فاينانشيال تايمز ترصد نزاعًا في ماليزيا عُمره 144 عامًا على ميراث قيمته 15 مليار دولار
ورثة آخر حكام سولو يستولون على أصول طاقة مملوكة للدولة في دعوى قضائية تعود إلى فترة الاستعمار البريطاني

ترجمات-السياق
سلَّطت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية الضوء على تنفيذ قرار التحكيم الدولي، لصالح ورثة سلطان سولو الأخير جمال الكرام الثاني، بالحصول على أصول شركتين لـ"بتروناس"، شركة النفط الوطنية الماليزية، إحدى أكبر شركات الطاقة في العالم، كتعويض.
وقالت الصحيفة، في تقرير نشرته الأحد، إن محاميي المدعين سلَّموا طلبًا للاستيلاء على أصول الشركتين في لوكسمبورج، كما طالبوا تسعة بنوك بتجميد حسابات الشركتين التابعتين هناك وهما بتروناس أذربيجان (شاه. دنيز) وبتروناس جنوب القوقاز.
وأشار محامو المدعين إلى أنه ما لم تعترف ماليزيا بقانونية ادعاءاتهم، سيكون هناك المزيد من مصادرة الأصول المملوكة للدولة مثل بتروناس في الأسابيع المقبلة، بينما تعهدت الشركة -في بيان مقتضب- بالقتال من أجل أصولها .
وتابعت الصحيفة: "القضية، التي لم تجتذب -حتى الآن- سوى القليل من الاهتمام الدولي، تتمحور حول المطالبات المتنافسة على ولاية صباح الماليزية الغنية بالنفط، إذ يقول المدعون الثمانية إنهم ورثة جمال الكرام الثاني، وهو آخر سلطان معترف به رسمياً لسولو، وهو أرخبيل صغير في الفلبين المجاورة، وقد سعوا -خلال سنوات- للحصول على تعويض عن الأرض التي أجرها أسلافهم لشركة تجارية بريطانية، قبل اكتشاف الموارد الطبيعية الهائلة في صباح، وتم تمويل الورثة، المدعومين من شركة محاماة في لندن، من قِبل صندوق استثمار بريطاني يُسمى (Therium) في عملية تقاضٍ كلفت ما يزيد على 10 ملايين دولار".
وقد تم جر "بتروناس"، التي تمثل أعمالها 11% من عائدات الحكومة الماليزية، إلى القضية فقط مع تنفيذ قرار المصادرة الاثنين الماضي، في إجراءات وصفها الخبراء القانونيون بأنها من أكثر نزاعات التحكيم الدولية غرابة في التاريخ، حسب الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن محامي التحكيم البارز كولين أونج كيو سي قوله: "هذه القضية غير مسبوقة، فلم يكن أحد يتوقع قبل 144 عاماً أن اتفاقية جرى توقيعها في بورنيو خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية، ستؤدي إلى هذا النزاع."
وفي مارس الماضي، حكم المحكم الفرنسي في باريس جونزالو ستامبا لصالح ورثة السلطان ووجد أن ماليزيا، التي ورثت التزامات اتفاقية الإيجار لعام 1878 عند تأمين الاستقلال عن المملكة المتحدة عام 1963، يجب أن تدفع لهم 14.9 مليار دولار كتعويض، وكانت جلسة استماع في إسبانيا توقفت، بعد أن اشتكت ماليزيا من أن التواصل معها لم يتم بشكل صحيح.
وطالبت كوالالمبور بالاستئناف على حكم ستامبا وأدانت القضية كاعتداء على سيادتها، حتى أن بعض الماليزيين تساءلوا عما إذا كان المدعون هم الورثة الحقيقيين لسلطان سولو.
وبعد يوم واحد من قرار المصادرة، علَّق قاض في باريس تنفيذ قرار التحكيم البالغ 14.9 مليار دولار حتى الانتهاء من الاستئناف، وهو ما دفع كوالالمبور إلى إعلان أنه لم يعد من الممكن تطبيق الحكم في أي مكان في العالم، لكن الخبراء القانونيين المستقلين وشركة العلاقات العامة الإسبانية "Estudio de Comunicación" التي تمثل ماليزيا في أوروبا، أكدوا أن قرار التعليق يسري في فرنسا فقط.
