إندبندنت: صفقة فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني على جهاز الإنعاش

خطة رئيسي في التعامل مع الاتفاق النووي، حظيت بتأييد واسع، فنتائج استطلاع عبر الهاتف، أجرته مؤسسة جالوب هذا الأسبوع، تشير إلى أنه يحظى بتأييد واسع النطاق لسياساته حتى الآن، إذ منحه أكثر من 70% علامات إيجابية.

إندبندنت: صفقة فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني على جهاز الإنعاش

السياق

«الصفقة لم تمُت، لكنها على جهاز الإنعاش»، هكذا وصفت صحيفة الإندبندنت البريطانية، صفقة تقليص البرنامج النووي الإيراني وكبح جماحه، قائلة إنها معرَّضة لخطر الانهيار، في ظل تعنت الولايات المتحدة مع تخفيف العقوبات، وتناقض الإدارة المتشددة في طهران بشأن فوائد التوصل إلى اتفاق.

وقالت الصحيفة البريطانية، في تقرير، إن المبعوثين الدبلوماسيين للدول الأطراف، يتدافعون في خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) للتوصل إلى صيغة لاستئناف المحادثات المتوقفة، مشيرة إلى أن المسؤولين المكلفين بالعمل على إحياء الاتفاق، ينتظرون أي إشارات أو تحركات إيجابية من إيران، التي كانت تعمل على تكثيف برنامجها، بما يتجاوز حدود الاتفاق النووي، فضلًا عن وضعها عراقيل أمام وصول المفتشين، الذين يسعون إلى توضيح برنامجها.

وقال مسؤول في الوفد الحكومي المشارك في المحادثات، في تصريحات لصحيفة الإندبندنت البريطانية، اشترط عدم كشف هويته، إن «الصفقة لم تمت، لكنها على أجهزة الإنعاش».

وبينما يحذِّر الخبراء، من أن الوضع الراهن غير مستدام، وأن انهيار الصفقة قد يؤدي إلى تصعيد مسلح، اتهمت الولايات المتحدة إيران بالتباطؤ، قائلة عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس: «هذه ليست مناورة يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى».

 

لهجة تحذيرية

اللهجة التصعيدية نفسها استخدمتها إسرائيل، على لسان وزير المالية أفيغدور ليبرمان، الذي حذَّر من أن «المواجهة مع إيران، مسألة وقت فقط، وليس الكثير من الوقت».

وبحسب «الإندبندنت»، فإن خطة العمل الشاملة المشتركة، نتيجة أكثر من اثني عشر عامًا من الدبلوماسية، مشيرة إلى أنها كانت تعمل على النحو المنشو،د إلى أن انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب -من جانب واحد- من الاتفاقية عام 2018، ما أدى إلى حملة من العقوبات الصارمة، تهدف إلى إجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات، وإبرام صفقة أكثر ملاءمة لواشنطن وشركائها الإقليميين.

إلا أن الصحيفة البريطانية قالت إن المخطط، الذي دبرته زمرة ضيقة من النشطاء السياسيين في واشنطن فشل، فرفعت إيران برنامجها النووي، ورفضت التعامل مع واشنطن، وبدأت العمل على استقرار اقتصادها.

ومع أن الرئيس جو بايدن، وعد بالعودة إلى الاتفاق عند توليه منصبه في يناير، إلا أنه انتظر شهورًا قبل مخاطبة إيران، وهو ما تسعى طهران إلى رده لواشنطن، فبعد أن استؤنفت المحادثات في فيينا، تعثرت بسبب الانتخابات الإيرانية، التي جلبت إلى السلطة الإدارة المتشددة للرئيس إبراهيم رئيسي.

ويقول فريق رئيسي، الذي تولى منصبه أوائل أغسطس، إنه يحتاج إلى وقت للاستقرار، مرددًا نقاط الحوار التي استخدمتها إدارة بايدن، لتبرير تأخيرها ثلاثة أشهر في بدء المحادثات، لكن المسؤولين الغربيين يشتبهون في أن إيران تتقاعس، في محاولة لزيادة نقاء وكمية مخزونها من الوقود النووي.

