوار.
وبينما أكدت «الداخلية الليبية»، عدم صحة تلك المعلومات، قالت إنها تتابع وترصد النشاط الإرهابي، وتلاحق المتورطين ومَنْ تحوم حولهم شبهات، من خلال أجهزتها المعنية بمكافحة الإرهاب.
وفي اليوم نفسه، الذي ردت فيه وزارة الداخلية الليبية على برقية الإنتربول التونسي، عقد الوزير خالد مازن اجتماعًا في العاصمة طرابلس، مع رئيس مكتب الشرطة الجنائية العربية والدولية العميد عادل إسماعيل، والمندوب الأمني لدى السفارة الليبية بتونس العميد إبراهيم البوعيسي.
ورغم أن البيان الليبي حينها، الذي اطلعت «السياق» على نسخة منه، قال إن الاجتماع تناول مناقشة تشابه الأسماء في المنافذ بين ليبيا وتونس، واستعراض آخر الأعمال المنجزة في هذا الشأن، من أجل تذليل الصعوبات التي تواجه المواطنين خلال العبور من هذه المنافذ، قال مراقبون إنه جاء لإيضاح الصورة، ونفي المعلومات التي أثيرت عن تسلل الإرهابيين إلى تونس.
رأب الصدع
وفي محاولة من ليبيا لرأب الصدع مع تونس، أعلن رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة، إرسال وفد ليبي رفيع المستوى إلى جارته، لإيضاح الموقف الليبي، مشيرًا إلى أن الحكومة تسعى إلى علاقات طيبة مع دول الجوار.
إلا أن تونس رفضت فتح معبري رأس الجدير وذهيبة، متعللة بأن القرار فرضته الظروف الصحية في تونس، التي تطلبت اتخاذ إجراءات احترازية ومزيد من الحيطة واليقظة للوقاية من احتمال دخول سلالات جديدة متحورة وسريعة العدوى من فيروس كورونا إليها.
وقالت عضو اللجنة جليلة بن خليل، إن اللجنة دعت إلى الاستمرار في إغلاق المعابر البرية للوقاية من كورونا، معتبرة أن تحسن الوضع الصحي في تونس، يتطلب مزيدًا من تشديد الإجراءات لعدم انتقال فيروس كورونا المتحور عبر الحدود البرية.
مصدر إزعاج
وبينما تحول ملف الحدود إلى مصدر إزعاج للبلدين، عبَّـرت ليبيا، في تصريحات لوزيرة خارجيتها نجلاء المنقوش، عن انزعاجها من استمرار إغلاق تونس لحدودها، رغم فتحها من جانبها.
إلا أن رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة، الذي بدا منزعجًا من ملفات عدة مع الجارة التونسية، قال في كلمة بثها التلفزيون الرسمي: «حاربنا الإرهاب في سرت وفي كل مكان ولا يمكن أن نقبل باتهامنا به»، مؤكدًا أن ليبيا «أرسلت وفدًا كبيرًا إلى تونس للتفاهم معها بشأن هذه الاتهامات الغريبة».
وفي إشارة إلى تونس والعشرة آلاف تونسي، الذين عبروا الأراضي الليبية للانضمام لتنظيم داعش، قال الدبيبة: «أنتم مَنْ جلب لنا الإرهابيين وحاسبوا أنفسكم قبل الاتهام. نحن شعب حر ولا يمكن أن نقبل اتهامنا بالإرهاب، وأنتم حاسبوا أنفسكم يا مَنْ تتهموننا بالإرهاب (..) بعض الدول الجارة اتهمتنا بأننا إرهابيون.. لكن العشرة آلاف إرهابي الذين دخلوا بلادنا من أين أتوا؟ أنتم الذين جلبتموهم لنا.. الإرهاب جاءنا من الخارج، خصوصًا في بعض الدول الجارة».
الدبيبة يكيل الاتهامات
وأكد رئيس الحكومة الليبية، أن السُّلطات الرسمية في تونس، تبنت الاتهامات ضد الدولة الليبية، مضيفًا: إذا كانت دولة تونس تريد بناء علاقات حقيقية وصادقة معنا، لا بد من احترام دول الجوار... نحن أصبحنا فطنين للألاعيب الدولية، ولا يمكن أن نقبل تكرار المشاهد، ولا يمكن أن نرضى بأن يتم الضحك على الليبيين مرة أخرى.
تصريحات الدبيبة، أثارت غضب تونس وشعبها، فعبَّـرت على لسان وزير خارجيتها عثمان الجرندي، عن استغرابها من تصريحات الدبيبة عن «تصدير الإرهاب إلى بلاده انطلاقًا من تونس».
وقالت وزارة الداخلية التونسية، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه: إن الوزير الجرندي التقى نظيرته الليبية نجلاء المنقوش، على هامش اجتماع دول جوار ليبيا في الجزائر، الذي أكد خلاله، أن أمن واستقرار ليبيا من أمن واستقرار تونس.
تونس ترد
وأضاف المسؤول التونسي، أن تصريحات الدبيبة «مجانبة للحقيقة، لاسيما في هذا الوقت الذي تعمل فيه بلادنا جاهدة، للإسهام الناجع في استتباب الأمن والاستقرار في ليبيا ودول المنطقة، وهي كذلك الصوت المدافع عن ليبيا في المحافل الإقليمية والدولية، خاصة مجلس الأمن».
وأكد الجرندي «موقف تونس الثابت لدعم جميع الجهود الرامية إلى استكمال العملية السياسية، وفق خارطة الطريق التي اعتمدها ملتقى الحوار السياسي الليبي المنعقد بتونس».
وأشار إلى أن أن تونس مستهدفة بدورها بالإرهاب، ولا يمكن أن تكون -بأي حال من الأحوال- قاعدة لتصديره ولا مصدرًا لتسلل الجماعات الإرهابية إلى ليبيا.