سحب الثقة من الحكومة الليبية... كواليس الجلسة العاصفة والسيناريوهات المستقبلية
الجلسة التي كانت مغلقة، وافق خلالها 89 نائبًا على سحب الثقة من الحكومة بآلية التصويت برفع الأيدي

السياق
أعلن البرلمان الليبي، سحب الثقة من الحكومة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، ما يسدل الستار على أسابيع من الأخذ والرد بين النواب ومجلس الوزراء، عن أسباب تردي الأوضاع الاقتصادية، والميزانية التي وُصفت بـ«الضخمة»، فضلًا عن وصول علاقات البلد الإفريقي مع بعض جيرانه إلى طريق مسدود.
وقال الناطق باسم مجلس النواب الليبي، عبدالله بليحق، في تصريحات عبر «فيسبوك»، إن المجلس قرر برئاسة عقيلة صالح، سحب الثقة من الحكومة بأغلبية 89 نائباً من 113 نائبًا، حضروا الجلسة.
وأوضح بليحق، أن الجلسة التي كانت مغلقة، وافق خلالها 89 نائبًا على سحب الثقة من الحكومة بآلية التصويت برفع الأيدي، مشيرًا إلى أن سحب الثقة لا يحتاج إلى تصويت الأغلبية الموصوفة وهي 120 صوتًا، بل الأغلبية المطلقة.
وأشار متحدِّث البرلمان الليبي، إلى أن الأغلبية المطلقة يمثِّلها -وفق الوضع الحالي للنواب- 86 صوتًا، بينما تكون المرحلة التالية تشكيل حكومة تصريف أعمال، إلا أنه أكد أن الحكومة الحالية ستستمر في تسيير أعمالها اليومية.
السيناريوهات المحتملة
وعن السيناريوهات المحتملة، قال عضو مجلس النواب عبدالمنعم العرفي، إن المجلس بعد سحب مجلس النواب الثقة من الحكومة، قرر تشكيل حكومة تصريف أعمال، مشيرًا إلى أن الأقرب لرئاستها وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، أو السياسي الليبي محمد المنتصر.
وفي أول رد فِعل على سحب الثقة من الحكومة، رفض ما يعرف بـ«المجلس الأعلى للدولة» إجراءات سحب الثقة منها، وعدَّها باطلة لـ«مخالفتها الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي».
وقال المتحدِّث باسم ما يعرف بـ«مجلس الدولة»، محمد عبدالناصر، إن المجلس «يعد قرار مجلس النواب باطلًا، لمخالفته الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي»، مؤكدًا أن «كل ما يترتب عليه باطلًا».
خطأ كبير
من جانبه، قال الدبلوماسي الليبي السابق، رمضان البحباح، إن البرلمان لا يملك منح ولا سحب الثقة لحكومة لم يكن له دور في تشكيلها، مشيرًا إلى أن منحه الثقة لها في فبراير الماضي، كان عبثًا بمشاعر الليبيين بأنها حكومة تمثِّل الشعب الليبي، ما عده «خطأ كبيرًا جدًا».
وأوضح البحباح، أن الحكومة صنعتها الأمم المتحدة من خلال مجموعة أو فريق اختارته بإرادتها، قائلة إنه يمثِّل إرادة الليبيين، مشيرًا إلى أن ما حدث اليوم بصرف النظر عن قانونيته، فإن حكومة الدبيبة ستستمر في ممارسة مهامها كونها مقرونة بمجلس رئاسي، لم يكن للبرلمان أي دور في تشكيله كذلك».
وأشار الدبلوماسي الليبي، إلى أن الحالة الليبية عبارة عن متاهة سياسية، لا يستطيع فك رموزها، إلا من يديرها عن بُعد.
إلا أن عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي، علي التكبالي، قال في تصريح مقتضب، إن الذي منح الثقة للحكومة هو البرلمان، وهو الذي سحبها.
تباين الآراء
يأتي سحب الثقة بعد يوم من جلسة لمجلس النواب، قرر فيها تشكيل لجنة تنجز أعمالها خلال أسبوع، للتحقيق مع الحكومة في الاتفاقيات والتكليفات والقرارات التي اتخذتها، وتشكيل أخرى تقدِّم مقترحها للمجلس خلال الأسبوع المقبل، لدراسة قانون الانتخابات البرلمانية رقم 10 لسنة 2014 والتعديلات اللازمة له.
