كيف فاقمت الحكومة العراقية أزمة العملة الصعبة؟
حزمة الإجراءات كانت لها عواقب غير مقصودة، بما في ذلك خفض كبير في المعروض من الدولار في اقتصاد يفضل العملة الأمريكية بشدة، ما أدى إلى ارتفاع التضخم وصعوبات للعراقيين، الذين لا يثقون بمؤسساتهم ولا عملتهم

ترجمات – السياق
قالت صحيفة فايننشال تايمز، إن العراق يكافح للسيطرة على أزمة العملة، التي تعصف بالبلاد منذ أشهر، ما يؤكد هشاشة اقتصاد البلد الآسيوي المعتمد على النفط، بعد 20 عامًا من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.
وبينما أكدت الصحيفة البريطانية، أن محاولات السيطرة على الأزمة النقدية، كانت لها عواقب غير مقصودة، على بلد يكافح للوقوف على قدميه من جديد، دافع محافظ البنك المركزي الجديد علي محسن العلاق، عن الإجراءات التي اتخذها المصرف الذي يرأسه، لتحقيق الاستقرار في الأزمة التي أدت إلى نقص الدولار وانخفاض حاد في الدينار.
وفي مقابلة مع «فايننشال تايمز»، قال العلاق: «ركزنا على حل جذور المشكلة ونشهد بعض المؤشرات الإيجابية» في إشارة إلى جهود البنك المركزي والحكومة لتهدئة الذعر الذي ساد منذ اندلاع الأزمة النقدية في نوفمبر، عندما طبقت السلطات العراقية، مع الولايات المتحدة، قواعد صارمة على البنوك كجزء من الجهود المبذولة للقضاء على غسل الأموال والتدفقات النقدية السرية إلى الخارج.
لكن حزمة الإجراءات كانت لها عواقب غير مقصودة، بما في ذلك خفض كبير في المعروض من الدولار في اقتصاد يفضل العملة الأمريكية بشدة، ما أدى إلى ارتفاع التضخم وصعوبات للعراقيين، الذين لا يثقون بمؤسساتهم ولا عملتهم، بحسب الصحيفة البريطانية.
إحدى تلك الصعوبات، ما عاناه حمودي إسماعيل، 27 عامًا، مدرب شخصي في بغداد، قائلًا إنه كان يكافح لإيجاد 4300 دولار للإيجار ومدفوعات العمل، مضيفًا: صاحب المنزل يرفض أخذ دينار وقد قضيت أيامًا عدة هذا الأسبوع في محاولة للعثور على الدولارات.
اقتصاد ضعيف
وتقول «فايننشال تايمز»، إن اقتصاد العراق الذي وصفته بـ«الضعيف» يعتمد على التحولات في أسعار النفط العالمية، مشيرة إلى أن عائدات الذهب الأسود القياسية، أدت إلى تضخم خزائن ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لأكثر من 100 مليار دولار.
ذلك التضخم يأتي بينما بغداد لا يمكنها الوصول إلى الأموال، إلا من خلال الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يحتفظ باحتياطات العراق من النقد الأجنبي منذ الغزو الذي أطاح صدام حسين عام 2003.
وبموجب هذا الترتيب، يطلب البنك المركزي العراقي دولاراته من الاحتياطي الفيدرال،ي ويبيعها إلى مقرضين تجاريين وشركات صرافة مقابل الدينار، وهي عملية تعرف بـ «مزاد الدولار اليومي»، بحسب الصحيفة.
لكن المسؤولين الأمريكيين والعراقيين يشكون -منذ فترة طويلة- من أن عمليات احتيال واسعة النطاق سمحت بسحب مبالغ كبيرة، وانتهى الأمر ببعضها في أيدي المليشيات المسلحة الخاضعة للعقوبات الأمريكية في إيران وسوريا ولبنان.
عمليات احتيال
بدوره، قال المسؤول الأمريكي الكبير في بغداد ديفيد برجر، في تصريحات للصحيفة البريطانية: «لقد شهدنا، للأسف عددًا متزايدًا من المعاملات المشبوهة»، مضيفًا: «هذا الشهر، غادرت مبالغ ضخمة من التحويلات البلاد بأساس احتيالي واضح».
