غزو روسيا لأوكرانيا.. ما تأثيره في أسواق الحبوب والبذور الزيتية؟

ما أهمية روسيا وأوكرانيا لأسواق الحبوب؟ وماذا يعني استمرار الأزمة بين البلدين؟ وما تأثيرها في الشرق الأوسط خاصة وفي العالم بشكل عام؟

غزو روسيا لأوكرانيا.. ما تأثيره في أسواق الحبوب والبذور الزيتية؟

السياق

تداعيات كبيرة تسببت فيها الأزمة الروسية الأوكرانية، ما أثقل كاهل دول، بعد الصدمة التي أحدثتها الطفرة غير المتوقعة في أسعار الغذاء والوقود، خاصة مع تصاعد وتيرة العقوبات الغربية ضد موسكو.

تلك الصدمة لم ينجُ منها أحد في العالم، إلا أن الأسر الفقيرة التي يشكل الغذاء والوقود نسبة أكبر من إنفاقها، كانت أكثر المتأثرين بها، بحسب صندوق النقد الدولي، الذي حذر من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، التي دخلت يومها الثالث عشر.

وبينما يظل الموقف الراهن على درجة كبيرة من التقلب، فإن العواقب الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا، ستكون بالغة الخطورة، بحسب الصندوق الذي حذر من طفرة في أسعار الطاقة والسلع الأولية، بما في ذلك القمح، ما يزيد الضغوط التضخمية الناشئة عن انقطاعات سلاسل الإمداد والتعافي من جائحة كورونا.

وأدت تلك الأزمة إلى الدفع بقضية الأمن الغذائي على صدارة أجندة الدول، خاصة بعد أن ارتفعت أسعار الحبوب إلى أعلى مستوياتها في سنوات، متأثرة بالاضطرابات في سلاسل التوريد إلى جانب العقوبات الغربية.

لكن ما أهمية روسيا وأوكرانيا لأسواق الحبوب؟ وماذا يعني استمرار الأزمة بين البلدين؟ وما تأثيرها في الشرق الأوسط خاصة وفي العالم بشكل عام؟

لم تكن الأسر الفقيرة تدرك أهمية البلدين المتحاربين، اللذين يبعدان عنها آلاف الأميال؛ لكن ما إن اندلعت الأزمة قفزت الأسعار إلى أعلى مستوياتها في سنوات، ولا يحتاج ذلك إلا النظر إلى ما هو أبعد من الارتفاعات الأخيرة التي وصفت بـ«الجنونية» في أسواق الحبوب والبذور الزيتية، إذ كشفت أهمية روسيا وأوكرانيا في الأسواق العالمية؛ فأسعار القمح في بورصة شيكاغو التجارية سجلت ارتفاعًا بأكثر من 70% هذا العام، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ 2008.

ولم تسلم الذرة من تلك الارتفاعات؛ فقفزت الأسعار 30% تقريبًا لتصل لأعلى مستوى لها منذ عام 2013، بينما شهد فول الصويا ارتفاعًا بأكثر من 25%، عند أعلى مستوى منذ عام 2012.

ورغم أن ارتفاع أسعار فول الصويا يعود إلى انخفاض مستوى المحاصيل في أمريكا الجنوبية، فإن الحصول على دعم من منتجات بديلة كسوق زيت النخيل الضيق، والمخاوف من إمدادات زيت دوار الشمس من أوكرانيا وبدرجة أقل من روسيا، دفع بالأسعار لأعلى مستوياتها في أعوام.

سلسلة ارتفاعات كشفت أهمية البلدين المتحاربين في الأسواق العالمية، إلا أن حالة عدم اليقين بنهاية وشيكة للأزمة، والفقد المحتمل للمعروض من الصادرات الروسية والأكرانية، سيدفعان بأسواق الحبوب والبذور الزيتية إلى ارتفاعات «جنونية»، ما يؤدي إلى تغير التوقعات للموسم المقبل على الأقل.

ما أهمية روسيا وأوكرانيا في أسواق الحبوب؟

تمثل الصادرات الأوكرانية وحدها من الذرة قرابة 17% من إمدادات التصدير العالمية، ما جعل البلد الأوراسي رابع أكبر مصدر للذرة في العالم، بحسب وزارة الزراعة الأمريكية، التي توقعت أن تصدر كييف هذا العام نحو 33.5 مليون طن من إجمالي إنتاجها البالغ 42 مليون طن من هذا المحصول الاستراتيجي.

لم يكن إنتاج أوكرانيا من الذرة مصدر قوتها الوحيدة في الأسواق العالمية؛ بل إن إنتاجها من القمح لم يكن أقل أهمية، فالبلد الأوراسي منتج كبير لتلك السلعة الاستراتيجية، بحسب وزارة الزراعة الأمريكية، التي قدرت إنتاج كييف -العام الحالي- بقرابة 33 مليون طن.

