وول ستريت: السعودية أولًا.. سياسة الأمير محمد بن سلمان لإعادة تشكيل الاقتصاد
تقول وول ستريت جورنال، إن هذه المرة الثانية في أقل من ستة أشهر، التي يتجاهل فيها السعوديون مخاوف الولايات المتحدة، رغم التداعيات الكبيرة المحتملة على العلاقات الثنائية، محذرة من أن أسعار النفط المرتفعة تساعد في تغذية آلة الحرب الروسية.

ترجمات - السياق
قالت «وول ستريت جورنال» الأمريكية، إن قرار الخفض الطوعي لإنتاج النفط، الذي اتخذته السعودية وحلفاؤها، أظهر استعداد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتنحية مخاوف الولايات المتحدة جانبًا، لتنفيذ سياسة طاقة وطنية، تهدف إلى تمويل التحول الاقتصادي بالمملكة.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن تحرك السعودية وحلفائها كان «مفاجأة»، بعد أن أخبر وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان محللي الصناعة في فبراير بأن المملكة ستتسامح مع انخفاض أسعار النفط إلى نحو 65 دولارًا أو 70 دولارًا للبرميل، وفقًا لمحللين ومسؤولين سعوديين مطلعين.
كان خام برنت يتجه نحو الانخفاض منذ أواخر العام الماضي، بسبب مخاوف من الركود العالمي، ليقترب من 70 دولارًا للبرميل الشهر الماضي، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن أسعار النفط سجلت -الاثنين- أكبر زيادة لها بيوم واحد في أكثر من عام، بنسبة 6.3% إلى 84.93 دولارًا للبرميل.
وتقول «وول ستريت جورنال»، إن هذه هي المرة الثانية في أقل من ستة أشهر، التي يتجاهل فيها السعوديون مخاوف الولايات المتحدة، رغم التداعيات الكبيرة المحتملة على العلاقات الثنائية، محذرة من أن أسعار النفط المرتفعة تساعد «في تغذية آلة الحرب الروسية».
السعودية أولًا
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن قرار خفض الإنتاج، الذي اتخذ الأحد، يُعد أوضح إشارة -حتى الآن- على أن السعوديين سيفعلون كل ما يلزم لإبقاء أسعار النفط عند المستويات التي تفيدهم.
وتقول «وول ستريت جورنال»، إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يطبق ما يصفه المحللون بسياسة «السعودية أولاً»، تهدف إلى منح الأولوية للمصالح الوطنية، في وقت يتزايد عدم اليقين بشأن التزام الولايات المتحدة، بالدفاع عن حلفائها في الشرق الأوسط، وسط تزايد المنافسة بين القوى العظمى في المنطقة.
وأخبر الأمير محمد بن سلمان مساعديه -أواخر العام الماضي- بأنه لم يعد مهتمًا بإرضاء الولايات المتحدة، قائلاً إنه يريد شيئًا مقابل أي شيء يقدمه لواشنطن، وفقًا لمطلعين على المحادثة.
ويقول المسؤولون وغيرهم من المطلعين على سياسة النفط السعودية، إن تحرك الرياض لم يكن مفاجئًا، فهي بحاجة إلى الدفاع عن أسعار أعلى، لدفع تكاليف مشاريع التنمية الضخمة في الداخل، مشيرين إلى أن بعض تلك المشروعات كبير جدًا، لدرجة أن السعوديين يسمونها «مشاريع ضخمة»، بينها منتجع على البحر الأحمر بحجم بلجيكا، مع فنادق على طراز جزر المالديف فوق الماء، ومدينة مستقبلية عالية التقنية في الصحراء تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، وهي أكبر 33 مرة من مدينة نيويورك.
خطة طموحة
وقال فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في بنك غولدمان ساكس، إن المملكة العربية السعودية أقل ميلًا لإخضاع مصالحها الاقتصادية لدعم مصالح الولايات المتحدة مما كانت عليه.
وأضاف الخبير الاقتصادي: «على السعوديين الحذر من سيناريوهات الركود العالمي والآثار المترتبة على الطلب على الطاقة، التي قد تدفع أسعار النفط إلى ما دون المتوسط السنوي البالغ 80 دولارًا للبرميل، ويحدث عجزًا في الميزانية».
