هل انتهت تداعيات الأزمة المصرفية جراء انهيار بنكين أمريكيين؟

ترى فايننشال تايمز أن مخاطر أسعار الفائدة تلوح في الأفق خارج البنوك أيضًا.

هل انتهت تداعيات الأزمة المصرفية جراء انهيار بنكين أمريكيين؟

ترجمات -السياق 

الانهيارات المصرفية التي بدأت بسيليكيون فالي، وتبعتها سيغنتشر ثم فيرست ريبابليك بالولايات المتحدة، فاجأت العالم بالانتقال إلى أوروبا وإصابة واحد من أكبر البنوك السويسرية (كريدي سويس)، وهو ما زاد قلق المستثمرين من أن تستمر هذه السلسلة لتشمل بنوكًا أخرى في دول عدة كـ"قطع الدومينو"، وفق افتتاحية صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

وقالت الصحيفة: "لقد كانا أسبوعين محمومين، إذ جاء انهيار بنك سيليكون فالي في 10 مارس كتأثير الدومينو ليطيح مصرفًا إقليميًا أمريكيًا آخر (سيغنتشر بنك)، ما أثار مخاوف شديدة في الأسواق العالمية، وأدى بالتبعية إلى الاستحواذ الطارئ على "كريدي سويس" من "يو بي إس".

وأضافت: "رغم أن المنظمين والبنوك المركزية تدخلوا سريعًا وأحدثوا بعض الاستقرار المصرفي، فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان مزيد من قطع الدومينو ستسقط، فلا يزال الدافع وراء الأزمة -ارتفاع أسعار الفائدة- يُمثل تهديدًا كبيرًا، ومن ثمّ يزداد اهتزاز الثقة بالبنوك، وقد تتوسع نقاط الضعف في القطاع المصرفي، ما يعني أن الأزمة قد لا تكون انتهت".

وأشارت إلى أن أسهم البنوك تراجعت مرة أخرى، الجمعة، بقيادة "دويتشه بنك"، ما دفع المستشار الألماني أولاف شولتز إلى الإصرار على أنه "لا سبب يدعو للقلق" بشأن المقرض الألماني.

ففي حديثه بعد انخفاض أسهم دويتشه بنسبة 14 في المائة، سعى المستشار الألماني إلى تعزيز الثقة بأكبر بنك في البلاد، مع استمرار قلق المستثمرين، بعد الاستحواذ القسري على بنك كريدي سويس، نهاية الأسبوع الماضي.

وقال شولتز في قمة في بروكسل، بعد سؤاله عما إذا كان المقرض هو "كريدي سويس" الجديد: "دويتشه بنك حدَّث وأعاد تنظيم أعماله، وهو بنك مربح للغاية"، مضيفًا: "لا سبب يدعو للقلق حيال ذلك".

البنوك الصغيرة

وترى "فايننشال تايمز" أن تداعيات انهيار هذه البنوك، لا يزال يلقي بثقله على البنوك الأخرى، مشيرة إلى أن أسهم "فيرست ريبابليك" -وهو بنك تجاري أمريكي مقره الرئيس سان فرانسيسكو- وعدد من البنوك المماثلة، لا تزال تتأرجح، وتتعرض لضغوط شديدة، خوفًا من أن تواجه مصير سيليكيون فالي، خصوصًا أنها تمتلك كثيرًا من الأصول الحساسة لسعر الفائدة.

وأوضحت أن استحواذ بنك يو بي إس السويسري، على بنك كريدي سويس، لا تزال له تداعياته أيضًا، لافتة إلى أن سجل اندماج البنوك الصغيرة متنوع، ومن ثمّ سيكتسب الكيان الجديد العملاق أهمية عالمية أكبر.

وأضافت: "لأن هيكل الصفقة -الاستحواذ على كريدي سويس- شهد محو حاملي السندات القابلة للتحويل، في حين أن المساهمين يتلقون تعويضات، فقد تساءل المستثمرون عن التسلسل الهرمي للحقوق حال تداعي البنوك"، مشددة على أنه "عادةً ما تكون الأسهم أقل من هذه السندات".

وحسب الصحيفة، قد يواجه استحواذ مصرف "يو بي إس" على منافسه كريدي سويس عديد التحديات القانونية، إذ يحسب المستثمرون والمساهمون تكلفة الصفقة التي تم التعجيل بها خلال عطلة نهاية أسبوع.

ونقلت "فايننشال تايمز" عن مؤسسة إيثوس -وهي مجموعة ترعى مصالح المساهمين السويسريين وتضم أكثر من 120 صندوقًا للمعاشات التقاعدية ومؤسسة ذات نفع عام- إنها تدرس احتمال اللجوء إلى طعن قانوني ضد عملية الاستحواذ تلك.

