فورين بوليسي: مقتدى الصدر أمل الولايات المتحدة في العراق
ترى المجلة أن مقتدى الصدر رجل الدين الشيعي العدو اللدود لواشنطن في العراق، أصبح الآن الفرصة الأفضل لتأمين المصالح الأمريكية

ترجمات-السياق
قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إن العراقيين اتخذوا خطوة وصفتها بـ"غير المسبوقة" في انتخاباتهم الوطنية، من خلال رفض تحالف الميليشيات الشيعية المسلحة المدعومة من إيران، وتفضيلهم الواضح لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي يروِّج لأجندة قومية.
وأضافت المجلة، في تقرير، أن تحالف الفتح، وهو مجموعة من الميليشيات المختلفة، بقيادة هادي العامري الموالية لإيران، تراجع من الفوز بـ48 مقعداً برلمانياً عام 2018 إلى 15 مقعداً فقط هذا العام، وفي غضون ذلك، برز تحالف "سائرون" بزعامة الصدر باعتباره الفائز بأكبر عدد من المقاعد، إذ رفع مقاعده من 54 إلى 73، لذا أصبح الصدر صانع الملوك، في تشكيل البرلمان العراقي المقبل.
شعبية الصدر
وفقًا للمجلة الأمريكية، فإن نجاح التحالف الشيعي على حساب التحالف الطائفي المسلح، يشير إلى الكثير من الأمور، فقد بدأ تحالف الفتح كقوة مناهضة لتنظيم داعش، لكنه اتُهم بعد ذلك بالتحول إلى ما يشبه العصابة، التي تدير عمليات ابتزاز وتنفِّذ عمليات قتل خارج نطاق القانون.
إلا أن الصدر، على النقيض من ذلك، فقد تمكن من تعزيز دعم العراقيين له، بسبب وعوده بإدخال إصلاحات سياسية تضعف النخب الطائفية، وتبني مجتمعاً علمانياً، وتنهي التدخل الإيراني مع إبعاد القوات الأمريكية عن البلاد.
ورأت المجلة، أن أوراق اعتماد الصدر -باعتباره معاديًا للولايات المتحدة- ليست موضع شك، لأنه اكتسب هذه السُّمعة في السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي للبلاد، لإطلاقه العنان للميليشيات الخاضعة لسيطرته، للعمل ضد القوات الأمريكية.
ورغم ذلك، فإنه ينبغي أن تكون حكومة الولايات المتحدة أكثر سعادة بمكانة الصدر الجديدة، كزعيم وطني في بغداد.
ولفتت المجلة، إلى أنه رغم أن هناك العديد من الأسئلة عما يستطيع الصدر تحقيقه من الأجندة الخاصة به، فإن الأمر الذي لا جدال فيه، أنه يظهر باعتباره الزعيم السياسي الوحيد في العراق، الذي يتمتع بشعبية كافية، لدفع التغييرات التي تحتاجها البلاد، بما في ذلك تفكيك الحصص الطائفية للوظائف السياسية، واحتواء الميليشيات المدعومة من إيران، معتبرة أنه بالنظر لهذا السياق، فإن صعود الصدر يتماشى مع المصالح الأمريكية.
صراع النفوذ
ونقلت المجلة عن المحللة البارزة، في مجموعة الأزمات الدولية، التي تركز على السياسة والحُكم والأمن والصراع في العراق، لاهيب هيجل، قولها: "لقد اتجه مؤيدو الصدر للاحتجاجات أوائل عام 2020، وهم مسؤولون عن جزء من العنف المرتكب ضد النشطاء".
وأضافت: "من المستبعد جداً أن يتمكن الصدر من تشكيل حكومة، تستبعد تحالف فتح أو الميليشيات الإيرانية، لأن ذلك سيؤدي إلى تأجيج الصراع، لأن التنافس بين التيار الصدري والميليشيات المدعومة من طهران، صراع على النفوذ".
بدوره، يقول ضياء الأسدي، وهو مسؤول كبير سابق في الحركة السياسية التابعة للصدر، الذي يُعتقد أنه قريب منه: "الصدر يمكن أن يشكل ائتلافاً فائزاً، من خلال استبعاد جميع الفصائل المدعومة من إيران، بما في ذلك تحالف الفتح للميليشيات المسلحة بقيادة العامري، وحزب الله، الذي حصل على ثالث أكبر عدد من المقاعد (37 مقعداً) في الانتخابات الأخيرة".
ويقول محللون: رغم كونهم جزءًا من حكومات عدة في الماضي، فإن الصدريين لم يكونوا فعالين في الضغط من أجل الإصلاحات، وبدلاً من ذلك اتهموا بالعنف والفساد، معتبرين أن الصدر ليس صانع سياسة مُحنك، لكنه مجرد رجل شعبوي، يدعي أنه مهتم بشؤون المجتمع المدني.
مصدر إلهام
من جانبه، قال مدير برامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في معهد الولايات المتحدة للسلام، إيلي أبو عون، إن الصدر فشل في إثبات نفسه، موضحاً أنه حتى قبل عام 2018، كان جزءًا من كل من الهيئتين التشريعية والتنفيذية، من خلال ترشيحه للعديد من أعضاء البرلمان والوزراء، ورغم هذا الوجود القوي نسبياً في فرعي الحكومة، فإنه لا يمكن لحركته أن تدعي ملكية أي مبادرات جادة للإصلاح.
وأضاف أبو عون: في بعض الحالات تورط مرشحو الصدر في قضايا فساد فاضحة، لذا فإنه من المتوقع أن يواصل العمل كزعيم معارضة شعبوي، في ظل كونه جزءًا من جميع هياكل الحكم في العراق.
ويرى محللون آخرون أنه رغم تناقضات الصدر وسجله غير المبهر في الضغط من أجل الإصلاحات، فإنه يمثل نموذجاً سياسياً جديداً، ينبغي أن يكون مصدر إلهام للعراق والمنطقة، إذ يكشف صعوده أن قادة الميليشيات الطائفية، يمكنهم تغيير مسارهم واستخدام شعبيتهم، لتهيئة حالة من الانسجام في المجتمعات المنقسمة بشدة على أسس دينية، إضافة إلى التركيز على القضايا المدنية التي تؤثر في حياة الناس اليومية.
ليس رجل أمريكا
حتى بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الصدر فرصة لتحقيق الاستقرار الدائم، في البلد الذي انخرطت فيه، منذ ما يقرب من عقدين، إذ أشار إلى أنه قد يكون على استعداد لقبول وجود القوات الأمريكية في العراق في دور استشاري، وبذلك منح إدارة الرئيس بايدن طريقة لحفظ ماء الوجه، لسحب أغلبية قواتها من البلاد، وفقًا للمجلة.
وقالت "فورين بوليسي": صحيح أن مقتدى الصدر ليس رجل أمريكا، لكنه ليس رجل إيران أيضاً، إذ إن طموحه لاحتواء طهران، يتداخل مع طموح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
ورغم أن العراقيين يعرفون أنه لا يملك الدواء الشافي لأزمات البلاد العديدة، وأن سياسة المحسوبية والفساد لن تختفي بين عشية وضحاها، فإن صوت الصدر القوي يمثل إضافة إلى أصوات الجماهير اليائسة والضعيفة، التي تسعى إلى تغيير بلدها والحصول على حصتها في ثروتها النفطية في شكل وظائف، وإسكان أفضل، وإمدادات كهربائية كافية.