وجبات مجانية وعروض ترفيهية... مبادرات في حلب لمنح الأمل بعد الزلزال

لم تسلم مدينة حلب، ثاني كبرى المدن السورية، التي كانت عاصمة البلاد الاقتصادية قبل اندلاع النزاع فيها عام 2011، من تداعيات الزلزال الذي تسبّب بقتل 432 شخصاً فيها.

وجبات مجانية وعروض ترفيهية... مبادرات في حلب لمنح الأمل بعد الزلزال

السياق

على وقع قرقعة الأواني المنزلية ورائحة الأرز المطهو مع الدجاج، يتناوب عشرات المتطوعين في مدينة حلب شمالي سوريا على توضيب وجبات طعام ساخنة، لتوزيعها على عائلات شرّدها الزلزال المدمر أو صدّع منازلها.

كخلية نحل لا تهدأ، يتقاسم متطوعو جمعية ساعد الخيرية المهام داخل قبو لحديقة عامة في المدينة، في إحدى المبادرات التطوعية التي تشهدها حلب ومدن سورية ضربها الزلزال، ومركزه في تركيا، في السادس من الشهر الحالي، متسبباً بقتل قرابة 46 ألف شخص في البلدين.

محاطين بأكياس من الخضار وصوان من الأرز، يعمل قرابة مئة متطوع من مختلف الأعمار بالتناوب، داخل المطبخ الجماعي لإعداد وجبات على مدار الساعة، استفاد منها -حتى الآن- قرابة سبعين ألف شخص في المدينة.

ويقول مؤسّس المبادرة عصام حبّال، لوكالة فرانس برس: "نوزع وجباتنا في الغالب على مراكز الإيواء، إضافة لفرق جوالة توزع الطعام على المشردين في الحدائق والشوارع".

ويُضيف الرجل الذي تنشط جمعيته، ومقرها دمشق، في إطعام المحتاجين خصوصاً خلال شهر رمضان: "كانت الاستجابة هذه المرة مختلفة، لأنها طارئة ومستعجلة ولم نكن مستعدين لها".

داخل المطبخ الذي تتوسطه طاولات خشبية متراصة، تنهمك مجموعة من المتطوعين في غسل الأرز والدجاج والخضار. وفي زاوية أخرى، تستقبل مجموعة مواد غذائية من متبرعين، بينما يعمل آخرون على توضيب وجبات الأرز وتزيينها بالدجاج، تمهيداً لتوزيعها.

ويوضح حبّال: "نحن في مدينة حلب المشهورة بمطبخها ووجباتها وأناسها الذواقين" مضيفاً: "لذا لا نقبل أن تكون وجباتنا أقل جودة من تلك التي توضع على موائد الحلبيين عادة".

ولم تسلم مدينة حلب، ثاني كبرى المدن السورية، التي كانت عاصمة البلاد الاقتصادية قبل اندلاع النزاع فيها عام 2011، من تداعيات الزلزال الذي تسبّب بقتل 432 شخصاً فيها، أي ما يعادل قرابة ثلث عدد الضحايا الذين وثقتهم الحكومة السورية في مناطق سيطرتها.

وتسبّب الزلزال بانهيار 54 مبنى، أغلبيتها في الجزء الشرقي من المدينة، وكان قد تضرر خلال معارك شهدتها المدينة بين عامي 2012 و2016، قبل استعادة الجيش السيطرة على المدينة، إثر هجوم واسع وحصار بدعم روسي.

 

حلاقة مجاناً

إثر الزلزال المدمّر الذي أودى بحياة أكثر من 3600 شخص في أنحاء سوريا، اضطر سكان كثر لإخلاء أبنية كانت الحرب قد صدّعتها. وتوجه هؤلاء إلى مراكز إيواء موجودة أساساً أو مجهزة على عجل أو لجأوا إلى أقاربهم.

وتفترش عشرات العائلات الحدائق والساحات العامة، أو تلجأ مع أطفال مرعوبين إلى سياراتها التي تضيق الشوارع بها خشية انهيار منازلهم، بعد الزلزال المدمر.

ورغم نجاة منزله من الزلزال الأول، دفع الخوف إثر الزلزال الثاني مصفّف الشعر سركيس هاغوبيان (21 عاماً) ووالديه إلى اللجوء لمركز إيواء تابع لكنيسة دير الأرض المقدسة في حي الفرقان.

فور وصوله إلى المركز، أخرج هاغوبيان من حقيبة بحوزته عدّته من مقص وماكينة وبدأ تقديم الخدمة التي يجيدها مجاناً لمن يرغب: حلاقة الشعر في الباحة الخارجية للمركز.

ويقول لوكالة فرانس برس: "أنا حلاق ولا أتقن أي شيء آخر، لذا بادرتُ بهذه الخدمة".

ومنذ الزلزال المدمر، لم يهدأ مقصّ الحلاق الذي يروي كيف أمضى وقته في التنقل من مركز إيواء الى آخر، حتى بات معروفاً خلال الأيام الأخيرة بلقب "ساكو الحلاق"، وبات كل من يصادفه في الشارع يلقي عليه التحية ويشكره على جهوده.

ويوضح: "في أوقات مماثلة، علينا أن نتكافل ونتعاون، وأن يقدّم كل شخص ما يستطيع، وبذلك يمكننا النجاة من الكارثة".

 

خارج الزمن

بعد مشاهدتها طفلة في السادسة من عمرها، ترسم بعد يومين من الزلزال الأول على ورقة أمامها دوائر متداخلة وتقول لمن حولها: "أنا أرسم الزلزال"، قررت الفنانة المتخصصة في مسرح الأطفال صونا سلوكجيان، أن تخصّص وقتها للترفيه عن الأطفال الذين روّعهم الزلزال.

وتقول سلوكجيان (38 عاماً) لوكالة فرانس برس: "شاهدت الخوف في عيني الطفلة، وشاهدت الخوف في عيني ابنتي، وقررت أن أتطوع في الشيء الذي أحبه، الغناء والرقص مع الأطفال".

منذ نحو أسبوعين، تنتقل السيدة مع ابنتيها ومتطوعين آخرين كل عصر من مركز إيواء لآخر لتقديم عروض ترفيهية.

وتوضح: "ثمة مبادرات لتقديم الطعام، لكن ذلك لا يكفي وحده" لافتة إلى أن "الطفل لا يحتاج الطعام والشراب فحسب، بل يريد أن يلعب وينسى".

على خشبة مسرح تابع لكنيسة مار الياس في حي الفيلات بحلب، قدّمت سلوكجيان برفقة مهرّج عرضاً فنياً حضره عشرات من كبار وصغار، من المقيمين في مركز إيواء تابع للكنيسة يضم أكثر من 800 شخص شرّدهم الزلزال.

على المسرح، يلتفّ الأطفال حولها وهي تردّد أغانيهم، بعضهم يعانقها بينما لا يترك طفل مُصاب بالتوحد يدها، تنهمر دموعها وهي تغنّي له وتضع يدها على رأسه.

قرب صونا، تؤدي لِيلا حركات بهلوانية وهي ترتدي زي المهرّج. يتجمع عشرات الأطفال حولها ويقهقهون ويطلبون التقاط الصور معها.

وتقول الشابة بتأثر لوكالة فرانس برس: "هذا أقل ما يمكن أن نقدمه (...) ليس الأطفال وحدهم من يفرحون، أشعر كأنني خارج الزمن، أشعر بالأمان" خلال تقديم العرض.