أوكرانيا: هل ما زال بوسع روسيا أن تكسب الحرب؟
أمام كييف ستة أشهر لطرد القوات الغازية من البلاد قبل أن يبدأ التعب وتواجه جمودًا عسكريًا طويلًا

ترجمات - السياق
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -الأسبوع الماضي- بعد أيام فقط من سيطرة قواته على ليسيتشانسك، آخر مدينة في مقاطعة لوهانسك الشرقية، التي لا تزال تحت سيطرة كييف، إن روسيا تخوض حربًا في أوكرانيا منذ ما يقرب من خمسة أشهر، لكنها "لم تبدأ أي شيء بشكل جدي حتى الآن".
كان الاستيلاء على المدينة معلمًا مهمًا في حملة بوتين للسيطرة على منطقة دونباس الأوكرانية. لقد كان أيضًا انتصارًا لمعنويات في أمس الحاجة إليها.
وفي هذا السياق تمت مكافأة بعض قوات موسكو بالراحة، وصدرت أوامر للبعض الآخر بالهجوم التالي، هجوم ثلاثي المحاور من الشمال والشرق والجنوب الشرقي باتجاه مدن دونباس المهمة في سلوفيانسك وكراماتورسك وباخموت.
و استغرق الكرملين ما يقرب من ثلاثة أشهر ليأخذ الخمس الأخير من الأراضي في مقاطعة لوهانسك، بعد إعادة تركيز حربه شرقي البلاد منتصف أبريل.
وتسبب فشله في تطويق القوات الأوكرانية والاستيلاء على المنطقة، في تأخيرات وأثار تغييرًا في التكتيكات الروسية.
وعلى الأرض، كان قصف لا هوادة فيه، بنحو 50000 قذيفة في اليوم، حيث تم سحق المواقع الأوكرانية، ما أجبرها على التراجع.
بالموازاة فقدت كييف ما بين 100 و 200 جندي يوميًا ، بما في ذلك بعض أكثر جنودها قدرة، واضطر جنودها للتقهقر.
وبعد هجوم روسيا الفاشل على كييف وتقدمها عبر لوهانسك، تدخل الحرب في أوكرانيا مرحلة ثالثة، إذ يمكن أن تستمر آلة المدفعية الروسية، التي لا يمكن إيقافها، في التقدم، وفي النهاية توفر السيطرة على دونباس، فهي تسيطر على قرابة ثلاثة أرباعها في الوقت الحالي.
في تلك المرحلة، يمكن لبوتين أن يعلن النصر ويدافع عن السلام بشروط مواتية لموسكو، مع تعرض العواصم الغربية لضغوط في مجال الطاقة الروسية، ما يدفع كييف إلى إبرام صفقة.
السؤال الأكثر إثارة للاهتمام، ليس من الذي يستولي على 5 كيلومترات من الأرض، ولا حتى أين ولكن ما الآفاق طويلة المدى للقوتين؟".
قال مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في مركز الأبحاث العسكري CNA، إن التركيز على المكاسب الإقليمية شرقي أوكرانيا يحجب الصورة الأكبر، وإن حجم الخسائر وقدرة الجانبين على تجديد القوات أمر بالغ الأهمية.
حصلت أوكرانيا -في الأسابيع الماضية- على صواريخ بعيدة المدى من الولايات المتحدة، ما قد يسمح لها بقطع خطوط الإمداد الروسية وإحباط مدفعيتها.
ورغم أوجه القصور في عملياتها البرية، التي ظهرت في هجومها الفاشل على كييف، لا تزال المدرعة الروسية تتقدم بلا هوادة.
فإذا كانت سلوفيانسك وكراماتورسك وباخموت تقع ضمن نطاق المدفعية الروسية، فقد يكون من المستحيل الدفاع عنها رغم أنها شديدة التحصين.
ورغم تقدمها المتقطع وخسائرها الفادحة، يمكن لروسيا استخدام تفوقها المدفعي الهائل -يقول المسؤولون الأوكرانيون إن هناك 10 مدافع روسية لكل أوكراني- لإلحاق الهزيمة بكييف في حرب استنزاف بطيئة.