وقال المسؤول المشارك في محادثات إيران: «إذا كانوا يلعبون فقط للحصول على الوقت أثناء توسيع برنامجهم، فسنضطر إلى إعادة ضبط نهجنا».

 

حسابات غامضة

وتقول «الإندبندنت»، إن حسابات إيران تظل غامضة، فالرئيس الحالي إبراهيم رئيسي هادئ نسبيًا، على عكس الإدارة المتشددة للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي حكم من 2005 إلى 2013، مشيرة إلى أن الأول لم يقدِّم سوى القليل من الإشارات عن نيته.

من جانبها، قالت سنام وكيل خبيرة شؤون إيران في تشاتام هاوس: «إنهم يكافحون من أجل بناء استراتيجية وإجماع(..) يمكن النظر إلى جرهم على أنه تمرين لبناء النفوذ، لكنه أيضًا انعكاس لشلل داخلي».

في الواقع، مثلما تخلى ترامب عن خطة العمل الشاملة المشتركة، لتمييز نفسه عن سلفه باراك أوباما، الذي صاغها، يحتاج فريق رئيسي إلى صيغة لجعل الصفقة النووية خاصة به، وتجنُّب أي شيء من شأنه أن ينقذ إرثها، بحسب الصحيفة البريطانية.

خطة رئيسي في التعامل مع الاتفاق النووي، حظيت بتأييد واسع، فنتائج استطلاع عبر الهاتف، أجرته مؤسسة جالوب هذا الأسبوع، تشير إلى أنه يحظى بتأييد واسع النطاق لسياساته حتى الآن، إذ منحه أكثر من 70%علامات إيجابية.

 

قلق أمريكي

يقول الخبراء إن إيران قد تكون قلقة من حديث واشنطن عن متابعة العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، من خلال مفاوضات برنامج إيران الصاروخي، ودعم الجماعات المسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مشيرين إلى أن تلك الخطة، التي وضعت قيودًا على البرنامج النووي الإيراني، مقابل تخفيف العقوبات، تعرَّضت لانتقادات من إسرائيل وواشنطن، لفشلها في معالجة تصرفات إيران.

وأكد الخبراء، أنه إذا اختارت الولايات المتحدة استخدام المحادثات النووية، لزيادة الضغط من أجل متابعة المحادثات، فقد تحسب إيران أن تقدُّمها النووي سيعطيها نفوذًا.

ويقول علي أحمدي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران: «الشعور السائد في طهران، أنهم سيعودون إلى المحادثات، لكنهم سيقودون صفقة أكثر صعوبة».

وقال أحمدي: التقدُّم التكنولوجي النووي الإيراني يضع الولايات المتحدة، على الأقل إلى حد صغير، في المكان نفسه مثل إيران، من حيث عدم الحصول على ما كانت تساوم عليه عام 2015، ما يؤدي إلى صفقة أكثر مقابل المزيد في وقت لاحق، أو على الأقل تكافؤ الفرص إلى حد ما، عند الانتهاء من اتفاقية إعادة الدخول.

 

انتهاكات إيرانية

وزادت إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب، إلى أكثر من 10 أضعاف الحد الذي فرضته خطة العمل الشاملة المشتركة، وبدأت تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 60%، أي أكثر بكثير من المفاعل بدرجة 5% أو أقل المسموح به بموجب الصفقة.

كما بدأت تشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة، تنتج المزيد من المواد النووية بمعدل أسرع، مع تعقيد جهود المفتشين، الساعين إلى مراقبة البرنامج بموجب اتفاقية ضمانات طهران، مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 

شرط إيراني

في غضون ذلك، لا تزال عقوبات إدارة ترامب سارية، بينما توقفت المحادثات في فيينا بشأن المطالب الإيرانية، ويقول المسؤول القريب من المحادثات: «ما يريده الإيرانيون هو ضمان مكتوب(..) يريدون ضمانات بأن التغييرات في الإدارة لن تؤدي إلى عودة العقوبات، لكن ذلك غير ممكن في أي نظام ديمقراطي».

