الهند في عالم الأمس
ذكرت تقارير أن الرئيس الأمريكي يخطط لتشكيل مجموعة رباعية تحت مسمى -I2-U2- لدعم المحور العربي الإسرائيلي ضد إيران

ترجمات - السياق
يجد رئيس الوزراء الهندي نفسه أشبه بمنشد متجول بجانب الرئيس الأمريكي جو بايدن، عندما يسافر إلى الخارج، إذ زار بايدن طوكيو في مايو وجبال الألب البافارية في يونيو، كما سيذهب إلى غرب آسيا في يوليو، بحسب السفير الهندي السابق بهادراكومار.
وذكرت تقارير أن الرئيس الأمريكي يخطط لتشكيل مجموعة رباعية تحت مسمى "I2-U2" لدعم المحور العربي الإسرائيلي ضد إيران، وعلى نحو يثير الاستغراب، قرر بايدن ضم الهند إلى المجموعة المذكورة، رغم أنها حليف لإيران، وفقا لبهادراكومار.
وقال الدبلوماسي الهندي، في مقال بصحيفة تريبيون إنديا، إن الطلب مرتفع على الهند داخل دائرة بايدن، وأضاف: "جوقة مؤسسة الحكم في دلهي يزعمون أن ذلك دليل على حضور الهند في أعلى مكانة بالسياسة العالمية".
ورأى أن ثمة تفسيرًا أكثر منطقية مفاده أن واشنطن لا تبعد نظرها عن الهند، التي تتبنى نهجًا محايدًا بشأن أوكرانيا "إنها أوقات تاريخية ينجرف فيها عالم الأمس بعيدًا".
في حقيقة الأمر يدرك بايدن تمامًا الضربة التي طالت الهيبة الأمريكية في الأعوام الأخيرة، إذ رأس بايدن قمتين في البيت الأبيض مع دول رابطة أمم جنوب شرق آسيا (ASEAN) ومنظمة الدول الأمريكية، للضغط من أجل قضيته في مواجهة روسيا، القمتان انتهتا بشكل غير حاسم، حيث يرفض العالم غير الغربي معاقبة روسيا رغم توسلات واشنطن، وفقًا للكاتب.
ونقل الدبلوماسي الهندي السابق، عن نائب كبير الاقتصاديين بمعهد التمويل الدولي، قوله إن "الفشل الكارثي للناتو والولايات المتحدة في هزيمة روسيا في أوكرانيا حقيقة جوهرية، لاسيما في ظل عودة النظام المالي الروسي للعمل كالمعتاد"، وأضاف أن هؤلاء الذين اعتقدوا أن "اجتثاث روسيا من النظام المالي لمدة أسابيع قليلة، من شأنه أن ينهي الحرب أثبتوا سذاجتهم".
وعلى الجانب الآخر، لم تتوقع إدارة بايدن ونظراؤه الأوروبيون الضغط الاقتصادي الذي يشهدونه الآن، وفي المعركة، تخسر القوات الأوكرانية الأرض.
وقال جيم سيوتو كبير مراسلي الأمن القومي بشبكة سي إن إن الأمريكية –السبت- إن مسؤولين أمريكيين قريبي الصلة من الدوائر الاستخبارية لا يتوقعون أن تؤدي أنظمة الصواريخ، التي تم تزويد القوات الأوكرانية بها مؤخرًا، والتي تتضمن نظام HIMARS لإطلاق الصواريخ المتعددة، إلى تغيير الوضع على أرض المعركة، لاسيما أن واشنطن والناتو دائمًا ما يدركون محدودية قدرتهم على إرسال أسلحة إلى كييف.
في الواقع، روسيا تفوز بالحرب وبدأت علامات الإنهاك من الحرب تظهر في أوروبا، وكلما طال أمد الحرب، تحول الإنهاك إلى عزوف عن التضامن.
وتجلى ذلك في قمة الاتحاد الأوروبي -نهاية الأسبوع- حيث كان هناك القليل من التوافق، أو انعدم تمامًا بشأن حزمة سابعة من العقوبات.
جاء ذلك في الوقت الذي واجه فيه الزعماء حقيقة أن الإجراءات العقابية أحدثت -حتى الآن- قدرًا ضئيلا من التأثير الرادع لروسيا رغم التكلفة الباهظة على اقتصادات أوروبا.
ومن المنظور الهندي، فإن الأمر يتعلق بصحوة عميقة لدى روسيا بشأن عدم جدوى ربط هويتها بأوروبا، وفقًا لبهادراكومار.