وتقول «وول ستريت جورنال»، إن الأمير محمد بن سلمان، ينفذ خطة طموحة، لاستخدام موارد بلاده من عائدات النفط لتحويل اقتصادها، وإعادة تشكيل مشهدها المادي وتقلب ثقافتها المحافظة.
ومع وصول الأسعار إلى 100 دولار للبرميل -العام الماضي- في أعقاب «الغزو» الروسي لأوكرانيا، عجلت المملكة تلك الجهود، التي يمولها -إلى حد كبير- صندوق الثروة السيادي الذي تبلغ قيمة أصوله 650 مليار دولار ويرأسه الأمير محمد بن سلمان.
وفي الأشهر الأخيرة، حذر مستشارون اقتصاديون سعوديون، كبار صانعي السياسة، من أن المملكة بحاجة إلى أسعار نفط مرتفعة للسنوات الخمس المقبلة، لمواصلة إنفاق مليارات الدولارات على المشاريع.
وقبل إعلان تخفيضات الإنتاج السابقة في أكتوبر، قال مسؤولون سعوديون إنهم يعتقدون أن البيانات الاقتصادية تشير إلى أن ميزانية الحكومة تتطلب 90 دولارًا إلى 100 دولار للبرميل لخام برنت، فوق النطاق 75 إلى 80 دولارًا الذي كانت المملكة تستهدفه.
احتياطيات ضخمة
وتقول «وول ستريت جورنال»، إنه مع امتلاك السعودية قرابة 450 مليار دولار من الاحتياطات الأجنبية، وثاني أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم، من غير المرجح أن تنفد أموال المملكة قريبًا.
لكن المسؤولين قالوا إن الأمير محمد بن سلمان انزعج من تحليل اقتصادي لوزير الطاقة الأمير عبدالعزيز، حذر من أن النفط قد ينخفض إلى ما دون 50 دولارًا للبرميل، ما يعرِّض خطط الإنفاق الضخمة للخطر.
كان الأمير عبدالعزيز بن سلمان، قال إن الحكومة السعودية تسعى لتنفيذ رؤية ولي العهد 2030، بما في ذلك مشاريع البناء الضخمة، الهادفة لتوليد صناعات مثل السياحة والترفيه، التي لم تكن موجودة في المملكة.
وقال الأمير عبدالعزيز في مؤتمر مالي بالرياض في أكتوبر الماضي: «ما زلت أسمع هل أنت معنا أم ضدنا؟».
تداعيات سياسية
وسيخفض قرار الأحد، أكثر من مليون برميل يوميًا، ابتداءً من الشهر المقبل، من حصص الإنتاج في السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت والجزائر وعمان وكازاخستان.
إلا أن هذه الخطوة لها تداعيات سياسية كبيرة، ويمكن أن تزيد التوترات بين الرياض وواشنطن، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن المملكة العربية السعودية، شريك الولايات المتحدة، تضع سياسة الطاقة على خلاف مع واشنطن منذ أكثر من عام.
وتقول «وول ستريت جورنال»، إن الولايات المتحدة سعت إلى خفض عائدات روسيا -أحد أكبر منتجي النفط والغاز في العالم- من خلال العقوبات وفرض حد أقصى للأسعار، لكن تحركات "أوبك" بقيادة السعودية ومجموعة أخرى من المنتجين بقيادة روسيا، ساعدت في دعم أسعار النفط الخام عام 2022.
رياح معاكسة
وأدت التخفيضات في أكتوبر الماضي، التي جاءت بعد أشهر من زيارة الرئيس جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية، لإصلاح العلاقات وقبل انتخابات الكونغرس، إلى تصعيد التوترات مع البيت الأبيض، الذي تراجع في النهاية عن التهديدات بالانتقام من الرياض.
وقال بيارن شيلدروب، المحلل لدى مصرف «إس إي بي»: «التخفيضات الجديدة قد تضيف بعض الرياح المعاكسة للاقتصاد العالمي وأسواق النفط، ما يساعد روسيا في تأمين أسعار أفضل لخامها».
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن التخفيضات تهدف إلى إبقاء «أسعار النفط الخام والمنتجات البترولية عند مستوى معين»، وفقًا لوكالة الأنباء الروسية إنترفاكس.