تلك الكمية المتوقع إنتاجها، كانت أوكرانيا ستدفع بـ24 مليون طن منها إلى الأسواق العالمية، ما يجعلها ثالث أكبر مصدر للقمح عالميًا، بامتلاكها حصة تقارب 12% في سوق التصدير العالمي.

ورغم ذلك فإن إنتاج أوكرانيا من الحبوب، لم يكن مصدر قوتها الوحيدة؛ فالبلد الأوراسي أكبر منتج لبذور دوار الشمس، بحسب وزارة الزراعة الأمريكية التي قدرت إنتاجها المتوقع بـ17.5 مليون طن، ما يمثل أكثر من 30% من الإنتاج العالمي، إضافة إلى امتلاكها   صناعة تكسير محلية كبيرة، يجعلها من أكبر مصدري مسحوق دوار الشمس والزيت.

أين موقع روسيا عالميًا؟

لروسيا مواطن قوة عدة في أسواق الحبوب العالمية؛ فالبلد الغني بالنفط والغاز الطبيعي تمكن عام 2021/2022، من إنتاج 75.5 مليون طن من القمح، بينما قدرت الصادرات بنحو 35 مليون طن هذا الموسم، ما يجعلها أكبر دولة مصدرة لهذا المحصول الاستراتيجي عالميًا، لامتلاكها ما يقرب من 17% من إمدادات الصادرات العالمية. 

ورغم أن أهمية روسيا في توريد الذرة أقل أهمية من أوكرانيا، فإن موسكو تعد ثاني أكبر منتج لبذور دوار الشمس، بإنتاجها قرابة 27% من المعروض العالمي، إضافة إلى معالجتها معظم إنتاجها محليًا.

ماذا يعني استمرار الحرب بالنسبة لأوكرانيا؟

استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، يعني الكثير اقتصاديًا بالنسبة للبلد الأوراسي؛ فالمخاوف المحلية والدولية تتصاعد بسبب توقف الصادرات، بعد إغلاق الموانئ الأوكرانية، ووفقًا للإدارة البحرية الأوكرانية التي رجحت استمرار غلقها حتى انتهاء الصراع. 

فاستمرار غلق الموانئ الأوكرانية بسبب الصراع الدائر حاليًا، سيجعل من الصعب على كييف تصدير باقي إنتاجها من القمح البالغ 25% الذي ما زال متوفرًا لديها، بحسب بيانات صادرة عن وزارة الزراعة الأوكرانية، التي أكدت أن صادرات القمح التراكمية موسم 2021/202 بلغت ما يقارب 17.96 مليون طن بدءًا من 23 فبراير.

إلا أن استمرار الحرب لن يتسبب في خسائر فقط بإنتاج العام الماضي؛ فالقمح الشتوي للعام الجديد 2022 في الأرض، ما أثار مخاوف من تعطيل الزراعة، وعدم حصاد جميع المساحات للموسم المقبل.

وبحسب مراقبين، فإنه بافتراض انتهاء الصراع قبل موسم الحصاد في يوليو المقبل، فإن انخفاض إنتاج القمح الأوكراني سيظل مستمرًا وسيؤثر في الإنتاج المحلي والأسواق العالمية الموسم المقبل. 

الذرة الأوكرانية تأثرت بدورها بالحرب على البلد الأوراسي، الذي ما زال يمتلك نحو 43% من إنتاجه تحتاج إلى التصدير قبل نهاية يونيو المقبل، بحسب بيانات حكومية أكدت أن صادرات أوكرانيا بلغت 18.98 مليون طن من الذرة، بدءًا من 23 فبراير.

تأثير استمرار الحرب في إنتاج أوكرانيا من الذرة لن يشمل فقط الإنتاج المتراكم حاليًا؛ بل إن إنتاج الموسم المقبل سيتأثر بشكل سلبي؛ خاصة مع مخاوف عدم زراعة المساحة السابقة نفسها، مع اقتراب موسم الزراعة الربيعي، بينما تواجه بذور دوار الشمس مخاطر الذرة نفسها بالنسبة لمحصول 2022/23، مع احتمال تأخر الزراعة وانخفاضها بشكل ملحوظ.

ورغم أن إنهاء النزاع القائم حاليًا سيكون مؤشرًا جيدًا؛ فإنه لن يكون له تأثير مباشر في أسواق الحبوب؛ لأن مالكي السفن سيترددون في الرسو بموانئ البحر الأسود، كما أن شركات التأمين ستحجم أيضًا عن توفير التأمين اللازم لتلك السفن.