وقال إن معظم الأفكار التي تخللت الفترة الفاصلة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، قيد المناقشات اليوم، عما إذا كانت أوروبا هي مستقبل روسيا بالفعل، أو في ما يتعلق بمكانة روسيا-أوراسيا في التسلسل الهرمي لنماذج التنمية في العالم المعاصر.
وأشار إلى أن عودة تفشي الأيديولوجية النازية في الغرب بالعقود الأخيرة، نكأ جراح النفسية الروسية، التي تكبدت الكثير بسبب غزو هتلر الذي أودى بحياة 27 مليون روسي، لكن جموع الغرب تستهدف -الآن في استراتيجيتها- محو روسيا.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف متحديًا: "سوف نتيقن بأننا لن نجد أنفسنا في وضع مشابه، وأن العم سام أو غيره لن يستطيعوا اتخاذ قرارات تستهدف تدمير اقتصادنا، سوف نجد سبيلًا يجعلنا لن نعتمد عليه مجددًا، كان ينبغي ذلك منذ فترة طويلة".
وقال بهادراكومار: محللون هنديون ذوو عقلية صفرية يسيئون تفسير الطابع غير المعتاد للشراكة بين روسيا والصين، وأضاف: "لقد وهبت روسيا تألقًا علميًا، وبراعة تكنولوجية ووفرة من الطاقة، وثروة من المعادن النادرة".
وذكر أن الاحتباس الحراري من شأنه أن يزيد الإمكايات الزراعية لسيبيريا، وإذا اتحدت روسيا مع الموارد والسوق الشاسعة والقوة البشرية التي تتسم بها الهند، سوف يؤدي ذلك إلى شراكة أكثر انسيابية في أوراسيا.
وقال: "ينبغي على الهند أن تتحلى بالذكاء الكافي لتمييز أين تقع مصالحها في الحرب الأمريكية بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا، لقد أحدثت هذه الحرب فصلًا بين اقتصادات روسيا والدول الغربية".
بعث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برسالة -خلال خطابه في منتدى بطرسبرج الاقتصادي الدولي (دافوس روسيا)- مفادها أن هذا الانفصال لا رجعة فيه لفترة طويلة من الزمن.
وقال الدبلوماسي الهندي السابق، إن الرئيس الروسي وجَّه الاقتصاد الروسي نحو "وضع جديد"، وأضاف: "لقد أكد بوتين مرارا وتكرارا خلال الأوقات الأخيرة، أنه يضع أولوية للشراكة الروسية مع الهند".
وقال: "ينبغي على الهند أيضًا معرفة أن ما يروِّج له الدوليون الليبراليون، استراتيجية حرب باردة بالوكالة، مع إضافة قليل من الدول غير البيضاء إلى المزيج".
وقال الدبلوماسي الهندي: "يجب على الهند ألا تعيش على أحلام القرن الأمريكي التي ولت، إنه شيء جيد، باعتبار أن السياسة الخارجية الأمريكية، بعد عام 1945 التي بُنيت على استراتيجية كبرى من التفوق المسلح، سببت قدرًا هائلًا من المعاناة من موت وتشريد، واجتثاث ملايين البشر".
وخلال الأعوام الماضية، منذ الأزمة المالية العالمية، بدأ تحولان آخران في إعادة تشكيل المكانة الأمريكية بالعالم، الأول ظهور الصين كقوة اقتصادية وعسكرية، ما أدى -بشكل حاسم- إلى نهاية "الأحادية القطبية".
أما التحول الآخر فكان فترة رئاسة دونالد ترامب، التي عززت الإدراك المتنامي بأن الولايات المتحدة، في ظل صراع واستقطاب داخليين، لم تعد قادرة على مجابهة الوضع الجيوسياسي الراهن.
وبفضل إعادة التوازن الحتمي بسبب حرب أوكرانيا، ليس من المرجح أن تسمح الظروف الجيوسياسية لأي دولة أخرى بأن تصبح على الدرجة نفسها من القوة التي ظلت عليها الولايات المتحدة خلال العقود السبعة الماضية.
وفي مقال رائع بعنوان "ماذا يحدث بعد القرن الأمريكي؟"، كتب المؤرخ الأمريكي البروفيسور دانيال بيسنر: "لقد كانت الهيمنة شيئًا شاذًا، وحادثًا تاريخيًا ليس من المرجح تكراره، على الأقل في المستقبل القريب"، وفقًا للدبلوماسي الهندي السابق.