ما أسباب الاندماج الخليجي المتزايد بالمنظمات الإقليمية الآسيوية؟
ترى سينيم جنكيز، أن الولايات المتحدة دفعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى آسيا، مشيرة إلى أن دخول مجلس التعاون الخليجي النشط مع القوى الآسيوية، مدفوع أيضًا بفك الارتباط المتصور للولايات المتحدة، شريكها الأمني الأساسي.

ترجمات - السياق
العام الماضي، تزايدت وتيرة مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي، في مجموعة واسعة من المنظمات السياسية والاقتصادية، شرقي آسيا وجنوب شرقي آسيا.
وحسب تحليل للباحثة التركية سينيم جنكيز، المتخصصة في الشؤون الخليجية، بمركز منتدى الخليج الدولي، فإنه بينما يهدف الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى زيادة وجودهما في منطقة الخليج، تسعى دول مجلس التعاون إلى القيام بأدوار لأنفسهم في مجموعات آسيوية مهمة، مثل منظمة شانغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس ومنتدى التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا، ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
وحسب الباحثة، أحدث خطوة في هذا الصدد، قبول عضوية الكويت في أكتوبر الماضي، بمنتدى التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا، سبقتها في تلك الخطوة البحرين وقطر والإمارات.
حصلت السعودية وقطر وأوزبكستان، أيضًا، على وضع شريك الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون، خلال قمة المنظمة التي عُقدت بسمرقند في سبتمبر الماضي.
وتعد شنغهاي للتعاون منظمة اقتصادية وسياسية وأمنية، أسستها الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، ومن المقرر أن تصبح البحرين والكويت والإمارات شركاء الحوار في المستقبل.
وفي يونيو 2022، أعلن رئيس منتدى بريكس الدولي بورنيما أناند، خططًا سعودية للانضمام رسميًا إلى التحالف، الأمر الذي أثار استياء فرنسا والولايات المتحدة.
وقبل شهر واحد، انضم لأول مرة وزيرا الخارجية السعودي والإماراتي، في اجتماع وزراء خارجية بريكس (وهي منظمة غير متجانسة تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا).
وأشارت الباحثة إلى أنه في الوقت الذي أكد فيه الرئيس الصيني شي جين بينغ، ضرورة تسريع عملية توسع المنظمة، بدت دول مجلس التعاون الخليجي بدورها حريصة على المشاركة.
الشرق المحوري
وترى سينيم جنكيز، أن اندماج دول مجلس التعاون الخليجي في الشراكات الإقليمية الآسيوية - من بين أحدث مظاهر "محورها نحو آسيا"- يُعد تكريسًا للجهود المتضافرة لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع الدول الآسيوية، إذ يعد قادة الخليج هذه المنظمات نقطة انطلاق لتعميق هذه العلاقات.
في الوقت نفسه، تراقب الولايات المتحدة وحلفاء آخرون في حلف الناتو، الشركاء الاستراتيجيون التقليديون للخليج، بقلق حيث بدأ شركاؤهم المخلصون البحث عن تعاون سياسي وأمني في مكان آخر.
ورغم الاصطفاف التاريخي الوثيق لمنطقة الخليج مع المنظمات الغربية، فإن التوافق السياسي في السنوات الأخيرة بين قادة تلك الدول، يدفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى تعزيز العلاقات المهملة مع المنظمات الآسيوية.
فقد رأت دول مجلس التعاون الخليجي فوائد التعددية، كما أدركت أن حصر مشاركتها في المنظمات الغربية، يمكن أن يعزلها عن الشركاء السياسيين والتجاريين المحتملين في آسيا.
وبعد أن أدركت ذلك، عملت قيادات دول مجلس التعاون الخليجي على زيادة التمثيل الدبلوماسي في الدول الآسيوية والمنظمات الإقليمية، لتعزيز مواقعها في الشؤون الدولية وزيادة خيارات تطوير الشراكات الاستراتيجية مع الدول الآسيوية.
إضافة إلى ذلك، فإن زيادة وجودهم داخل المنظمات الآسيوية سيعزز أيضًا علاقاتهم الاقتصادية والأمنية مع هذا الجزء من العالم.
وتتعهد دول مجلس التعاون الخليجي، ذات الاقتصادات سريعة النمو، برؤى اقتصادية طموحة، وتتوق في الوقت ذاته إلى الاستثمار الأجنبي للإبقاء على هذه المشاريع حية، فضلًا عن أن الاقتصادات الآسيوية على استعداد للاستثمار.
كما أن الدول الأعضاء الرئيسة في هذه المنظمات الإقليمية الآسيوية المذكورة: روسيا والصين والهند، لها مصالح كبيرة في منطقة الخليج، حيث تلعب دول مجلس التعاون الخليجي دورًا مهمًا في الخطط الاقتصادية للصين، بما في ذلك "مبادرة الحزام والطريق" رفيعة المستوى.
وحسب الباحثة التركية، تعتمد الصين والاقتصادات الآسيوية الرئيسة على المنتجات البتروكيماوية الخليجية.