ما تأثير استمرار الحرب على روسيا؟

الوضع يختلف بعض الشيء بين أوكرانيا ورسيا؛ فالأخيرة شنت حربًا على الأولى، ما عرضها للعقوبات الغربية، التي ستثير مخاوف كبيرة لدى المشترين، الذين يتشككون في استمرار التزامهم بشراء الإمدادات من روسيا.

وستؤدي العقوبات الغربية على موسكو، إلى تعريض مشتريي القمح الروسي، إلى «مخاطر السمعة» في الوقت الحالي، إضافة إلى أن البنوك المحلية والعالمية بدت أقل رغبة في تمويل التجارة بالسلع الروسية، ما يزيد الضغط على المعروض الروسي، الذي يحاول شق طريقه بشق الأنفس إلى السوق العالمية.

 وتظهر أحدث البيانات الحكومية المتاحة، أن روسيا صدرت 25.2 مليون طن من القمح موسم 2021/22 حتى 17 فبراير المنصرم؛ أي قبل أيام من هجومها على أوكرانيا، ما يجعل قرابة 28% من المحصول لم تصدر حتى الآن. 

وبحسب مراقبين، فإنه في حال استمرار السلع الروسية بالخضوع للعقوبات، فإن المزارعين سيبدأون في الربيع تقليص مساحة زراعة القمح والذرة. 

ما آثار انقطاع الإمدادات الروسية والأوكرانية؟

آثار انقطاع الإمدادات في السلع الأساسية، لن يتأثر بها فقط البلدان المنتجان؛ بل إنها ستثير مخاوف بشأن الأمن الغذائي، ما يدفع المستهلكين الرئيسين لتمويل عمليات شراء أقوى لضمان الإمداد الكافي، إذا استمرت هذه الاضطرابات.

ذلك التصور لم يكن مستقبليًا؛ فبعض الدول بدأت تنفيذه؛ بينها الصين التي أمرت وكالاتها بضمان إمدادات كافية، وسط حالة عدم اليقين الحالية، بينما من المرجح أيضًا أن يرغب المستوردون الرئيسيون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في التأكد من أنهم يحتفظون بمخزونات كافية، تمكنهم من تجنُّب تكرار سيناريو الربيع العربي.

إلا أن استمرار الحرب أو حتى انتهاءها في وقت قريب، سيؤدي إلى تغييرات كبيرة في أسواق الحبوب العالمية، فالمشترون سيبدأون البحث عن  بدائل أخرى لضمان العرض، وهو سيناريو قد تلجأ إليه الصين بشكل عاجل.

تاريخيًا، كانت الصين مشتريًا كبيرًا للذرة الأوكرانية؛ خاصة بعد استيرادها 8.2 مليون طن من أوكرانيا عام 2021، ما يمثل قرابة 30% من وارداتها، إلا أن استمرار الحرب الأوكرانية سيدفع البلد الآسيوي إلى الاتجاه -بشكل متزايد- إلى الولايات المتحدة، لتعويض أي نقص.

 ولم تكن الذرة الأوكرانية السلعة الوحيدة التي ستلجأ الصين إلى تغيير استراتيجيتها فيها؛ فبكين رفعت القيود المفروضة على القمح الروسي، الذي أثار مخاوف صينية بسبب الصحة النباتية. 

ومن غير المرجح أن تتقيد الصين بالعقوبات الغربية المفروضة على موسكو، وستجد السلع الروسية الأخرى رواجًا في الأراضي الصينية.

إلا أن اتجاه المشترين الرئيسين إلى الأسواق البديلة لن يقتصر على القمح والذرة؛ فسوق الزيوت النباتية سيشهد تغييرًا بدوره، بعد أن يلجأ هؤلاء المشترون إلى استبداله بزيت فول الصويا، وهو ما تحقق بعد لجوء الهند إلى ذلك الخيار بسبب ضيق سوق زيت النخيل، بينما من المرجح أن يزداد هذا الاتجاه قوة نظرًا للاضطرابات المحتملة من أوكرانيا وروسيا في زيت دوار الشمس الآن.

 

أمريكا.. الرابح الأكبر

 ذلك الاضطراب في أسواق الحبوب، الذي خلفته الحرب الروسية الأوكرانية، ودفع بأسعار الحبوب وفول الصويا إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، سيدفع المزارعين الأمريكيين إلى زيادة إنتاجهم من القمح والذرة وفول الصويا خلال الربيع.

وبحسب مراقبين، فإنه حال استمرار انقطاع الإمدادات من أوكرانيا وروسيا؛ فقد تساعد الزراعة المتزايدة من البلدان المنتجة الأخرى، في تعويض بعض النقص الذي ستتسبب فيه الأزمة الحالية، إلا أن تلك الأسواق المرتقبة، لن تعوض الخسائر المحتملة من المنتجين في البحر الأسود، ما سيؤدي إلى استمرار تقلب الأسواق العالمية.