الإخوان في مصر... السياق تكشف خبايا إعادة طرح وثيقة التيار البديل

هذه المبادرات ليست ذات قيمة، لأن المسيطر على التنظيم حتى الآن هم جماعة التنظيم القطبي

الإخوان في مصر... السياق تكشف خبايا إعادة طرح وثيقة التيار البديل

السياق

مرة أخرى، طفت على السطح وثيقة صدرت عن قيادات الصف الثاني لجماعة الإخوان في محافظة أسيوط بعنوان "التيار البديل"، تدعو إلى التخلص مما سمتها "خطايا التنظيم"، أبرزها "تفكيك الجماعة" والدخول في المجتمع المصري.
هذه الوثيقة التي عُرضت للمرة الأولى عام 2005، تثير العديد من التساؤلات، لاسيما أنها تتوافق في العديد من البنود مع مبادرة إبراهيم منير وجبهة لندن، التي ألمحت إلى التخلي عن الإطار التنظيمي للجماعة، والتركيز على الجانب الدعوي فقط، في محاولة لإعادة الإخوان إلى المشهد السياسي المصري.

خطايا الإخوان
بالنظر إلى أبرز بنود وثيقة "التيار البديل"، يتضح أنها تهدف إلى التخلص -بحسب مراقبين- من خطايا جماعة الإخوان، ومنها تفكيك التنظيم وعدم تقديس القيادات، وأيضاً التخلي عن مبدأ "التمكين".
الوثيقة، طالبت أيضاً بضرورة الاندماج في المجتمع المصري، وعدم الترويج أو العمل على مشروع "دولة الخلافة"، والالتزام بـ"قومية الدولة" ومكوناتها الحضارية والثقافية، وجميعها أمور تخالف العقيدة الإخوانية، التي أسهمت في تنشئة أجيال لا تعترف بالدولة القومية، وتدعو للأممية السياسية، بحسب المراقبين.
بيد أن مصادر مقربة من قواعد تنظيم الإخوان، كشفت لـ"السياق"، عن ثمة تيار شبابي من القواعد، يتبنى الفكرة ذاتها، ويرغب في الاندماج داخل المجتمع والتخلي عن أفكار ومبادئ جماعة الإخوان، في سياق ما يمكن تسميتها "المراجعات".
المصادر ذاتها، لفتت إلى أن فشل الجماعة في إدارة أزمتها مع الدولة المصرية، ومن قبلها إدارة مؤسسات البلاد قبل ثورة 30 يونيو، وتصاعد الصراع بين جبهتي اسطنبول ولندن، أسهمت في بلورة هذا التيار الشباب الناشئ، الذي يدعو إلى مراجعة شاملة لأفكار الجماعة، والتخلي عن مبادء وأفكار "قولبة" الدولة داخل التنظيم.
معاداة المجتمع
عمرو فاروق الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية يقول لمنصة "السياق"، إن الوثيقة ليست جديدة، فقد صدرت في صيف 2005، وكان هناك سجال داخل الجماعة، بسبب تلك الوثيقة، وقت تولي محمد مهدي عاكف مرشد الإخوان.
وأشار فاروق إلى أن الوثيقة كانت تطالب بفك التنظيم ودخوله في المجتمع، وتتشابه -إلى حد كبير في بعض البنود- مع وثيقة لندن المعروضة من جبهة إبراهيم منير، على اعتبار أن التنظيم يمثل حاجزًا بين أفكار الجماعة والمجتمع.
ولفت إلى أن النقطة الأخيرة، انتبهت إليها الجماعة بعد سقوطها في 30 يونيو 2013، إذ انتبهت إلى أن التنظيم له حواضن هيكلية وليست فكرية، رغم أن الإخوان أثروا في الرأي العام على مستوى الفكر.
وتابع فاروق، أن الانتماء والارتباط بأفكار حسن البنا ضربا مصداقية الإخوان شعبيًا، إذ بدا واضحًا أن هذه الأفكار لا تخدم ما تم الترويج له تحت مسمى "المشروع الإسلامي" أو ما يطلق عليها "الصحوة الإسلامية" التي انتشرت داخل المجتمع المصري خلال الثمانينيات والتسعينيات على وجهة الخصوص.
ويوضح الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، أن إبراهيم منير ربما استدعى بنود هذه الوثيقة، التي تم رفضها وإطاحة من طرحها خارج التنظيم، في محاولة لإيجاد مبرر للتخلص من عبء التنظيم وقداسة الأشخاص، والتخلي عن الصراع السياسي وفكرة أن الجماعة نفسها لا تميز بين كونها إسلامية وغير إسلامية، وأنها لابد أن تحترم مؤسسات الدولة خاصة الدينية، لأن الدور الدعوي منوط بالدولة ومؤسساتها وليس بأفراد أو جماعة أو تنظيم.
ويشدد فاروق على أن وجه التشابه بين وثيقة التيار البديل، ومشروع إبراهيم منير، يشير إلى أن الأخير يسعى إلى إعادة تموضوع الإخوان داخل المجتمع، وليس تفكيك التنظيم كما طالبت الأولى.
ومرد هذه الرؤية -بحسب فاروق- أن جبهة لندن ترى أن الجماعة قد خسرت كثيرًا جدًا خلال فترة صعودها إلى السلطة وما تبع ذلك، عبر فضح مشروعها، وما أن وصلت إلى قمة المشهد، حتى فشلت على مستوى التنظيم والفكر والرؤية، وفشلت أيضًا في الانتقال من فقه التنظيم إلى فقه الدولة.
لذا، والحديث للباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، يحاولون البحث وصياغة آلية جديدة لإعادة التموضوع داخل المنطقة العربية، بما يتيح للجماعة ممارسة دورها، واستغلال الأوضاع السياسية.
ويقول فاروق إنه يجب الأخذ في الاعتبار أن ما تعرضه وثيقة لندن يعد أمرًا إجباريًا، فالجماعة لديها رفض شعبي وسقوط سياسي وتفكك تنظيمي، لذا من الطبيعي أن تتمحور حول نفسها، وأن توقف الاستقطاب والتجنيد التنظيمي، خشية تسرب موالين للأجهزة الأمنية، لذلك عليه التوقف مؤقتًا للاحتفاظ بالكتلة الحرجة للجماعة الموجودة حاليًا، بعكس مجموعة محمود حسين التي ترى ضرورة البقاء.