ففي العقد الماضي، زار كبار المسؤولين الصينيين الخليج، ووقَّعوا شراكات استراتيجية شاملة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكذلك مع قطر وعمان والكويت.
وفي يناير 2022، زار وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والكويت وعمان والبحرين بكين، لتسريع اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي.
وفي سبتمبر، عقد وزير الخارجية الصيني وانغ يي اجتماعًا مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، على هامش الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
الدور الأمريكي
وترى سينيم جنكيز، أن الولايات المتحدة دفعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى آسيا، مشيرة إلى أن دخول مجلس التعاون الخليجي النشط مع القوى الآسيوية، مدفوع أيضًا بفك الارتباط المتصور للولايات المتحدة، شريكها الأمني الأساسي.
وإضافة إلى ذلك، فإن عدم اليقين الخليجي من تنفيذ الولايات المتحدة لالتزاماتها لدول المنطقة لاسيما الأمنية، دفع دول المجلس إلى اللجوء لشركاء بديلين، معتقدة أن التحالفات الراسخة، قد لا تكون كافية لتلبية احتياجاتها الاقتصادية والأمنية في النظام العالمي الناشئ متعدد الأقطاب.
كما يأمل مجلس التعاون الخليجي أن يؤدي التعامل مع المنظمات الآسيوية المتعددة الأطراف إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع القوى المهيمنة في المنطقة، لا سيما الصين وروسيا، وهما سلطتان عسكريتان واقتصاديتان عالميتان وعضوان بارزان في منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس.
والعقد الماضي، كثفت دول الخليج علاقاتها التجارية والدفاعية مع القوتين.
أما في ما يخص مستقبل علاقات الخليج مع الغرب، فترى الباحثة التركية، أنه بالنظر إلى أن تعزيز دول مجلس التعاون الخليجي لعلاقاتها مع الدول الآسيوية والمنظمات الدولية قد انتقص من تأثير القوى الغربية، هناك من توقع أن تكون العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والغرب قد توترت.
لكن العكس هو الصحيح، فرغم الشكوك التي أثارها تنامي العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا وأحداث التوترات الدبلوماسية، استمرت علاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع القوى الغربية، بشكل عام، في التحسن.
ففي مايو 2022، كشف الاتحاد الأوروبي عن اتصال مشترك بشأن "شراكة استراتيجية مع الخليج" تهدف إلى توسيع وتعميق تعاون الاتحاد الأوروبي مع دول مجلس التعاون الخليجي وأعضائه.
وبذلك، تعهد الاتحاد الأوروبي أيضًا بتعزيز وجوده السياسي والاقتصادي في منطقة الخليج بشكل كبير.
جاء هذا الإعلان في وقت يتزايد القلق في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن الانجراف المطرد لدول مجلس التعاون الخليجي نحو الصين، التي حلت محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي عام 2020 مع تجارة ثنائية بـ 161.4 مليار دولار.
أمام ذلك، دفع الاتحاد الأوروبي بمزيد من العلاقات التجارية مع قطر، إضافة إلى تصدره عديد الاتفاقات التجارية مع الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ولتعزيز علاقات الطاقة والتجارة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، من المتوقع أيضًا أن يُعين الاتحاد الأوروبي مبعوثًا خاصًا لمنطقة الخليج نهاية العام.
للولايات المتحدة وحلف الناتو أيضًا مصالح جيوسياسية في منطقة الخليج، حيث للولايات المتحدة وجود عسكري كبير في دول مجلس التعاون الخليجي الست.
وعام 2004، اتخذ "الناتو" خطوة حاسمة في بناء علاقات أوثق مع دول مجلس التعاون الخليجي، بإطلاق مبادرة اسطنبول للتعاون.
وافتتح "الناتو" مكتبه الأول في منطقة الخليج بالكويت عام 2017، على أمل تعزيز التعاون الأمني والعسكري.
وفي يونيو 2021، افتتحت قطر مكتب تمثيلها العسكري بمقر "الناتو" في بروكسل، وفي مارس، صنفت الولايات المتحدة قطر حليفًا رئيسًا من خارج "الناتو"، ما يجعلها ثالث دولة من دول مجلس التعاون الخليجي تحصل على هذا التصنيف بعد البحرين والكويت، عامي 2002 و2004 على التوالي.
وترى الباحثة التركية، أن اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي الواضح، بالحفاظ على علاقاته مع حلف شمال الأطلسي والغرب، يؤكد الطبيعة القائمة على المصالح لسياستها الخارجية، مشيرة إلى أنه في حين أن دول الخليج دخلت بشكل متزايد مع المنظمات الإقليمية في آسيا لتعويض النقص الملحوظ في الاهتمام من الولايات المتحدة وأوروبا، من غير المرجح أن تتخلى -أو حتى تخفض عن قصد- تلك العلاقات، لا سيما في خضم عصر عالمي عصيب.
وبدلاً من ذلك، من المرجح أن تستمر دول مجلس التعاون الخليجي في السير على خط رفيع بين المنظمات الإقليمية الغربية وغير الغربية، لتحقيق أفضل النتائج لمصالحها الأمنية والاقتصادية على المدى الطويل.