كتب باحثان، جاك واتلينج ونيك رينولدز، في تقرير للمعهد الملكي للخدمات المتحدة الأسبوع الماضي ومقره لندن: "إضافة إلى النقص المزمن في ذخيرة المدفعية، فقد سلَّط الروس الضوء على العديد من نقاط الضعف الأوكرانية، بما في ذلك الافتقار إلى قواة المشاة المهرة والمركبات المدرعة لإجراء عمليات هجومية، ونقص المعدات اللاسلكية الآمنة، وعدم القدرة على اكتشاف واستغلال قدرات الحرب الإلكترونية الروسية".
يقول كوري شاك، مدير السياسة الخارجية والدفاعية في معهد أمريكان إنتربرايز: "الرياضيات الأساسية" تفضل كييف، في إشارة إلى نضال موسكو لتجنيد ما يكفي من القوات ذات الخبرة لتجديد صفوفها، وعلى الجانب الآخر تدفق الأسلحة المتطورة من الغرب الى أوكرانيا.
مما أثار غضب المعلقين العسكريين القوميين في روسيا، ورفض بوتين -حتى الآن- استدعاء تعبئة عامة، استدعاء لجميع أولئك الذين هم في سن القتال الذين خدموا في القوات المسلحة.
هذه الخطوة قد لا تحظى بشعبية كبيرة وتوحي بأن "عمليته العسكرية" المحدودة في منطقة دونباس كانت فاشلة.
يقول شاك: "قرابة 80 في المئة من الجيش يقاتل بالفعل في أوكرانيا، منهكًا ولا يحرز تقدمًا يُذكر. ما لم يكن فلاديمير بوتين ينوي حقاً تعبئة وطنية، هذه النجاحات الرمزية في لوهانسك لا تضيف الكثير إلى تعزيز الموقف الاستراتيجي، وحتى إذا كان سيلجأ إلى تعبئة وطنية، سوف يستغرق الأمر شهورًا لحشد الجميع، وغيرها لتدريبهم. أوكرانيا لديها فرصة سانحة -في الأشهر الستة المقبلة- للفوز بهذه الحرب".
بدأ التعب
تقول أوكرانيا إن موسكو فقدت 37400 جندي في الحرب حتى الآن. وقدرت الحكومة البريطانية العدد بـ 25 ألفًا.
مهما كان الرقم الحقيقي، فقد كافحت روسيا لإعادة تجميع الوحدات المستنزفة وتضطر إلى تقديم حوافز نقدية كبيرة لإقناع الجنود السابقين بتوقيع عقود جديدة، حيث تم تنفيذ الكثير من القتال في لوهانسك من قِبل مجندين من المناطق الانفصالية المدعومة من روسيا في أوكرانيا.
لقد تدهورت الدروع الروسية -الدبابات والعربات المدرعة- لدرجة أن قواتها تستخدم دبابات T-62، التي يعود تاريخها إلى الستينيات، وناقلات جند مصفحة من الخمسينيات.
وقال مسؤول أوكراني إن القوات الروسية جنوبي البلاد تستخدم أنظمة الدفاع الجوي 300S، التي تستخدم عادة لإسقاط الطائرات والصواريخ، لضرب أهداف أرضية، ما يشير إلى نقص في الصواريخ الأخرى.
"لا يزالون في غاية الخطورة" يقول بن والاس، وزير الدفاع البريطاني: "عندما تفكر في هؤلاء الـ 25000 قتيل، فإن أي نظام آخر كان سيستسلم، لكنهم فقط يطحنون، إنهم يطحنون في مستويات التقدم بالحرب العالمية الأولى، كما تعلمون، أمتار، وليس كيلومترات، في اليوم. ربما استولوا على قرى فارغة هنا، ثم في بعض الأحيان يتم دفعهم للخلف. إنهم يفقدون قدرًا هائلاً من المعدات والأشخاص أثناء القيام بذلك".
وفقًا لبيانات من معهد دراسة الحرب، من 12 يوليو، زادت روسيا مساحة الأرض الخاضعة لسيطرتها بنحو 5 في المئة فقط مقارنة بالأول من مايو.