وتقول إيران إنها مستعدة لاستئناف المحادثات، لكن في مقابلة تلفزيونية هذا الأسبوع، تساءل رئيسي عمّا إذا كانت الولايات المتحدة، جادة في إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، قائلًا: «الاستعداد لرفع العقوبات، يمكن أن يكون علامة على جديتهم».

لكن المسؤولين الدوليين بدأوا -في الأشهر الأخيرة- التفكير في ما قد يعنيه انهيار خطة العمل الشاملة المشتركة، بينما يتساءل كثيرون عما إذا كانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على إيران، لدرجة أنها تفتقر إلى أي أدوات غير عسكرية.

وتقول صحيفة الإندبندنت البريطانية: رغم أن الشركات الدولية بدأت الابتعاد إلى حد كبير عن إيران، فإن العملة الإيرانية استقرت، بينما يُعتقد أن الصين تدعم اقتصادها بمشتريات النفط.

مع ذلك، فإن رئيسي وعد بخفض التضخم وتصحيح الاقتصاد، بحسب الصحيفة التي أشارت إلى تقرير تم تسريبه في أغسطس 2021 من منظمة التخطيط والميزانية الإيرانية، حذَّرت فيه من أن اقتصاد البلاد قد ينهار بحلول عام 2027 إذا لم تسحب ديونها.

وتقول الخبيرة الإيرانية وكيل: «تفكيرهم هو أنهم يستطيعون البقاء على قيد الحياة مهما كان القادم، لأنهم نجوا من كل شيء حتى الآن(..)  لكنها حسابات خطيرة، فهم دائمًا على الحافة»، مضيفة: «قد تكون النتيجة محليًا خطيرة على المدى الطويل، نعم، لديهم احتكار العنف، نعم، الاقتصاد مغطى بالضمادات، لكن مستوى الفقر آخذ في الازدياد، والدين كذلك».

 

خيارات أخرى

وقال أحمدي: «من الصعب أن نتخيل أن العقوبات الأوروبية، أو حتى عودة عقوبات الأمم المتحدة، سيكون لها تأثير كبير»، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تحاول حمل الصين على التوقف عن التعامل مع إيران، لكن ذلك غير مرجَّح، بالنظر إلى مستويات التوتر المتصاعدة في العلاقات الصينية الأمريكية(..) التهديدات العسكرية موجودة لكنها كذلك منذ 20 عامًا».

أما التهديد بشن هجوم عسكري إسرائيلي، فيمكن أن يحدث سواء تم إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة أم لا، يقول أحمدي، مشيرًا إلى أن التوصل إلى اتفاق، قد لا يقلل احتمال وقوع مثل هذه الحادثة، بطريقة ذات مغزى.

وينخرط مسؤولو الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم مسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل ونائبه إنريكي مورا، بنشاط مع إيران، في محاولة للتأكد من أن المناخ الدبلوماسي، لن يصبح سامًا لدرجة تمنع استئناف المحادثات.

ويخطط المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو غروسي، لرحلة إلى طهران في الأيام المقبلة، لإقناع إيران بإعادة المفتشين، لكن انعدام الثقة بين الجانبين آخذ في التزايد.

وتقول «الإندبندنت»، إن الإيرانيين بدأوا يشكون في ما إذا كانت إدارة بايدن، التي تعاني تحديات عدة في واشنطن، وندوب الانسحاب المؤلم من أفغانستان، ستحاول عقد صفقة مع إيران، بينما تتزايد شكوك الدول الغربية وإحباطها من تحركات طهران.

وقال المسؤول المشارك في المحادثات: «إذا أراد الإيرانيون حقًا أن يأخذوا وقتهم، فلماذا يستمرون في تصعيد عدم امتثالهم؟ (..) لماذا لا يتم تجميد عدم امتثالهم؟، مشيرًا إلى أنهم «إذا ابتعدوا، فلن تكون الخيارات جيدة، سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن الجميع سيتجاهلون الأمر".