نصف عام من الحرب الروسية الأوكرانية... هل يمكن أن تستمر سنوات؟
بعد ستة أشهر على الحرب في أوكرانيا، لا يبدو أنّ الصراع على وشك الانتهاء، إذ تستمر المعارك والقصف الروسي بشكل يومي في جميع أنحاء أوكرانيا، فهل يمكن أن تستمر الحرب سنوات؟ وما القدرات التي يمكن أن يعوِّل عليها البلدان؟

السياق
عندما أطلقت روسيا غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير، كان الكرملين يأمل أن ينفّذ اجتياحًا خاطفًا لكييف، وأن يطيح سريعًا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وأن يصبح محرّرًا في نظر عدد كبير من الأوكرانيين.
لكن يبدو أن الخطّة الروسية فشلت، فقد تكبّد الجيش الروسي خسائر كبيرة وأُرغم على الانسحاب من منطقة كييف وتحوّل النزاع إلى حرب استنزاف.
وجعلت روسيا السيطرة على منطقة دونباس شرقًا، أولوية، بينما لا تزال المقاومة الأوكرانية الشرسة تعتمد -إلى حدّ بعيد- على المساعدة التي يقدّمها حلفاء كييف الغربيون.
صراع طويل
بعد ستة أشهر على الحرب في أوكرانيا، لا يبدو أنّ الصراع على وشك الانتهاء، إذ تستمر المعارك والقصف الروسي بشكل يومي في جميع أنحاء أوكرانيا، فهل يمكن أن تستمر الحرب سنوات؟ وما القدرات التي يمكن أن يعوِّل عليها البلدان؟
يقول طبيب عسكري من جبهة القتال جنوبي أوكرانيا "علينا أن نكون مستعدين لاحتمال أن تستمر الحرب فترة طويلة".
ويتابع طبيب الأسنان (40 عامًا) الذي يناديه زملاؤه بـ "دوك": "هناك دموع كثيرة ودماء كثيرة، الأمر يفطر القلب".
ويضيف: الحرب "تدمر تاريخ أجيال كثيرة"، بعد مضي ستة أشهر على نشوبها.
يسكب رفاقه أوعية من الحساء الساخن داخل مجمع محصن تحت الأرض، تحيط به حواجز حديدية صدئة لصد تقدم الدبابات، وتنتشر فيه القطط والكلاب الضالة.
ويجلس رجل على رأس الطاولة وعلى ذراعه وشم "لا تُسلم".
يقول ميكولا الجندي ذو الواحد والأربعين عامًا وقد جلس على يساره: "ستة أشهر من الحرب، هذا لا يسبب فقط آلامًا موجعة للبلاد، بل يسبب أيضًا ألمًا صغيرًا شخصيًا داخل كل واحد منا".
لا يتكتم مساعد قائد الكتيبة أرتام (30 عامًا) على الأمر بل يقول: "أعلمنا جنودنا أن النزاع يمكن أن يستمر سنوات".
مقاومة شرسة
بدأت روسيا حربها على أوكرانيا للسيطرة على العاصمة كييف، بهجوم خاطف في 24 فبراير.
لكن القوات الأوكرانية تصدت وأظهرت مقاومة شرسة، ما دفع القوات الروسية إلى التراجع وتحويل منطقة النزاع إلى حوض دونباس شرقي البلاد وإلى مناطق أخرى زراعية في الجنوب.
وأعلنت أوكرانيا -منذ أسابيع- تنفيذ هجمات مضادة في الجنوب، تباطأت في شنها بسبب تأخر وصول مساعدات الأسلحة من دول غربية.
وحين سُئل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش -الجمعة خلال زيارة إلى أوديسا (جنوبي أوكرانيا)- عما اذا كان هناك أمل بأن تنتهي الحرب، أجاب بعد أن أغمض عينيه وتردد: "الوضع صعب جدًا، وآفاق السلام غير مؤكدة".
تدمير كل ما هو أوكراني
لا جديد على جبهة الحرب في ميكولايف، وهي أهم مدينة في الجنوب، كان يسكنها نحو نصف مليون شخص قبل الهجوم الروسي.
وبللت أمطار الشتاء الملصقات المساندة للجيش ومزقتها رياح الربيع وأبهتتها حرارة الصيف. وبدأت خياطة أكياس الرمل الموضوعة أمام الحواجز تنسل، بينما نبتت الأعشاب بين التجاويف.
وسقطت -خلال الأسابيع الأولى من الحرب- قنبلة على سطح مبنى الحكومة المحلية وقتلت 37 شخصًا وظلت الحفرة التي تركتها واضحة إلى اليوم، في المنطقة التي يستهدفها القصف بشكل مستمر.
الأسبوع الفائت قُصفت جامعة بيترو-ميغيولا على البحر الأسود مرتين. ودُمر المدخل الرئيس وكذلك أجزاء من السقف وتهشم زجاج النوافذ. ومن خلال الواجهة المدمرة يمكن رؤية قاعات الدراسة.
بدوره، قال مدير الجامعة ليونيد كليمونكو وقد وقف داخل قاعة خلف القصف فيها فجوة: "يهاجمون المدارس والمستشفيات والميناء والبنى التحتية في المدينة. من الواضح أنهم يريدون تدمير نظام التعليم الأوكراني، وتدمير الروح الأوكرانية، وتدمير كل ما هو أوكراني".
مسار السلام
مع اقتراب الحرب من شهرها السابع، لا يبدو في الأفق بصيص أمل.
بفضل اتفاق بين الأمم المتحدة وتركيا للسماح بإخراج القمح من الموانئ الأوكرانية استؤنف تصدير الحبوب، السلعة المهمة التي ينتظرها العديد من الدول.
والجمعة، زار الأمين العام للأمم المتحدة ميناء أوديسا ليشهد تطبيق الاتفاق.
لكن خيمت على زيارته مخاوف شديدة حول محطة زابوريجيا النووية.
وتقع المحطة -وهي الأكبر في أوروبا- على بعد 200 كلم شمالي شرق ميكولايف، وتسيطر عليها القوات الروسية منذ بدء الحرب. وتتعرض المحطة بشكل مستمر للقصف، ما يثير مخاوف من كارثة نووية.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة لوكالة فرانس برس: "لن يكون من السهل إيجاد مسار للسلام على المدى القصير، لكن يجب الإصرار على ذلك، لأن السلام أهم ما يحتاج إليه العالم".