يقول كوفمان: "بشكل عام، يبدو أن القوات الروسية تحرز تقدمًا تدريجيًا، لكنني متشكك للغاية في أن لديهم القدرة على أخذ سولفيانسك وكراماتورسك. هذه مناطق محصنة بشدة، وعلى هذا المعدل قد تنهك القوات الروسية قبل أن تتمكن من شن هجمات ناجحة هناك".
وقدر مسؤول بريطاني كبير أنه نهاية يونيو كان الجانبان "على وشك الإنهاك". ومع ذلك، في الأسابيع الأخيرة، بدأ وصول الأسلحة طويلة المدى المزودة من الغرب، في إحداث فرق كبير في العمليات الأوكرانية، حيث ساعد كييف في استعادة جزيرة الثعبان، وهي صخرة ذات أهمية استراتيجية شمالي غرب البحر الأسود، والآن تم ضرب مستودعات الذخيرة خلف الخطوط الروسية.
يقول لورانس فريدمان، الأستاذ الفخري لدراسات الحرب في كينجز كوليدج لندن، إن الحرب دخلت مرحلة انتقالية، حيث يتطلع الروس إلى التقدم، لكن قد يتعين عليهم أيضًا الدفاع عن مواقعهم، بينما تستعد أوكرانيا لشن هجوم مضاد.
كان الاختلاف الرئيس وصول أنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة التي زودتها الولايات المتحدة أواخر يونيو ، المعروفة بهيمارس، التي يتراوح مداها بين 70 و80 كيلومترًا وذخائر موجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لدقة بالغة.
يقول فريدمان: "لم يكن لدى الأوكرانيين أي شيء للقيام بعمل مضاد جاد... الآن يفعلون"، حيث كان التأثير فوريًا.
في الأسبوعين الماضيين، استخدم الجيش الأوكراني هيمارس لضرب العديد من مستودعات الذخيرة الروسية ومخازن الوقود ومراكز القيادة وحتى ثكنات الجنود، كما يقول بيترو بياتاكوف، النائب السابق لقوات الصواريخ والمدفعية الأوكرانية.
" إن نظام الإمداد المعطل يقلل بشكل كبير من القوة النارية لروسيا، إذ حوَّل مدفعية العدو الحالية إلى خردة معدنية من دون ذخيرة".
ويضيف: "أدى هذا إلى انخفاض كبير في الإمكانات القتالية للقوات الروسية، ووفر فرصًا للقوات المسلحة الأوكرانية، لصد هجوم العدو بشكل أكثر فعالية".
وأشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في أحد خطاباته المنتظمة إلى الأمة -الأسبوع الماضي- بنشر "هيمارس"، قائلاً إن ذلك "يقلل بشكل كبير من القدرة الهجومية للجيش الروسي. وستزداد خسائر المحتلين كل أسبوع، كما ستزداد صعوبة إمدادهم".
وصول "هيمارس"
تسلَّمت أوكرانيا -حتى الآن- ثماني سيارات هيمارس من الولايات المتحدة، ووعدت واشنطن بأربع أخرى وأربع غيرها من المملكة المتحدة، لكنها ستحتاج إلى العشرات، لإحداث فرق حاسم في الحرب.
ومن المحتمل أن تكيف القوات الروسية تكتيكاتها ولوجستياتها في ضوء التهديد الأوكراني الجديد.
يأتي الانتشار في الوقت الذي تحاول فيه كييف زيادة الضغط على القوات الروسية جنوبي البلاد، حيث تستعيد السيطرة على الأراضي التي يسيطر عليها الروس حول مدينة خيرسون، وهي أكبر منطقة تسقط في يد موسكو منذ بدء الغزو في فبراير.
وتقع مدينة خيرسون عند مصب نهر دنيبرو، وهو شريان اقتصادي حيوي، ويمكن القول إنها أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية من مدن منطقة دونباس، التي يعد الكثير منها مدمرًا بسبب أساليب الأرض المحروقة التي تتبعها روسيا.
وتسيطر منطقة خيرسون أيضًا على إمدادات المياه لشبه جزيرة القرم.
يقول كوفمان إن خيرسون اختبار مهم لقدرة أوكرانيا على استعادة الأراضي المحتلة في حرب طويلة الأمد. إذا فشلت، فهذا يشير إلى أن هناك أملًا محدودًا في أن تدفع كييف القوات الروسية إلى خطوط ما قبل 24 فبراير.
