ثلاث أولويات وأربعة تحديات... حكومة لبنان تبدأ الطريق الصعب
بالتوازي مع الانعقاد الأول لمجلس الوزراء اللبناني، شهدت وزارة الخارجية اللبنانية واقعة مؤسفة، تمثَّلت في تكسير أبواب الوزارة، بسبب منع الوزيرة السابقة زينة عكر ومرافقيها من دخول الوزارة.

السياق
ثلاث أولويات وأربع تحديات، تواجه الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي، التي عقدت الإثنين أول اجتماعاتها فيما تنتظرها مهمات صعبة وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة متواصلة في البلاد منذ عامين.
إلا أن ميقاتي استبق الاجتماع الأول الذي يغلب عليه الطابع التذكاري، بعقد اجتماعات مع الوزراء لوضع السياسة العامة للحكومة، التي ستستند على 3 أولويات، وهي: الاقتصاد والمال، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، ووضع سياسة خارجية تعيد لبنان إلى علاقاته مع الدول الصديقة والشقيقة، لا سيما الدول العربية.
البيان الوزاري
مجلس الوزراء اللبناني، قرر بعد التئامه لأول مرة منذ 13 شهرًا، تشكيل لجنة صياغة مسودة البيان الوزاري، برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية نائب رئيس مجلس الوزراء ووزراء العدل، الطاقة، المالية، الثقافة، الداخلية، التنمية الإدارية، الإعلام، التربية، العمل والزراعة، على أن تعقد أولى جلساتها في وقت لاحق اليوم.
من جانبه، قال وزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، إن البيان الوزاري سيصدر خلال ثلاثة أيام، مشيرًا إلى أن رئيس مجلس النواب، وعد بعقد جلسة سريعة لمجلس النواب لنيل الثقة، فور الانتهاء من صياغة مسودة البيان.
وعن جلسات مجلس الوزراء، قال قرداحي: «رئيس الوزراء ميقاتي لديه نية بتكثيف الجلسات»، متوقعًا عقد جلستين أو ثلاث.
رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، رحب برئيس الحكومة والوزراء، معتبرًا أن ما جمع الوزراء في هذه الجلسة، هما الثقة والقدرة على العمل.
وأضاف عون: هذه الحكومة الرابعة في ولايتي الرئاسية، شكلت بعد انقضاء 13 شهرًا على حكومة تصريف الأعمال، مشيرًا إلى أنه خلال هذه الفترة تفاقمت الأوضاع اقتصاديًا، وماليًا، ونقديًا، واجتماعيًا، بينما تراجعت الظروف المعيشية للمواطنين إلى مستويات غير مسبوقة.
مسؤوليات كبرى
وقال عون: نحن أمام مسؤوليات كبرى، لتفعيل دور الدولة ومؤسساتها واستعادة الثقة بها، مطالبًا بعدم إضاعة الوقت، وإيجاد حلول عاجلة لمعالجة الأوضاع المعيشية للمواطنين، وإطلاق ورشة عمل سريعة، لوضع لبنان على طريق الإنقاذ والتعافي والنهوض.
وطالب عون الحكومة، بالعمل كفريق عمل واحد متجانس متعاون لتنفيذ برنامج إنقاذي، وتركيز الجهد لتحقيق المصلحة الوطنية العليا ومصالح المواطنين، مشيرًا إلى أن الحكومة ستواجهها صعوبات كبيرة، وستعمل على تذليلها واستنباط الحلول الممكنة.
وعبَّر عن أمله بأن تنجح الحكومة في معالجة مشكلات اللبنانيين الحياتية اليومية، والاستجابة لطموحاتهم وتطلعاتهم المشروعة بمستقبل أفضل، يزيل عنهم القلق ويوفِّر لهم الاستقرار والعيش الكريم، مؤكدًا أن المباشرة بالإصلاحات شرط لدى المجتمع الدولي للسير بآليات الدعم وتقديم المساعدات.
