سياسة بايدن في أفغانستان.. تظهر للعالم أن أمريكا متذبذبة ومتهوِّرة
كاتب أمريكي: صحيح أن الولايات المتحدة قدَّمت الدعم الجوي للأفغان، لكن الأمريكيين لم يأخذوا طائراتهم فقط، بل سحبوا 16 ألف متعاقد مدني، كانوا يتولون صيانة طائرات الهليكوبتر الأفغانية.

ترجمات-السياق
قال المعلِّق السياسي الأمريكي المخضرم جورج ويل، إنه في أعقاب عملية الإنقاذ البطولية للجنود من دونكيرك عام 1940، خاطب رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ونستون تشرشل، البريطانيين باعتبارهم أشخاصاً بالغين، فأكد لهم أن "الحروب لا يمكن الفوز فيها بعمليات الإجلاء"، ورأى ويل أنه مع انتهاء التدخل الأمريكي في أفغانستان، فإن مؤلِّفي الفصل الأخير الذي وصفه بـ"المخزي والمأساوي" من هذه الحرب، يأملون أن تكون تصوراتهم أكثر مرونة من الحقائق على الأرض.
"وقاحة تستحق السخرية"
وأضاف ويل، في مقال له بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قامت بما وصفها بأنه "وقاحة تستحق السخرية" من خلال تشبيهها الرحلات الجوية الأمريكية من كابل، بالرحلات الجوية الأمريكية إلى برلين التي بدأت عام 1948، مشيراً إلى أنه صحيح أن كلًا منهما يمثِّل البراعة العسكرية الأمريكية، إلا أن الحقيقة هي أنهما قد أرسلتا إشارات مختلفة.
وأوضح الكاتب الأمريكي، أن الحفاظ على المدينة المحاصرة، التي كان عدد سكانها 2.2 مليون نسمة، فإن توصيل الغذاء والوقود إلى برلين، من خلال ما يقرب من 300 ألف رحلة جوية، على مدى 11 شهراً، يعني أن الولايات المتحدة كان لديها الإرادة والقدرة على المواجهة الطويلة مع الاتحاد السوفييتي، وأضاف: "لكن الرحلات الجوية من كابل، وإنقاذ بعض الأمريكيين وغيرهم، ممن وقعوا في الكارثة التي صُنعت في واشنطن، يعني أن هناك حالة من الارتباك الوطني في البلاد، معتبراً أن هذا هو ما يبدو عليه الوضع، عند اعتماد شعار "أمريكا أولاً" كسياسة للدولة.
إنهاء الحروب
وقال الكاتب الأمريكي: "صحيح أنه يجب إنهاء الحروب، لكن ليس بهذا الشكل"، إذ قال الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور في مذكراته، إنه حينما حلَّق أواخر نوفمبر 1952 بطائرة فوق الخطوط الأمامية في كوريا، فإنه كان من الواضح للغاية، أن أي هجوم أمامي سيشكل صعوبات كبيرة، لذا فقد قرَّر السعي لإنهاء الحرب عن طريق التفاوض، وبعد تسعة وستين عاماً، بات هناك 28500 جندي أمريكي، وسلام، في شبه الجزيرة الكورية".
وأشار الكاتب، إلى أن الحزب الديمقراطي، الذي يتبعه الرئيس الأمريكي الحالي، هو المسيطر على مجلسي الكونجرس، قائلاً إن أعضاء الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) يتصرفون كما لو أن دورهم هو إظهار الولاء لرؤساء حزبهم، وليس إصدار أحكام مؤسسية مستقلة، لذا فإنه من غير المحتمل أن يهتم الكونجرس بالسلوك الأمريكي "غير الكفء والمخزي" الذي تحدَّث عنه السياسي والدبلوماسي البريطاني روري ستيوارت، في مقابلة بالفيديو من لندن.
وأضاف: "لقد عاش ستيوارت ثلاث سنوات في أفغانستان، ويتذكر أنه بحلول عام 2001، عندما أُطيح نظام حركة طالبان السابق، فإن هناك 4 ملايين أفغاني من تعداد السكان، الذي كان حينها 20 مليوناً فروا من البلاد، لكن ستيوارت أعرب عن غضبه من خطاب بايدن الذي وصفه بأنه (عدواني بشكل لا يُصدَّق) في 16 أغسطس الجاري، الذي انتقص فيه من رغبة الأفغان في القتال".
معركة انتحارية
الكاتب الأمريكي، نقل عن ستيوارت قوله: "صحيح أن الولايات المتحدة قدَّمت الدعم الجوي للأفغان، لكن الأمريكيين لم يأخذوا طائراتهم فقط، بل سحبوا 16 ألف متعاقد مدني، كانوا يتولون صيانة طائرات الهليكوبتر الأفغانية".
ولذلك فإن هذه الطائرات لم يعد بإمكانها التحليق، فضلاً عن الضرر المعنوي، إذ غادرت القوات الأمريكية قاعدة باجرام منتصف الليل، ولم يخبروا قائد البلاد حتى بأنهم سيغادرون، لذا فقد استيقظ الأفغان في الصباح، ليجدوا أن طائراتهم معطلة، كما أن الأمريكيين غادروا، ولا يوجد دعم من أي نوع، فمَنْ هم هؤلاء الذين يطلب منهم بايدن القتال؟
وتساءل ستيورات: "كيف تطلب الولايات المتحدة من الأفغان، أن يخوضوا معركة انتحارية ضد طالبان، في الوقت الذي لم تكن هي نفسها مستعدة حتى للاحتفاظ بـ2500 جندي وبعض الطائرات في البلاد؟".
وذلك رغم أنه لم يكن هناك أي إصابات أو أي خطر على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث لم يُقتل أي جندي أمريكي في أفغانستان منذ 18 شهراً، ولا جندي بريطاني لمدة أطول من ذلك، كما لم تكن هذه المهمة مكلفة منذ عام 2014، وأضاف: "لذا فإن تسليم الشعب الأفغاني إلى طالبان، ثم القول إن هذا خطأكم وإنكم مجموعة من الجبناء، في الوقت الذي انسحبنا فيه ولم نكن مستعدين، حتى لقبول الوجود بشكل ضئيل، غير منطقي".
عقوبة للفشل
وأشار ويل، إلى أن عملية الإجلاء الخميس الماضي، أكثر دموية بالنسبة للجيش الأمريكي، مما كانت عليه الحرب لسنوات، إذ تسبَّب قرار بايدن، الذي وصفه بـ"المتسرِّع والأحادي" بالتخلي عن مهمة الناتو في أفغانستان، بإلحاق أضرار بهذا التحالف، أكثر مما أحدثته توترات 45 عاماً من الحرب الباردة.
وتابع: "تعمل الدول في جميع أنحاء العالم، على ضبط سياساتها الأمنية، كما تقوم بموازنة اعتمادها على الولايات المتحدة المتذبذبة والمندفعة، مقابل التكيف مع الصين التي تسير في مسار مختلف، لذا يجب على بايدن أن يعيد فوراً تقييم اعتماده على مسؤولي المخابرات والجيش وصُنع السياسات، الذين قدَّموا له التقييمات والتأكيدات، التي أثبتت الأحداث خطأها، لأنه عندما لا تكون هناك عقوبة للفشل، فإن الإخفاقات ستزيد".
وفي نهاية مقاله، قال ويل: "دائماً ما يعرب بايدن عن ثقته الشديدة في أن قراراته، التي اتخذها منذ يوليو الماضي كانت صحيحة، لكن لا يمكن للأمريكيين أن يكونوا أكثر ثقة به، إلا إن قلَّل من ثقته بنفسه بعض الشيء".