ورغم أن المحكم اتخذ قراره في فبراير الماضي، فإن الحكومة الماليزية فوجئت بمصادرة الأصول في لوكسمبورج الأسبوع الماضي، وكذلك احتمال استمرار تنفيذ الحكم في أماكن أخرى، وهي الخطوة التي أثارت حالة من الذعر في كوالالمبور، حيث سعى نائبان ماليزيان إلى عقد جلسة طارئة في البرلمان وأعلنت الحكومة خططًا لإطلاق ما سمتها "فرقة عمل سولو".
ويقول ممثلو ورثة سولو إنهم دفعوا لاتخاذ هذه الإجراءات بعد أن رفضت ماليزيا الدخول معهم في المحادثات، إذ يقول كبير المحامين في القضية بول كوهين، إن التقاضي كان "الملاذ الأخير"، مضيفاً: "لقد رفضت أكثر من حكومة ماليزية الاستجابة لمقاربات عملائنا المباشرة في السنوات القليلة الماضية، وبالنظر إلى أن الحكومة الماليزية كانت تعرف مَن هم، وتعرف كل جانب من جوانب العقد الذي يبلغ عمره 140 عاماً، فإنه من الواضح أن هذا كان تكتيكــًا لتجميد المواجهة والحل".
تمويل قضية ورثة السلطان
ووفقاً للصحيفة، فإن التعويض يمكن أن يحقق أيضاً مكاسب غير متوقعة لصندوق (Therium) الاستثماري الذي يتخذ من لندن مقراً له، والذي -وفقاً للعديد من المقربين من القضية- يدعم ورثة سولو مالياً، وتمثل تكلفة متابعة قضايا التحكيم -خلال عدد من السنوات- مقامرة مالية كبيرة على نتيجة كل قضية، وقد تصل تكلفتها عادةً إلى عشرات الملايين من الدولارات، لكن الأحفاد الثمانية، الذين يعيشون في الفلبين، ليسوا أثرياء كما أن بينهم العديد من المتقاعدين.
ورفض صندوق (Therium)، الذي يقول إنه جمع 1.1 مليار دولار لتمويل قضايا مختلفة منذ تأسيسه عام 2009، التعليق على الأمر للصحيفة، التي أشارت إلى أنه في الماضي دعم قضايا أقل حساسية، مثل الاستئناف البارز العام الماضي، ضد الإدانة الخاطئة لموظفي مكتب البريد في المملكة المتحدة.
ورأت الصحيفة أن هذه القضية تأتي في وقت حرج بالنسبة لماليزيا، التي دخلت في أزمة سياسية منذ عام 2015، وسط الكشف اللاحق عن اختلاس مليارات الدولارات من صندوق "1MDB"، كما اقترح وزير ماليزي رفيع المستوى مؤخراً أن بتروناس ستكون أحد الجوانب الأساسية في جهود الحكومة لإعادة بناء اقتصاد ما بعد الوباء.
وذكرت الصحيفة أن الشركة المملوكة للدولة استفادت هذا العام من ارتفاع أسعار النفط، التي أشعلتها الحرب في أوكرانيا، إذ ارتفعت أرباحها، قبل الضرائب، في الربع الأول 114% لتصل إلى 7.1 مليار دولار مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، وقال وزير المالية الماليزي ظفر الله عزيز في تصريحات لـ"فاينانشيال تايمز" في أبريل الماضي، إن الطفرة في أسعار النفط يمكن أن تساعد ماليزيا في خفض ديونها، إلا أن الصحيفة أشارت إلى أن المصادرات الإضافية من ورثة سولو يمكن أن تعيق تعافي كوالالمبور.
وتبدو القيمة الحالية لشركات لوكسمبورج القابضة، التي استولى عليها ورثة سولو غير واضحة، ففي فبراير الماضي، حصلوا على أموال بقيمة 15.5% من حصة حقل شاه دنيز البحري الأذربيجاني للغاز، التي كانت تقدر بنحو 2.3 مليار دولار، بينما قالت "بتروناس" إن عائدات هذا البيع "أعيدت إلى الوطن"، لكنها رفضت التعليق على قيمة الشركات التابعة.
