فرنسا تحاكم مسؤولين في النظام السوري بجرائم ضد الإنسانية.. من هم؟
أمر قاضيا تحقيق فرنسيان ببدء أول محاكمة في قضايا جرائم ضد الإنسانية، ارتكبت في سوريا بحق ثلاثة مسؤولين كبار في النظام السوري

السياق
بعد مرور أكثر من عشرة أعوام على الأحداث، التي اندلعت في سوريا إبان ما عُرف آنذاك بـ«الربيع العربي»، ما زالت التحقيقات الدولية جارية، في الجرائم التي ارتكبت في ذلك البلد العربي، الذي يكافح للوصول إلى شاطئ الاستقرار.
آخر تلك التحقيقات قضية قتل سوريين/فرنسيين فتح القضاء الفرنسي أوراقها مجددًا، ما منح دفعة أمل، لمحاكمة كبار المسؤولين عن تلك الأحداث.
فماذا حدث؟
الثلاثاء، أمر قاضيا تحقيق فرنسيان ببدء أول محاكمة في قضايا جرائم ضد الإنسانية، ارتكبت في سوريا بحق ثلاثة مسؤولين كبار في النظام السوري، بحسب «فرانس 24»، التي قالت إن هؤلاء المسؤولين سيحاكمون غيابيًا بتهمة قتل السوريين/ الفرنسيين مازن دباغ ونجله باتريك اللذين اعتًقلا عام 2013.
وطلب القاضيان في المحكمة القضائية بباريس، محاكمة علي مملوك وجميل حسن وعبدالسلام محمود أمام محكمة الجنايات، بتهمة التواطؤ لارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجناية حرب، بحسب أمر توجيه الاتهام الذي وقع الأربعاء الماضي.
كانت النيابة العامة في فرنسا فتحت تحقيقا أوليًا عام 2015، ثم قضائيًا في حالات اختفاء قسري وأعمال تعذيب تشكل جرائم ضد الإنسانية في أكتوبر، بعد إشارة من شقيق وعم المفقودين عبيدة دباغ.
تتويج للنضال
في تصريحات صحفية، رحب عبيدة دباغ بتلك التطورات، قائلًا: «هذا تتويج لنضال استمر عشر سنوات»، مشيرًا إلى أن الأمر إشارة على أنه «في أحد الأيام سينتهي الإفلات من العقاب».
بينما قالت كليمانس بيكتارت، محامية الاتحاد الدولي لحقوق الانسان والمركز السوري للإعلام وعائلة دباغ: «من الضروري أن تصنف هذه المحاكمة التي تندرج في إطار معركة طويلة ضد الإفلات من العقاب، جرائم النظام وأن تحكم، حتى غيابيًا، على كبار مسؤوليه».
ماذا نعرف عن القتيلين؟
باتريك دباغ كان طالبًا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في دمشق من مواليد 1993 ووالده كان مستشارًا تربويًا رئيسًا في المدرسة الفرنسية بدمشق من مواليد 1956.
واعتقل الرجل ونجله في نوفمبر 2013 من قِبل ضباط قالوا إنهم ينتمون إلى جهاز المخابرات الجوية السورية.
وقال صهر مازن دباغ، الذي اعتُقل في الوقت نفسه معهما، لكن أفرج عنه بعد يومين، إن الرجلين نُقلا إلى سجن المزة، حيث تعرضا لتعذيب داخل هذا السجن.
ولم تظهر أي علامة على أنهما لا يزالان على قيد الحياة إلى حين إعلان السلطات السورية وفاتهما في أغسطس 2018، إلا أن شهادتي الوفاة، تظهر أن باتريك توفي في 21 يناير 2014 ومازن في 25 نوفمبر 2017.
وبحسب أمر القاضيين، فإن باتريك ومازن دباغ تعرضا -على غرار آلاف المعتقلين لدى المخابرات الجوية- لتعذيب شديد لدرجة أنهما توفيا.
