مع زيارة ماكرون إلى بكين.. هل تستطيع الصين صُنع السلام في أوكرانيا؟
قالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ إن الصين مستعدة للتباحث مع الاتحاد الأوروبي، بشأن تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية، وتأمل أن يظهر الاتحاد استقلالاً استراتيجيًا وحكمة سياسية.

ترجمات - السياق
الشهر الماضي، كان الرئيس الصيني شي جين بينغ بالكرملين، في زيارة مهمة بعنوان "السلام"، هدفها -حسب الرواية الصينية- ضرورة البحث عن حل سلمي وتطبيقه مهما كان مكلفًا، لتفتح الزيارة الباب أمام دور صيني محتمل، للعب دور الوسيط في الأزمة الأوكرانية.
واليوم، يستقبل "شي" الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بكين، فهل تنتهي هذه اللقاءات بالإعلان عن مفاوضات تعطل آلة الحرب؟
اليوم هو الثاني في زيارة تستغرق 3 أيام للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي جاء إلى بكين مُصممًا على لعب دور متميز لأوروبا يتجنب المواجهة الأمريكية مع الصين، مقتنعًا بأن هناك مكانًا لبكين لإنهاء الحرب في أوكرانيا، حسب وصف صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
إلا أن ماكرون، الذي تعرض لهجوم غير مسبوق في الداخل، احتجاجًا على قراره رفع سن التقاعد، وباءت محاولاته المتكررة لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوقف الحرب، بالفشل، تحول هذه المرة إلى الصين لأنها "الدولة الوحيدة في العالم القادرة على تغيير حسابات موسكو بشأن أوكرانيا"، على حد تعبير مسؤول دبلوماسي تحدث للصحيفة الأمريكية.
ففي فبراير الماضي، أعلنت الحكومة الصينية، مقترحًا من 12 بندًا دعت فيه موسكو وكييف إلى استئناف مفاوضات السلام، بعد مرور عام على بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، محذرة من استخدام السلاح النووي، وتضمن مقترحها الدعوة إلى إنهاء عقوبات على موسكو وفتح ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين.
وعن موقفها من الحرب، قالت بكين إنها محايدة، بينما اتهمت الغرب بإثارة الصراع و"تأجيجه".
تغيير قواعد اللعبة
ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤول فرنسي، طلب عدم كشف هويته، قوله: "يمكن للصين وحدها أن يكون لها تأثير يُغير قواعد اللعبة"، مضيفًا: "نحن نعلم أنه لن تكون هناك إدانة صينية لروسيا ، لكن ماكرون عمل بشكل كبير ليرى كيف يمكننا، مع الصين، أن نكون مفيدين لصالح الأوكرانيين".
ورغم ذلك، فإن الصحيفة الأمريكية ترى أن ما يدور في ذهن ماكرون ليس واضحًا، خصوصًا أن الصين لم تدن الغزو الروسي لأوكرانيا، بل تجنبت استخدام كلمة "حرب" لوصف الهجوم الروسي.
لكن -حسب المسؤول الفرنسي- الرئيس الفرنسي يهوى استكشاف جوانب غير مرئية للآخرين، ويبدو أنه رصد ما يكفي من القلق الصيني إزاء الحرب التي يخوضها بوتين، كما يميل ماكرون بقوة لفكرة أن يصبح زعيمًا مستقلًا في مواقفه، ويعد تطوير أوروبا كقوة عالمية فكرة لا يمكن التخلي عنها.
وأشارت الصحيفة إلى أن ماكرون لم يذهب إلى بكين، منفردًا، وإنما تدعمه أوروبا، عسى أن يفتح بابًا جديدًا أمام آمال السلام.
وفي ذلك، يقول مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن الصين عليها واجب أخلاقي يحتم عليها المساهمة في إرساء السلام بأوكرانيا، وعليها الإحجام عن دعم المعتدي، في حرب بدأتها روسيا بغزو أوكرانيا.
وأضاف بعد اجتماع مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بروكسل، الثلاثاء: "الصين عليها واجب أخلاقي للمساهمة في إحلال سلام عادل، لا يمكنها أن تنحاز إلى المعتدي".
من جهتها، قالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ إن "الصين مستعدة للتباحث مع الاتحاد الأوروبي، بشأن تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية، وتأمل أن يظهر الاتحاد استقلالاً استراتيجيًا وحكمة سياسية".
وأضافت: "نحن مستعدون للتباحث مع الجانب الأوروبي بشأن تسوية سياسية للأزمة، كما نأمل من الجانب الأوروبي إظهار الاستقلال الاستراتيجي والحكمة السياسية واتخاذ خطوات حاسمة، لتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل في أوروبا"، مؤكدة أن الصين ليست طرفًا في الأزمة الأوكرانية، وأن بكين تدعو بنشاط إلى حل سلمي للصراع.
أسئلة ومخاوف
ما يزيد آمال الأوروبيين بشأن الدور الصيني لحل الأزمة، وفق "نيويورك تايمز" أن بكين كانت قد أعربت -في سبتمبر الماضي- عن "أسئلة ومخاوف" بشأن استمرار الحرب.
وبدا أن الموقف الصيني تجاه روسيا قد تغيّر بعض الشيء، عندما أعلن بوتين، على هامش قمة سمرقند، منتصف سبتمبر الماضي، عن "أسئلة ومخاوف" لدى الصين بشأن حرب أوكرانيا، متعهدًا بتقديم شرح خلال الاجتماعات الثنائية.