وعن تلك الجلسة، التي كان مقررًا أن يتخذ فيها قرار سحب الثقة من الحكومة، قال عضو مجلس النواب، علي العيساوي، إن بعض النواب طالبوا خلال جلسة الاثنين، بسحب الثقة من الحكومة، وأن تبقى حكومة تصريف أعمال، بينما أكد آخرون أن سحب الثقة من الحكومة، أمر غير محمود ويجب إمهالها إلى موعد الانتخابات.
وأوضح العيساوي، أن بعض النواب قالوا في جلسة الاثنين، إن الحكومة بدأت إجراءات فِعلية لدعم المواطنين، كإنشاء صندوق الزواج، والتعاقد مع شركات لتنفيذ مشاريع للبنية التحتية، بينما رأى آخرون أن سحب الثقة من الحكومة في هذا الوقت، سيزيد المشهد تعقيدًا.
جلسة المساءلة
وكان البرلمان الليبي، عقد في 8 سبتمبر الجاري، جلسة لمساءلة الحكومة، شهدت مناقشات وُصفت بـ«العاصفة»، من أعضاء مجلس النواب، الذين شنوا هجومًا على مجلس الوزراء برئاسة الدبيبة.
وتطرقت الجلسة، التي عقدت حينها، إلى مسائل « في غاية الحساسية»، كان رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة تجاهل الإجابة عنها في الفترات السابقة، التي شهدت جدلًا حولها، إلا أن أعضاء البرلمان تمسكوا بضرورة سماع بعض الأجوبة عنها، وإن كانت تلك الأجوبة، لم ترق للجميع، إلا أنها أشارت إلى بعض سياسات الحكومة لأول مرة.
فبينما تساءل بعض نواب لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي، عن الإجراءات التي اتخذتها حكومة الوحدة الوطنية لتسمية وزير الدفاع، أكدوا أن رئيس الحكومة أمر بعدم صرف مرتبات يوليو وأغسطس، للمؤسسة العسكرية في المنطقة الشرقية.
لم تقتصر أسئلة النواب على وزير الدفاع ومرتبات الجيش الليبي، بل طالبوا الحكومة الليبية، بإيضاح الإجراءات التي اتخذتها، لمواجهة تظاهرات المرتزقة السوريين، التي اندلعت قرب مقرها في العاصمة الليبية طرابلس.
أزمة تونس كانت حاضرة في جلسة مساءلة الحكومة، ليطالب نواب لجنة الدفاع والأمن القومي، بضرورة الكشف عن الاتهامات التي وجَّهتها تونس إلى ليبيا بتصدير الإرهاب، وضرورة إجلاء أسباب غلق الحدود مع تونس.
أسئلة لجنة الدفاع والأمن القومي، سمحت رئاسة البرلمان الليبي للحكومة بالإجابة عنها، فاعترض رئيسها عبدالحميد الدبيبة، بداية إجابته، على ما وصفه بعض النواب لخطابه عن الأزمة مع تونس بـ«الشعبوي».
وقال الدبيبة، إن الحكومة الليبية تلقت تقريرًا من الإنتربول التونسي، يتهم الليبيين بتصدير الإرهاب، وأن هناك إرهابيين في ليبيا في طريقهم إلى تونس، مشيرًا إلى أن الحكومة ردت على الاتهامات الموجَّهة إلى ليبيا.
المرتزقة
وعن ملف المرتزقة، قال الدبيبة، إن الحكومة الليبية لم تسهم في دخول المرتزقة، مشيرًا إلى أنها تعمل على هذا الملف المؤرق، لإخراج المليشيات والمرتزقة.
وأكد رئيس الحكومة، أن بلاده ومواطنيه لا يقبلون بأي قوة خارجية في ليبيا، مشيرًا إلى أن هذا الملف، الذي وصفه بـ«الدولي»، عملت الحكومة الليبية مع روسيا وتركيا، لإخراج هؤلاء من البلد الإفريقي، في محاولة لحلحلة الأزمة.
وأكد الدبيبة، أن الظروف الإقليمية أسهمت في وجود القوات الأجنبية في ليبيا، معبِّــرًا عن تطلع الحكومة لإخراجها قريبًا.
يأتي ذلك، بينما تستعد ليبيا لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بعد قرابة 100 يوم، في استحقاق ينظر إليه على أنه الأهم، خلال العشرية المنصرمة، الذي يدفع بالبلد الإفريقي إلى مرحلة أكثر استقرارًا، تتوحد فيها مؤسساته المنقسمة.