ملفات مهمة
وطالب بتضمين البيان الوزاري، إضافة إلى الثوابت الوطنية، الموضوعات التالية: «خطة التعافي التي أقرّتها الحكومة السابقة، ما ورد من إصلاحات في المبادرة الفرنسية، وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، في 8 مايو 2022، واستكمال التحقيقات الجارية في انفجار مرفأ بيروت، ومكافحة الفساد، لا سيما مباشرة العمل بالتدقيق الجنائي، وتأمين المستلزمات الأساسية للمواطنين، وإطلاق العام الدراسي بأسرع وقت، وتحديث وتنفيذ خطة تعافٍ لإنقاذ البلد من الأزمة المالية، واستكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي».
كما طالب بمتابعة تنفيذ خطة البطاقة التمويلية، والسعي لتأمين الأموال اللازمة لضمان استمراريتها، وإقرار وتنفيذ الخطة الاقتصادية، التي أعدها المكتب العالمي الاستشاري ماكينزي (لتحفيز القطاعات الإنتاجية)، والعمل على عودة النازحين السوريين، ووضع خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتنفيذ مقررات مؤتمر سيدر، بما فيها المشاريع الواردة في البرنامج الاستثماري، واستكمال وتنفيذ خطة للكهرباء.
أمور ضرورية
رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، قال في كملته، إن اللبنانيين في حاجة إلى الرغيف والدواء والبنزين والمازوت، وهي أمور ليست من الكماليات، بل ضرورية لاستمرار الحياة بشكلها الطبيعي.
وبينما قال ميقاتي، إن الحكومة لا تملك عصا سحرية، إلا أنه قال إنه بالإرادة الصلبة والتصميم والعزم والتخطيط، تستطيع الحكومة النجاح، وتأمين حياة كريمة للمواطنين.
وتعهد رئيس الحكومة، بمعالجة أزمة المحروقات والدواء، لإيقاف «إذلال الناس»، مطالبًا وزير التربية بعقد اجتماعات طارئة لإنجاز خطة بدء العام الدراسي، والتنسيق بين وزارتي الصحة والتربية، لدراسة إمكانية تلقيح الطلبة ضد كورونا.
واقعة مؤسفة
بالتوازي مع الانعقاد الأول لمجلس الوزراء اللبناني، شهدت وزارة الخارجية اللبنانية واقعة مؤسفة، تمثَّلت في تكسير أبواب الوزارة، بسبب منع الوزيرة السابقة زينة عكر ومرافقيها من دخول الوزارة.
وبحسب وسائل إعلام محلية، فإن نائبة رئيس الحكومة ووزيرة الدفاع والخارجية في الحكومة السابقة زينة عكر وصلت إلى مقر الوزارة في بيروت، في آخر يوم عمل لها، إلا أن أمين عام الوزارة السفير هاني شميطلي أغلق الباب ورفض تسليم الوزيرة البريد اليومي، باعتبارها وزيرة سابقة، ما دفع مرافقيها إلى كسر باب مكتبه والاشتباك مع موظفي الوزارة، الذين وقفوا إلى جانب زميلهم.
الواقعة أدت إلى إصابة عدد من الموظفين، إضافة إلى أمين عام الوزارة الذي جُرح في رأسه.
التحديات الأربع
التحدي الأول الذي سيواجه الحكومة اللبنانية، في أول أيام اجتماعاتها، مع تدخل القوى الأمنية لضبط الوضع على محطات البنزين، التي من المقرر أن تفتح أبوابها اليوم، لتزويد السيّارات والآليات بالوقود اللازم، قبل رفع الدعم.
يأتي ذلك فيما ترسو ثلاث بواخر بالقرب من السواحل اللبنانية، بحمولة لا تقل عن 70 ألف من البنزين، إلا أنها لن تكفي احتياجات البلاد ليومين.
وفيما يحتاج إفراغ الحمولة إلى قرار من مصرف لبنان بفتح اعتماد جديد، أو رفع الدعم، تترقب الباخرة الإيرانية المحملة بالمازوت، على أبواب مرفأ بانياس غربي سوريا، استعدادًا لنقل حمولتها بالصهاريج إلى لبنان.