المسار الإيجابي
من جانبه، يرى سامح عيد، الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية والإخواني السابق في حديثه لـ"السياق"، أن أي حديث عن مسار تفكيك التنظيم، أمر إيجابي، منوهًا -في الوقت نفسه- إلى أن إبراهيم منير لم يتحدث عن تفكيك التنظيم، لكنه يتحدث عن التفاوض مع الدولة والاعتراف بالنظام الحالي وما إلى ذلك.
ويؤكد عيد أن الحديث عن الخروج عن التنظيم أو تفكيكه، يجب أن يثمن حتى لو كان جزء منه "مناورة"، بحسب قوله.
واستدل الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية على رؤيته، بمراجعات الجماعة الإسلامية، إذا إنها لم تتراجع عن أفكارها كلها، لكنها بالفعل فككت التنظيم عام 2003، وخرج نحو 20 ألفًا من السجون، وظل جزء منهم متوافقًا مع الدولة المصرية، ومنهم ناجح إبراهيم وكرم زهدي على سبيل المثال.
لذا، يرى عيد أن أي حديث تفكيك التنظيم وتحويله إلى تيار مثل التيار السلفي، تستطيع التفاوض معه بالفكر، أمر لابد أن يثمَّن، لكن يجب ضرورة رفض وجود التنظيم الذي لا يعترف إلا بالعنف، ولا يمكن التفاوض معه.
ويشدد الباحث على أن إبراهيم منير تحدث عن "الاعتزال السياسي"، ولم يتحدث عن تفكيك التنظيم، وكونه قائمًا بأعمال المرشد، فليس من صلاحياته التحدث عن تفكيك التنظيم.

غير مؤثرة
على النقيض، يرى أحمد سلطان، الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية في حديثه لـ"السياق"، أن هذه المبادرات والأطروحات "غير مؤثرة" في الإدارة الاستراتيجية للأزمة الراهنة داخل جماعة الإخوان.
ولفت سلطان إلى أن التنظيم مازال قائمًا لكنه في أضعف حالاته، لذا لا يمكن اعتباره قد انتهى، فقد يعود للواجهة، مستغلًا حالة السيولة أو الارتباك، إذا حدثت داخل المجتمع المصري، مستندًا في رؤيته إلى أن الكثير من الإخوان -تحت ضغط الملاحقات الأمنية- لجأوا إلى العمل السري.
ويلفت الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، إلى أن فكرة عرض مبادرات، حتى تندمج الجماعة في المجتمع، مستمرة من وقت إلى آخر.
لكن هذه المبادرات ليست ذات قيمة، لأن المسيطر على التنظيم -حتى الآن- هم جماعة التنظيم القطبي، وهؤلاء يقدسون التنظيم، ويرون أن بقاءه ضمان استمرار الجماعة، بحسب قول سلطان.
وبناءً على ما سبق، يرى أن مسألة تفكيك التنظيم مرفوضة تمامًا بالنسبة لهم، ولا يظن أنه سيحدث خروج عن النسق المعتاد للإخوان، لكن قد تحدث تغييرات خلال الفترة المقبلة، بمعنى أن تيار إبراهيم منير -على سبيل المثال- يحاول أن يعرض نفسه كتيار عام وليس كتنظيم، في محاولة للانتشار داخل المجتمع المصري، لإعادة مسار التجنيد التنظيمي في الخفاء.