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن هذه المخاوف تجددت العام الماضي، بعد أن سُرق 2.5 مليار دينار من مصلحة الضرائب، مع استخدام بعض هذه الأموال لشراء العملة الأمريكية عبر المزاد.
وبعد الفضيحة، مُنعت أربعة بنوك عراقية يشتبه في غسلها الأموال من المشاركة في مزادات الدولار، إلا أنه بعد فترة وجيزة، كلفت البنوك المتبقية بالتخلي عن الأساليب الورقية لمنصة رقمية أكثر شفافية لـ«التحويلات البرقية».
إلا أنه مع ذلك، كان هناك بعض البنوك والتجار غير راغبين في كشف تفاصيل المستلمين النهائيين، بينما الآخر كان بطيئًا في التكيف مع القواعد، بحسب «فايننشال تايمز».
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن رفض الاحتياطي الفيدرالي عديدًا من طلبات التحويل من حسابات العراق، أدى إلى تقليل المعروض من الدولارات في السوق.
ووفقًا لبيانات البنك المركزي، فإن حجم هذه التحويلات انخفض من متوسط القيمة اليومية البالغ 180 مليون دولار عام 2022 إلى ما بين 65 و75 مليون دولار هذا العام.
لكن العلاق قال إن هناك بوادر على الانفراجة، مضيفًا: «نشهد ارتفاعًا مطردًا في عدد المعاملات على المنصة الرقمية (...) نرى مزيدًا من التجار العراقيين يسجلون للمشاركة».
ومع ذلك، فإن الخبراء حذروا من أن الأمر قد يستغرق أشهرًا، قبل أن تتكيف البنوك العراقية، وسنوات حتى يبتعد الاقتصاد تمامًا عن الطابع غير الرسمي وهيمنة النقد.
كانت الحكومة العراقية رفعت في فبراير الماضي قيمة الدينار من 1460 دينارًا للدولار إلى 1320 دينارًا للدولار، لكن قيمته في السوق الموازية -حيث يحصل العراقيون على دولاراتهم- لا تزال أقل بنحو 18%.
تفاقم الأزمة
ورغم ذلك، فإن الإجراءات الهادفة إلى معالجة الأزمة النقدية فاقمت المشكلة، وتشمل حظر عمليات السحب من ماكينات الصراف الآلي بالدولار، واتخاذ إجراءات صارمة ضد الصيارفة الذين يسعرون دولاراتهم بأعلى من السعر الرسمي.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن الحكومة قدمت مقترحًا سمحت بموجبه للمسافرين، بالحصول على قرابة 7 آلاف دولار في المطار لاستخدامها في الخارج، ما أدى إلى حجز صرافين رحلات طيران للوصول فقط إلى العملة الأمريكية، ثم بيعها في السوق السوداء.
وقال موظف في شركة طيران بمطار بغداد: «منذ أسابيع رأينا رحلات جوية إلى عمان أو بيروت نفدت، لكن الطائرات فارغة».
ورغم أن تلك الثغرة بدأت تضيق الأسبوع الماضي، مع خفض الحكومة الحد الأقصى للمبلغ المسموح به السفر للخارج إلى ألفي دولار، فإن بعض هذه الدولارات انتهى بها المطاف في لبنان، الذي يعاني أزمة اقتصادية.
وأوضح أحد الصرافين أنه منذ أسابيع يرسل عشرات العراقيين يوميًا لسحب الدولارات من مطار بغداد لإحضارهم إلى لبنان، مضيفًا: «نحن نجني قرابة 1200 دولار من كل 10 آلاف دولار نحصل عليها من العراق».
بدوره، قال رئيس البنك المركزي العراقي: «مشكلتنا الكبرى أن العراقيين يعتمدون على الدولارات النقدية. أليس غريباً أن يدفع المرء بعملة أجنبية في بلده؟ (...) العالم كله يتجه نحو التخلي عن النقد، ويجب على العراق أن يفعل ذلك أيضًا».