وبينما بدت الولايات المتحدة غير راغبة في أن تلعب الصين أي دور لصُنع السلام بأوكرانيا، إلا أن بيانًا رئاسيًا فرنسيًا صدر خلال الساعات الماضية، كشف أن ماكرون تحدث إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، عشية مغادرته إلى بكين، وأثار الزعيمان "رغبتهما المشتركة في إشراك الصين بتسريع إنهاء الحرب في أوكرانيا".
ماكرون وانتقاد بايدن
ومع ذلك، لا تزال هناك اختلافات واضحة في النهج تجاه الصين، فبينما بدأت الولايات المتحدة التعامل مع بكين كمنافس أول على قيادة العالم، ترى أوروبا أن التعامل مع الصين مهم تجاريًا واقتصاديًا.
كان ماكرون قد انتقد الموقف المتشدد لإدارة بايدن تجاه الصين، ورأى أن أي فصل في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبكين، لن يفيد الأوروبيين، بالنظر إلى المصالح الاقتصادية الهائلة بين الجانبين، إذ تعتمد صناعة السيارات الألمانية على السوق الصينية، بينما يكاد يقترب الجانبان -الصيني والأوروبي- من إنهاء صفقة لبيع عشرات من طائرات إيرباص الأوروبية للصين.
أما للصين، ففي وقت كانت العلاقات مع الولايات المتحدة في أدنى مستوياتها منذ عقود، فإن تنمية الشراكة مع أوروبا، خاصة فرنسا وألمانيا، تحظى باهتمام اقتصادي واستراتيجي كبير، خصوصًا بعد انتهاء سياسة الإغلاقات التي فرضها فيروس كورونا.
استقلال أوروبي
في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز قبل زيارة ماكرون، حثَّ سفير الصين لدى الاتحاد الأوروبي، فو كونغ، أوروبا على أن تكون أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة، وأشار إلى أن التقارب الصيني مع روسيا مبالغ فيه.
وعن الصداقة "اللامحدودة" بين البلدين ، قال كونغ: "لا حدود" ليست سوى كلام.
ومن المقرر أن يعقد "شي" أكثر من ست ساعات من الاجتماعات مع ماكرون، خلال زيارته التي تستغرق ثلاثة أيام -معاملة استثنائية ترقى إلى بيان نوايا دبلوماسية جادة- بما في ذلك زيارة مشتركة إلى مدينة قوانغتشو الجنوبية، حيث تمتد جذور الزعيم الصيني إلى هناك.
والشهر الماضي، اتهم شي الولايات المتحدة بقيادة الدول الغربية في حملة "الاحتواء الشامل والتطويق والقمع" ضد الصين.
إلا أن من الواضح أنه يرى فرنسا كمحاور مهم، لأن إدارة بايدن تفرض ضوابط صارمة على الصادرات، تهدف إلى قطع وصول الصين إلى التقنيات الحيوية.
ومن خلال التواصل الاقتصادي الأوروبي، من النوع الذي ليست الولايات المتحدة على استعداد لتقديمه، قد يكون لماكرون بعض الفرص القوية في إقناع الصين، بلعب دور دبلوماسي أكثر إيجابية في أوكرانيا.
السعودية وإيران
يذكر أن الصين كانت قد نجحت في التوسط بصفقة فاجأت العالم، بين المملكة العربية السعودية وإيران، لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، وهو ما بدا أنه مؤشر واضح على الامتداد والطموح الجديد للبلاد، في ظل الولاية الثالثة لشي.
ويقول المسؤول الفرنسي للصحيفة الأمريكية: "هدفنا ليس قطع العلاقات مع الصين، وإنما على العكس من ذلك، هدفنا تعزيز تلك الروابط على أُسس أفضل".
نفوذ الصين
وقالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، التي ترافق ماكرون في عرض للثقل الأوروبي، في خطاب ألقته الأسبوع الماضي: "ليس من الممكن -ولا في مصلحة أوروبا- الانفصال عن الصين، علاقاتنا ليست سوداء ولا بيضاء، ولا يمكن أن يكون ردنا كذلك، هذا هو السبب في أننا بحاجة إلى التركيز على التخلص من المخاطر وليس الفصل".
وأشارت إلى أن نفوذ الصين "يمتد إلى جميع القارات والمؤسسات العالمية، وطموحاتها أكبر، ومن خلال مبادرة الحزام والطريق، هي أكبر مقرض للدول النامية وقوتها الاقتصادية والصناعية والعسكرية تمنعنا من الاعتقاد بأنها لا تزال دولة نامية".
وأضافت في كلمة بمقر مركز السياسة الأوروبية (إي بي سي) في بروكسل: "لقد سمعنا ذلك في أكتوبر الماضي، عندما قال الرئيس شي جين بينغ لمؤتمر الحزب الشيوعي إنه بحلول عام 2049 يريد أن تصبح الصين أول قوة عالمية في النفوذ الدولي".
ويرى المسؤول الفرنسي أن وجهات نظر فون دير لاين، بشأن تشدد الصين في عهد شي، لم تعكس اختلافًا في التقدير، بل بالأحرى تخدم تصميم ماكرون على التطلع إلى الأمام، من أجل "إيجاد طرق للبناء بين الجانبين".
ويضيف: "نحن حلفاء للأمريكيين، ولسنا على مسافة متساوية بين الصين والولايات المتحدة، لكن ليس لدينا مواقف واشنطن تجاه بكين، لأنه ليست لدينا المصالح نفسها".