هل يتخلى الغرب عن أوكرانيا قريبًا؟
يبدو أن الضغوط الاقتصادية ليست وحدها ما تخنق الدول الأوربية في طرق دعمها لكييف

السياق
بعد قرابة خمسة أشهر من الحرب الروسية الأوكرانية، بدأت كييف استشعار أنها ستدفع ثمن رغبتها في الانضمام إلى "الناتو" وحدها، وأن المصالح الاقتصادية ستصعب استمرار الدعم الأوروبي الأمريكي إليها، لاسيما بعد تصريحات الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، بأن الحلف يركز على مساعدة أوكرانيا عسكريًا وليس على انضمامها إليه.
وأضاف ستولتنبرغ، خلال اجتماع مشترك للجنتي الدفاع والخارجية في البرلمان الأوروبي: "تتركز الجهود على مساعدة أوكرانيا في الحفاظ على استقلالها، هذا هو الشيء الرئيس، وليس عضوية الناتو".
تغير لهجة "الناتو" الذي كانت رغبة أوكرانيا في الانضمام إليه سببًا رئيسًا لروسيا للدخول في حرب مع أوكرانيا، للحفاظ على الأمن القومي لموسكو، ومنع إقامة قواعد عسكرية للحلف بالمدن الأوكرانية، حسب ما أعلنته روسيا في أكثر من مناسبة.
كييف بدورها تعي ما يدور حولها، وتعبر عن غضبها وتتهم دولًا بعينها بالوقوف أمام مصالحها، مثلما عبر وزير المالية الأوكراني، سيرغي مارتشينكو -منذ أيام- عن عدم وجود توافق بين الدول الأوروبية على حزمة مساعدات لأوكرانيا بـ 9 مليارات يورو، متهمًا ألمانيا بمنع تخصيص الحزمة، لمعارضتها تمويلها من الديون الأوروبية المشتركة.
ومع بدء العمليات العسكرية قدمت الدول الأوروبية مساعدات عسكرية واقتصادية إلى كييف، إلا أن ألمانيا، التي ترتبط بمصالح اقتصادية مع روسيا أكثر من جيرانها الأوروبيين، كانت ترفض أي موقف أوروبي موحد.
تستحوذ ألمانيا على ثلث الغاز الروسي الذي يصل إلى أوروبا.
وقال آصف ملحم، مدير مركز "جي سي إم" للدراسات لشبكة سكاي نيوز إن برلين من أكثر الدول تفهمًا لموسكو نظرًا للتقارب الاقتصادي والثقافي، الذي ساعدت في بنائه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، وإن الملف الاقتصادي وحده كفيل بتردد ألمانيا.
وقال الأكاديمي الروسي في السياسة الدولية ديميتري فيكتوروفيتش إن كييف ولندن تمارسان جميع الضغوط على ألمانيا منذ بداية العملية الروسية، للوصول إلى موقف أوروبي موحد، حتى لو كان ذلك ظاهريًا فقط، لكن ألمانيا تميل إلى سياسة المنتصف، أي عدم التورط بشكل صريح بأي أزمة تؤثر فيها اقتصاديًا".
أما الجارة الفرنسية فأعربت عن تخوفاتها من قطع الغاز الروسي عن أوروبا، إذ قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن موسكو تستخدم الغاز كسلاح، وعلى أوروبا الاستعداد لانقطاع الغاز الروسي، محذرًا في الوقت ذاته من أن ذلك السيناريو يعني أن الصيف وبداية الخريف سيكونان صعبين جدًا على الأرجح.
بينما أكد وزير الدفاع الفرنسي الجديد، سيباستيان ليكورنيو، في تصريحاته لصحيفة لو جورنال دو ديمانش الفرنسية، أن الاتصالات بين ممثلي وزارته ونظيرتها الروسية مستمرة، وأن قطع العلاقات مع موسكو مستحيل.
وأوضح آصف ملحم أن المعسكر الأوروبي أدرك خطورة تأثير الحرب بشكل مباشر فيه ونقص الطاقة والغذاء الذي تعيشه القارة نتيجة عقوبات وصفها بغير المدروسة على موسكو.
وأشار إلى أن كييف توقعت أن "الناتو" سيخوض الحرب نيابة عنها، وهذا لن يحدث لإدراك أوروبا أنه ذلك يعني حربًا عالمية ثالثة.
ويبدو أن الضغوط الاقتصادية ليست وحدها ما تخنق الدول الأوربية، في طرق دعمها لكييف وإنما عسكريًا أيضًا، بعدما كشفت الحرب عن شبه نفاد مخازن الأسلحة الأوروبية، في ما يتعلق بالذخائر الأساسية مثل القذائف المدفعية، التي ترسلها لدعم كييف.
وتشير "فاينانشيال تايمز" بناءً على تحليلات العديد من المراقبين، إلى أن الحرب في أوكرانيا كشفت تهاون الغرب في مواجهة التهديدات المحتملة منذ نهاية الحرب الباردة، والهوس بالأسلحة عالية التقنية على حساب المعدات الحربية الأساسية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة طلبت شراء 1300 صاروخ أرض جو لتعويض ما أرسلته لأوكرانيا، وردت الشركة المصنعة بأن الأمر سيستغرق بعض الوقت، والأمر نفسه مع فرنسا بعدما أرسلت 18 مدفع قصير المدى إلى أوكرانيا، وحاولت تعويضها، أخبرتها الشركة بأن الأمر ليس سهلًا وسيستغرق عامًا ونصف العام تقريبًا.
النقص الشديد في المخازن سيصيب قدرة الدول الغربية على دعم كييف بالشلل، وهو ما ستقف معه كييف مكتوفة اليدين، وفي حال شبه استسلام، خاصة بالنظر إلى التقدم الروسي على الأرض الأوكرانية، في ظل الدعم الأوربي لكييف عسكريًا، فماذا إذا انقطع ذلك الدعم؟!
أليكس فيرشينين المتخصص في مشتريات الأسلحة الأمريكية، أشار إلى أن الإنتاج السنوي لقذائف 155 ملم في الولايات المتحدة يغطي أقل من أسبوعين من القتال في أوكرانيا.
ورغم ميزانية دول "الناتو" الدفاعية الضخمة، التي تصل لـ 1100 مليار دولار العام الماضي، فإن معظم الإنفاق خُصص لتطوير أنظمة قتالية حديثة، مثل الطائرات المقاتلة التي لم يرسلها الغرب لأوكرانيا.