ويقف المواطنون يومياً لساعات طويلة أمام محطات الوقود لتعبئة خزانات سياراتهم، فيما حذرت المستشفيات مراراً من من نفاد المحروقات ومخاطره على حياة المرضى.
وأعلنت نقابة اصحاب المحطات أمس الأحد، أن أكثر من 90% من المحطات أغلقت أبوابها، بسبب عدم تسلمها المحروقات من الشركات المستوردة بسبب نفاد الكمية وعدم فتح مصرف لبنان اعتمادات مصرفية جديدة للدفع للشركات المستوردة.
فبينما يقول اقتصاديون إن هذا الهراء ليس حلا طويل الأجل، لأنه يترك حافزا كبيرا للتهريب والتخزين، ليس فقط للوقود ولكن لأي سلع مدعومة، بما في ذلك الأدوية، يقول تقرير بريطاني إن السوق السوداء ازدهرت حيث يُباع البنزين الآن في عبوات بلاستيكية بأسعار مرتفعة، وارتفعت أسعار الديزل 450% هذا العام.
وفقدت الليرة اللبنانية خلال عامين، أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، فيما أكدت الأمم المتحدة أن 78% من السكان باتوا يعيشون في الفقر.
وحذرت الأمم المتحدة من أن أربعة ملايين شخص - ثلثي سكان لبنان - قد يفقدون الوصول إلى إمدادات المياه في الأيام القليلة المقبلة مع انقطاع التيار الكهربائي عن محطات الضخ.
إصلاح العلاقات
سيقع على عاتق الحكومة الجديدة إعادة ترتيب العلاقات اللبنانية - السورية من دولة لدولة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، واعادة تفعيل العلاقات اللبنانية - العربية.
وفي محاولة أولى لإصلاح العلاقات وطلب الدعم، كشف ميقاتي، أنه بدأ التواصل منذ فترة تكليفه مع الصناديق العربية في سبيل إعادة تفعيل مشاريع الدعم لبنان، ومنها التواصل مع الكويت، لإعادة احياء قرض ميسر وطويل الأجل لإنجاز خطة الكهرباء وبناء المعامل.
صندوق النقد
كخطوة أولى لإخراج لبنان من أزمته التي تتسم بنقص السيولة وبنقص حاد في الوقود والكهرباء تنعكس على كل جوانب الحياة، ستكون أحد التحديات التي تواجه الحكومة التوصل سريعاً إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
من جانبها، قالت وزارة المالية اللبنانية، اليوم الإثنين، إن لبنان تبلغ من صندوق النقد الدولي أنه سيتسلم في الـ16 من الشهر الحالي حوالي مليار و135 مليون دولار أمريكي بدل حقوق السحب الخاصة على أن تودع في حساب مصرف لبنان، الذي يحذر من نضوب احتياطي الدولار لديه.
وبحسب «فرانس 24»، فإن صندوق النقد الدولي كان قد وافق الشهر الماضي على منح دوله الأعضاء حقوق السحب الخاصة بما يتناسب مع حصتها لديه، ما سيسمح بزيادة المساعدات للدول الأكثر ضعفاً.
وحقوق السحب الخاصة ليست عملة وليس لها وجود مادي، بل تستند قيمتها إلى سلة من خمس عملات دولية رئيسية هي الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والرينمينبي أو اليوان والين. ويمكن استخدامها بمجرد إصدارها كعملة احتياطية تعمل على استقرار قيمة العملة المحلية أو تحويلها إلى عملات أقوى لتمويل الاستثمارات.
الانتخابات النيابية
أحد التحديات الجسام التي تواجه الحكومة، يتمثل في ضرورة إقرار قانون انتخابي جديد، وسط مطالبات داخلية ودولية بضرورة إجراء الانتخابات على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، دون العودة للقانون الانتخابي النسبي على أساس لبنان 15 دائرة.
وتعهد رئيس الحكومة ميقاتي، بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها وكذلك الانتخابات البلدية والاختيارية في الثامن من مايو/أيار 2022.