وبينّت الصحيفة، أن السلطات عملت على وقف العدوى في القطاع المصرفي، وقد ساعدت خطة السيولة السخية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وإجراءات البنك المركزي المتضافرة، في وقف الانهيارات ولو مؤقتًا.

ومع ذلك، أثارت تصريحات وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين الارتباك، بما إذا كان التأمين على الودائع أعلى من 250 ألف دولار -كما هو الحال مع بنكي سيليكيون فالي وسيغنتشر- سيكون في مكانه إذا فشل الآخرون، ما أدى إلى عمليات بيع لأسهم البنوك الأمريكية الأصغر.

ففي معرض ردها في على سؤال عن إتاحة سبل الحماية للودائع الأمريكية، قالت يلين خلال جلسة استماع أمام لجنة فرعية بمجلس الشيوخ: "لم أبحث أو أناقش أي شيء يتعلق بالتأمين الشامل أو ضمانات الودائع". 

ولم توضح ما إذا كان ذلك يشير إلى تغيير مؤقت أو دائم في الحد الأقصى للتأمين على الودائع.

مخاطر أسعار الفائدة

وترى "فايننشال تايمز" أن مخاطر أسعار الفائدة تلوح في الأفق خارج البنوك أيضًا، مضيفة: "تظل القطاعات شديدة المديونية وصناديق الاستثمار ذات الأصول الحساسة لسعر الفائدة، مكشوفة".

وتبيّن الصحيفة أن هذه المخاطر يمكن أن تتفاقم، لافتة إلى أنه مع عدم تحقيق النصر النهائي في المعركة ضد التضخم، حيث تحتاج البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة -حتى إذا لم يطح بمزيد من البنوك- فهناك خطر حقيقي يتمثل في ضغوط ائتمانية واسعة النطاق.

وأشارت إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة أدت إلى خفض الإقراض للاقتصاد الحقيقي، ومن المرجح أن ترفع البنوك معايير الإقراض أكثر استجابةً للأحداث الأخيرة.

فبعد قراره بارتفاع أسعار الفائدة بـ 25 نقطة أساس منتصف الأسبوع ، أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى زيادة أخرى في أسعار الفائدة بالمستقبل القريب، ومن ثمّ على البنك المركزي الأوروبي أن يذهب أبعد من ذلك.

وبالفعل، فقد رفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة بـ 25 نقطة أساس، للمرة الـ11 على التوالي، بعد زيادة مفاجئة في نسب التضخم.

وحسب الصحيفة، تعد الأحداث الأخيرة تذكيرًا بأن ارتفاع المعدل لا يمر بسلاسة، بينما أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، إلى أن زيادات أقل قد تكون ضرورية، لأن الاضطرابات نفسها تساعد في تشديد الأوضاع المالية.

وقال باول، إن المركزي الأمريكي استمر في التركيز على معركة التضخم، ووصف انهيار بنك سيليكون فالي بأنه "حالة شاذة" في نظام مالي قوي.

لكنه أقر بأن الاضطرابات الأخيرة من المحتمل أن تؤثر في النمو، مشيرًا إلى أن التأثير لا يزال غير واضح.

لكن يبدو أن الإقراض العقاري -وفق الصحيفة- عُرضة أيضًا للخطر، مشيرة إلى أنه إذا تم تشديد الائتمان بشكل كبير، من الممكن حدوث دوامة من انخفاض الأسعار والتخلف عن السداد.

ففي الولايات المتحدة، يأتي الجزء الأكبر من الإقراض العقاري التجاري، من خلال مقرضين أصغر يقعون تحت الضغط، كما أن أولئك الذين يحتاجون إلى إعادة تمويل القروض قد يواجهون تحديات شديدة، في ظل تعرض الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري التي تحتفظ بها البنوك لضربة كبيرة.

ورغم هذه المخاوف، فإن الصحيفة تستبعد تكرار أزمة عام 2008، مشيرة إلى أن "رأس مال البنوك أصبح أقوى، كما كانت السلطات استباقية بشكل مطمئن في تقديم الدعم".

وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن معايير الإقراض أفضل الآن، لكن تشديد الائتمان لا مفر منه، لافتة إلى أنه مع تجذر الاضطرابات الأخيرة في القطاع المصرفي الأمريكي الإقليمي الأقل تنظيمًا، يظل من الممكن أن تكون نقاط الضعف الأخرى كامنة في أماكن أخرى، مضيفة: "قد تكون حادثة إفلاس "سيليكيون فالي" ثم ك"ريدي سويس" علامة على ما سيحدث في المستقبل".