وقال القضاة الفرنسيون، إن مصادرة منزل مازن دباغ وطرد زوجته وابنته في يوليو 2016، ونقل ملكيته إلى «الجمهورية العربية السورية، التي أجَّرته إلى مدير المخابرات الجوية بنحو 30 يورو سنويًا»، يظهر أن هناك «تواطؤًا في جريمة حرب».
ماذا عن المتهمين؟
اللواء علي مملوك، المدير السابق للمخابرات العامة السورية، وأصبح عام 2012 رئيسًا لمكتب الأمن الوطني السوري، أعلى هيئة استخبارات في سوريا.
أما اللواء جميل حسن فهو رئيس إدارة المخابرات الجوية السورية، وكان يتولى هذا المنصب حين اختفى دباغ ونجله، بينما اللواء عبدالسلام محمود هو المكلف بالتحقيق في إدارة المخابرات الجوية بسجن المزة العسكري في دمشق.
دعاوى قضائية في أوروبا
من فرنسا، حيث بدأت أول محاكمة، انطلقت شرارة دعاوى قضائية في أوروبا، تستهدف النظام السوري وقادته، ففي ألمانيا تزايدت شكاوى السوريين التي تتحدث عن التعذيب في سجون النظام.
وتطبق ألمانيا مبدأ «الولاية القضائية العالمية» الذي يسمح لدولة ما بمقاضاة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية، بصرف النظر عن جنسيتهم أو مكان تنفيذ جريمتهم.
كانت محكمة ألمانية استعرضت عام 2018، نحو 27 ألف صورة في إطار قضية «قيصر»، الاسم الذي أُطلق على مصور سابق في الشرطة العسكرية السورية، هرب من بلاده وبحوزته أكثر من 50 ألف صورة وثّقت قتل آلاف المعتقلين السوريين بطرق وحشية، ما أدى إلى إصدار فرنسا وألمانيا مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس السابق لجهاز المخابرات الجوية جميل حسن.
بعد ذلك بأعوام، وتحديدًا في يناير 2022، خلصت المحكمة العليا الإقليمية في كوبلنس (غربي ألمانيا) إلى أن الضابط السابق في المخابرات السورية أنور رسلان (58 عامًا) مسؤول عن قتل معتقلين وتعذيب آلاف في معتقل للنظام بدمشق، بين عامي 2011 و2012.
وقضت المحكمة الألمانية عليه بالسجن مدى الحياة، لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، في إدانة هي الثانية من نوعها في هذه القضية بعد إدانة عضو سابق في أجهزة المخابرات.
وفي فرانكفورت، بدأت محاكمة طبيب سوري سابق في سجن حمص العسكري هو علاء موسى، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لضلوعه في تعذيب معتقلين.
وفي فرنسا، اتُهم الجندي السوري السابق عبدالحميد شعبان بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية عام 2019، بينما أكدت محكمة استئناف عام 2022 لائحة اتهام بالتعذيب وجرائم الحرب ضد مجدي نعمة، المتحدث السابق باسم جماعة جيش الإسلام، الذي أوقف عام 2020 في مرسيليا.
وعام 2021 فُتح تحقيق قضائي في هجمات كيميائية وقعت عام 2013 ونُسبت إلى قوات الجيش السوري، بناءً على شكاوى تقدمت بها ثلاث منظمات غير حكومية، تقدمت بشكاوى مماثلة في ألمانيا عن تلك الهجمات وعن هجوم بغاز السارين، عام 2017.
وفي السويد، حُكم على محمد عبدالله، وهو طالب لجوء كان قد خدم النظام السوري، بالسجن ثمانية أشهر عام 2017 لتعامله مع خمسة أشخاص بشكل مهين، ما قد يلحق ضرراً جسيماً بسلامتهم الجسدية والمعنوية.
وفي النمسا، حُكم على طالب لجوء سوري كان من مقاتلي الجيش السوري الحر، في مايو 2017 بالسجن مدى الحياة لإعدامه 20 جندياً جريحاً وغير مسلحين.