يقول فريدمان إن قدرة أوكرانيا غير المؤكدة على شن عمليات هجوم مضاد على نطاق واسع، التحدي الأكبر لها.
لقد فقدت بعض أفضل رجالها المدربين في القتال في دونباس، وتعتمد -بشكل متزايد- على قوات الدفاع الإقليمية المتطوعة.
ومن المحتمل أن يكون التدريب الغربي للمشاة الأوكرانيين بأهمية توريد الأسلحة، حيث بدأ -الأسبوع الماضي- برنامج بريطاني لتقديم تدريب أساسي مضغوط لعشرة آلاف جندي أوكراني كل ثلاثة أشهر. إنه مصمم لمساعدة كييف في بناء مستوى ثان أو قوة احتياطية لشن هجوم مضاد في وقت لاحق من العام أو عام 2023، كما يقول المسؤول البريطاني.
وحتى من دون هجوم مضاد ناجح، لا يزال بإمكان أوكرانيا إضعاف الجيش الروسي بشكل مطرد. يقول فريدمان: "أكبر قضية بالنسبة لبوتين الحفاظ على سلامة قواته المسلحة"... أوكرانيا لديها وظيفة واحدة فقط، الدفاع عن أراضيها.
الغاز ورقة روسيا للضغط
يقع أقوى موقف لروسيا خارج ساحة المعركة، وبسبب حصارها للبحر الأسود، فإنها تسيطر على الاقتصاد الأوكراني مع انعكاسات عالمية من حيث ارتفاع أسعار المواد الغذائية. كما أن قصفها للبنية التحتية الأوكرانية -في الأسابيع الماضية ضرب مركزًا للتسوق، ومجمعًا للمنتجعات والعديد من المباني السكنية- مصمم أيضًا لتقويض الروح المعنوية.
تزداد الأزمة المالية في أوكرانيا سوءًا بسبب الانهيار في النشاط الاقتصادي، والانخفاض السريع في عائدات الضرائب، وفقدان تدفقات العملة الصعبة من صادرات الصلب والحبوب.
يقول أوليج أوستينكو، المستشار الاقتصادي لزيلينسكي، إن البلاد تحتاج إلى 9 مليارات دولار شهريًا من الغرب، لسد العجز في ميزانيتها، وكانت قد طالبت بدفع ما بين خمسة وستة مليارات دولار.
ويضيف أوستنكو: "من دون الدعم المالي من حلفائنا، لن يكون من الصعب القيام بذلك، بل سيكون أقرب إلى المستحيل".
أنفقت الولايات المتحدة 4 مليارات دولار على شكل مساعدات اقتصادية إلى كييف، وتتوقع أن توزع 6.2 مليار دولار أخرى بحلول سبتمبر .
كذلك جمع الاتحاد الأوروبي مليار يورو فقط من 9 مليارات يورو تعهد بها في أبريل، وسط خلافات على ما إذا كان ينبغي تقديم منح أو قروض.
في غضون ذلك، تعاني أوروبا أزمة تقليل تدفقات الغاز الروسي هذا الصيف، والتهديد بإيقاف تشغيله تمامًا، ما يؤدي إلى ارتفاع الفواتير في هذه الدول، وربما إغلاق الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة في جميع أنحاء القارة، إذا نقصت الإمدادات هذا الشتاء.
يقول المسؤولون الأوكرانيون إن بوتين يعوِّل على الألم الاقتصادي الناجم عن التضخم ونقص الغاز، لإجبار العواصم الأوروبية على الضغط على كييف، لإنهاء الحرب بشروط مواتية لموسكو.
ويقول شاك إن الزعيم الروسي قد يقلل من تصميم الغرب تمامًا، كما افترض أيضًا أن العواصم الغربية لن تحشد لدعم أوكرانيا بعد غزو فبراير.
وتضيف: "يُحسب لها الفضل الكبير في أن شعوب البلدان التي اصطفت إلى جانب أوكرانيا، مستعدة في الواقع لتحمُّل بعض العبء على السيادة الأوكرانية، وهذا شيء عظيم، لكنه سيكون عملاً شاقًا للحفاظ عليه".