بعد تهديدات الغنوشي... هل تلجأ حركة النهضة إلى العنف؟
حالة من الارتباك، أصابت راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإخوانية بتونس، بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد الاستثنائية، وهو ما انعكس على تصريحاته، التي هدَّد فيها بعودة العنف، وإغراق أوروبا عامة، وإيطاليا على وجه الخصوص، باللاجئين.

السياق
حالة من الارتباك، أصابت راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإخوانية بتونس، بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد الاستثنائية، وهو ما انعكس على تصريحاته، التي هدَّد فيها بعودة العنف، وإغراق أوروبا عامة، وإيطاليا على وجه الخصوص، باللاجئين.
تصريحات الغنوشي مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، وصفها مراقبون تونسيون بـ"لغة المنكسرين الذين لا يملكون إلا الصراخ"، إذ قال خلالها: "كلنا في مركب واحد، نحن التونسيين والأوروبيين، والإيطاليين تحديدًا... فإذا لم تعد الديمقراطية إلى تونس، في أقرب وقت، فسريعًا سننزلق إلى الهاوية".
وتابع، بحسب ما نشرته الصحيفة الإيطالية: "يمكن أن يتصاعد التهديد الإرهابي، وعندها تسود حالة من عدم الاستقرار، تجبر الناس على الرحيل... هناك أكثر من 500 ألف مهاجر محتمل، سيتوجهون إلى السواحل الإيطالية في وقت سريع".
"رقصة المذبوح"
"الغنوشي يرقص رقصة المذبوح"... هكذا تقول ضحي طليق، المحللة السياسية التونسية لـ"السياق"، مؤكدة أن "رئيس حركة النهضة لا يجد سندًا قويًا من القوي الإقليمية والدولية، الأمر الذي جعله يلجأ إلى المقايضة والابتزاز".
ولفتت "طليق" إلى أن الأمر يشبه ما فعله رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي، في قضية اللاجئين، حين أرسل الآلاف إلى دول أوروبا.
وتابعت: "هذه طبيعة الإخوان، تبدأ بالحوار الذي يبدو عليه الدبلوماسية، ثم يتحولون إلى التهديد والعنف، وما قاله الغنوشي إدانة صريحة له، كما يعد تهديدًا واضحًا وصارخًا لكيان الدولة الإيطالية ودول جنوب المتوسط".
تصريحات الغنوشي، التي لوَّح خلالها باستخدام العنف، لم تلق قبولًا حتى داخل حركة النهضة التي يرمز لها، إذ أصدر 130 قياديًا بالحركة، بيانًا صحفيًا حصلت "السياق" على نسخة منه، وجَّهوا خلاله الدعوة إلى رئيس البرلمان المجمَّد راشد الغنوشي، لتغليب المصلحة الوطنيّة، واتخاذ ما يلزم من إجراءات من أجل تونس، لتأمين عودة البرلمان إلى سيره العادي، واستعادة الثّقة في هذه المؤسّسة.
وطالبوا أيضاً الحركة، بأن تتفاعل إيجابًا مع أيّ مبادرة سياسية، تُخرج البلاد من أزمتها الخانقة، تحت سقف القانون والمؤسسات الدستورية.
لغة التهديد
تتابع المحللة السياسية ضحى طليق لـ"السياق" أن الغنوشي يستخدم لغة التهديد، منذ أصدر سعيد القرارات الاستثنائية 25 يوليو، حين دعا الشارع إلى التظاهر أمام مقر البرلمان التونسي، للدفاع عن ديمقراطيته، مشدِّدا على أنه "لا شرعية لحكومة لا تمر بالبرلمان"، والآن يلوِّح باستخدام العنف، بعد قرار فتح التحقيق معه وأمواله المشبوهة، والتحقيق ضد ما يعرف بـ"الجهاز السري لحركة النهضة".
لا تخفي ضحى طليق، قلقها من تلميحات الغنوشي، باستخدام العنف في تونس، وتقول لـ"السياق": "إن التخوف موجود، لكنهم يعلمون جيدًا أنه في حال اللجوء إلى استخدام العنف، ستكون نهايتهم في تونس بلا رجعة".
القانون يواجه العنف
محمد الصافي جلالي، المحلل السياسي التونسي، الناطق الرسمي السابق لحزب المبادرة الدستورية التونسي، أكد لـ"السياق"، أن تونس غير مستعدة للانزلاق إلى العنف.
وعلَّق على تصريحات الغنوشي، بأنها تعبِّـر عن ارتباك وجانبها الصواب، خصوصًا أن الشعب التونسي نفسه، لن ينزلق إلى مربع العنف، حتى مع رهان بعض الأطراف الخارجية (لم يسمها) والداخلية، الزج بالبلاد إلى الفوضى.
وشدَّد جلالي -في تصريحاته لـ"السياق"- على أن الشعب التونسي نفسه، على استعداد للدفاع عن سلامة وطنه والسِّلم الأهلي.
وأوضح أن "حالة الطوارئ وحظر التجول لن يسمحا بتنظيم مظاهرات في الشارع، وأعتقد أن الرئيس قيس سعيد سيطبِّق القانون، وإذا احترم الرئيس التونسي الإجراءات الاستثنائية، وواصل التصرف وفق القانون، لن يستطيع أحد أن يتحرك لضرب استقرار الدولة".
وقال جلالي: إن تونس قوية ودولة مؤسسات، والجيش قادر على حمايتها، لكنه لم ينف خطورة الوضع الراهن، ويراهن على أن المواطن غير قادر على العودة للعنف، رغم قدرة الإسلاميين على العمل السِّري والتحرك في الخفاء، لضرب استقرار الدولة التونسية (بحسب قوله)، لكنه يتصور أن الجيش وقوات الأمن التونسي قادران على حمايتها.
مختلف عن مصر
من جانبه، قال أحمد بان، المحلل السياسي المصري المتخصِّص في الحركات الإرهابية، إن السيناريو التونسي مختلف نسبيًا عن سيناريو مصر.
وأشار بان، وهو باحث مصري عمل سنوات طويلة، في تحليل استراتيجيات جماعة الإخوان ومفرداتها لـ"السياق، إلى أن الاختلاف مرتبط بعدد من المتغيرات، أولها وجود مجتمع مدنى قوي في تونس، تجسِّده مؤسسات كاتحاد الشغل، فضلًا عن الوعي المجتمعي، خصوصًا بين شرائح الشباب.
ولفت إلى أن تجربة النهضة التونسية "محشورة" بين سياقين، السياق المصري والليبي، الذى كانت فيه جماعة الإخوان، سواء المصرية أو الليبية، أكثر تصلُّبا، وأكثر ميلًا لممارسة العنف، ومن ثم انكشفت أخلاقيًا وسياسيًا بشكل أسرع.
وأشار بان، إلى أن الكرة الآن في ملعب حركة النهضة، إما تغلب منطق السياسة الرشيد، فتعترف بأخطائها وتبدي قدرًا كافيًا من حُسن النية، والعمل مع الشركاء وتطور بنيتها السياسية كحزب سياسي، وإما تستسلم للوهم وتنخرط في العنف، الذى سيقضي عليها.