وفي حال استمرار ماليزيا في رفض قرار التحكيم، من المرجح أن تزداد ديونها للمدعين، فكل عام لا يتم دفع الأموال فيه، ستزداد الأموال المستحقة بنسبة 10%، كما تقرر في باريس، وفقاً لمحاميي المدعين.
وقلل وزير المالية الماليزي من أهمية الحكم الفرنسي في تصريحاته للصحيفة، قائلاً إن حجم الاقتصاد الماليزي يبلغ 1.5 تريليون رينجيت ماليزي، أي أن الـ 15 مليار دولار نحو 40 مليار رينجيت ماليزي، وتساءل بسخرية: "هل ستنهار بلدنا بعد خسارة تلك الـ 3%؟"، ورفض الادعاء ووصفه بأنه "قضية تافهة لا أساس لها".
وقالت الصحيفة إن هذه القضية ضغطت على وتر حساس في ماليزيا، التي تصدّت -لعقود من الزمن- للمطالبات المتعلقة بصباح، وهي منطقة تبلغ مساحتها نحو 74 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها 4 ملاييين نسمة، لافتة إلى أن السلطان جمال الكرام الثاني توفى عام 1936 من دون أن يترك وريثاً مباشراً، لكن منذ ذلك الحين تقدم مجموعة من الفلبينيين بمطالبة العرش الذي حكم لقرون منطقة تمتد عبر ماليزيا والفلبين الحديثة، وبحسب ما ورد، فإنه لا يزال رجل واحد يُسمى Muedzul Lail Tan Kiram ، يدعي أنه السلطان الحي لسولو.
عام 2013، وصل أتباع Muedzul Lail Tan Kiram إلى صباح لقيادة غزو أغرق المنطقة الهادئة بماليزيا في فوضى عنيفة، وخلال القتال الذي أعقب ذلك مع قوات الأمن، تم الإبلاغ عن قتل ما لا يقل عن 60 شخصاً قبل انسحاب الغزاة الذين لم يزد عددهم على 180.
وحتى ذلك الوقت، قال المطالبون إن ماليزيا كانت تدفع لهم راتباً سنوياً قدره 5300 دولار، تقديراً لأنهم كانوا أقارب السلطان الراحل وخلفاء اتفاقية عام 1878، لكن بعد الهجوم أوقفت كوالالمبور المدفوعات، رغم اعتراف المدعي العام الماليزي السابق بأنه لا دليل يربط الغزاة المسلحين بالورثة الذين كانوا يتلقون الرسوم السنوية.
وتابعت: "عام 2017، أعلن الأحفاد عزمهم على اتخاذ إجراءات قانونية، وهي خطوة أعادت إثارة القلق بشأن صباح في ماليزيا وكشفت الإرث الاستعماري البريطاني الفوضوي في البلاد، وحاولت ماليزيا في مناسبات عدة إسقاط الإجراءات، وفي أعقاب قرار المحكم في فبراير، أصيب المحامون المستقلون بالذهول من قرار كوالالمبور بإرسال (مذكرات دبلوماسية) إلى أعضاء اتفاقية نيويورك بشأن إنفاذ قرارات التحكيم، التي تعد كوالامبور عضواً فيها، وقالوا إن هذه الخطوة تشير إلى أن الأخيرة تأمل أن تتمكن من التأثير في المحاكم الأجنبية، أما سكان صباح، أفقر ولاية في ماليزيا، وفقاً للبيانات الحكومية، فهم عالقون وسط هذه المشاحنات القانونية".
ونهاية التقرير، قالت الصحيفة إن القضية الأكثر إلحاحاً بالنسبة للحكومة في كوالالمبور هي كيفية منع ورثة سولو من تحطيم المزيد من أصول الدولة، التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، بينما يحذر محامو المدعين من أنه ستتم متابعة المزيد من أصول الدولة، حال عدم التوصل إلى حل.