الصومال بين مطرقة داعش وسندان الشباب... هل تنجح مقديشو في تحييد الإرهاب؟

أعلنت قوات الامن الصومالية، قتل مسؤول العمليات بتنظيم داعش الإرهابي، في إقليم بري شمال شرقي البلاد.

الصومال بين مطرقة داعش وسندان الشباب... هل تنجح مقديشو في تحييد الإرهاب؟

السياق

عمليات عسكرية زادت وتيرتها الفترة الأخيرة في الصومال، لاستئصال آفة الإرهاب، قوبلت بتحركات مكثفة من «داعش» وحركة الشباب اللذين حاولا الانقلاب على النجاحات التي حققتها مقديشو.

وبين العهد الذي قطعه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في مايو الماضي، بتطهير بلاده من الإرهاب، ووضعها على طريق الاستقرار، ومحاولة الحركات الإرهابية التي اتخذت من الرخوة الأمنية في الصومال مناخًا، للانتشار والتمدد، كانت مقديشو في المنطقة الرمادية.

تلك المنطقة التي تحاول الرئاسة الصومالية دفع البلد الإفريقي منها دفعًا إلى آفاق الاستقرار، تسعى الحركات الإرهابية -في الجهة المقابلة- إلى حشد قواها، لإعادة ضبط عقارب الساعة في اتجاهها.

 

فهل ينجح الصومال في تحييد الإرهاب؟

6 كلمات حملها سؤال يحتاج إلى كثير من الأوراق للإجابة عنه، لطبيعة المشهد المعقد في البلد الإفريقي، والتحديات التي تقف عائقا أمام الوصول إلى إجابة شافية له.

إلا أن النجاحات التي سجلها الجيش الصومالي، وحصده رؤوس قيادات حركة الشباب وتنظيم داعش، وما صاحب ذلك من تأييد شعبي جارف، جعل مقديشو أقرب إلى التخلص من آفة الإرهاب أكثر من أي وقت مضى.

إلا أن هذا التخلص يستدعي رفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال، ما دفع مجلس الوزراء الصومالي إلى عقد اجتماع الخميس، في العاصمة مقديشو، قرر خلاله تشكيل لجنة للعمل على رفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال، لتعزيز الحرب على الإرهاب وبناء قدرات الجيش.

وبينما أشاد المجلس بالنجاحات المتتالية التي تحققت في عمليات تحرير مناطق من الحركة الإرهابية، قدمت وزارتا الأمن الداخلي والدفاع للمجلس الوزراء الصومالي، في الاجتماع، معلومات عن آخر الأوضاع والعمليات الأمنية لتحرير البلاد من حركة الشباب الإرهابية.

 

عمليات ضد داعش

من التحركات الدولية إلى المحلية، كان الصومال على موعد مع نجاحات سطرتها صفحات العام الجديد كان آخرها، ما نشرته وكالة الأنباء الصومالية، الجمعة، بإعلانها أن قوات الأمن بولاية بونتلاند الصومالية، أكدت قتل مسؤول العمليات بتنظيم داعش الإرهابي، في إقليم بري شمال شرقي البلاد.

وقالت قوات الأمن، في البيان الذي اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن قتل القيادي الإرهابي جاء إثر هجوم شنه التنظيم فجر الجمعة، واستهدف مركزًا عسكريًا بإحدى قرى المحافظة، إلا أن القوات الأمنية صدته وتمكنت من قتل الإرهابي أبو البراء الأماني، الذي عين في يوليو 2021، مسؤول العمليات بالتنظيم، خلفًا للمسؤول السابق أبو وليد المهاجر، الذي توفي إثر إصابات بليغة في عمليات لقوات الأمن الصومالية.

وبحسب البيان الحكومي، فإن القيادي الذي قُتل يتحدر من إقليم أمهرة في إثيوبيا، ودفع عديد الشباب الإثيوبيين للانضمام إلى «داعش».

تلك العملية قد تضع حدًا لمحاولات انتشار التنظيم في الصومال، الذي ينفذ عمليات إرهابية محدودة، استنسخ فيها أسلوب حركة الشباب، في جمع الأموال عبر فرض إتاوات على رجال الأعمال والتهديد بالقتل.

ورغم أن أثر تلك العملية في تحييد داعش، الذي ظهر في الصومال عام 2015، واتخذ من مناطق جبلية شمال شرقي البلاد ملاذًا له، ليس بالأمر المؤكد، فإن التنظيم الإرهابي، تقف أمام عمليه توسعه في البلد الإفريقي عقبات عدة، أبرزها محاصرته في المناطق الجبلية من القوات الأمنية، إضافة إلى أن العداء بينه وحركة الشباب الإرهابي يعرقل محاولات تمدده في بقية مناطق الصومال.

 

إرهاب الشباب

من «داعش» إلى حركة الشباب، كان الصومال الجريح، على موعد مع زيادة وتيرة العمليات الإرهابية للحركة، التي أمعنت في الأهالي القتل والاغتصاب والسرقة، أملًا في أن يكون ترويع الآمنين سبيلًا لانتشارها، والاستحواذ على دعائم مالية ترتكز عليها.

إلا أن الجيش الصومالي كثف تحركاته العسكرية ضد حركة الشباب الإرهابية في محافظة شبيلي الوسطى جنوب البلاد، كان آخرها ما أعلنه الخميس، من استعادة منطقة استراتيجية في شبيلي الوسطى.

وقال المتحدث العسكري باسم وزارة الدفاع العميد عبدالله علي عانود، إن القوات المسلحة استعادت منطقة عيل بعد في شبيلي الوسطى، التي كانت تحت سيطرة المليشيات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة، بحسب وكالة الأنباء الصومالية.

وبينما قال المسؤول العسكري، إن الجيش الصومالي نفذ عمليات أمنية واستطاع السيطرة على المنطقة الواقعة وسط البلاد، أشار إلى أن العمليات ضد الإرهابيين ستستمر حتى تطهير المليشيات من المناطق التي تقع تحت سيطرتهم.

ولم تكن استعادة منطقة عيل وحدها آخر النجاحات العسكرية، بل إن وكالة الأنباء الصومالية قالت -الأسبوع الماضي- إن عملية عسكرية مخططة، نفذتها القوة الحربية في جهاز المخابرات بالتعاون مع شركاء دوليين، تمكنت من قتل 61 مسلحًا من حركة الشباب الإرهابية وإصابة آخرين، في منطقة حوادلي بمحافظة شبيلى الوسطى جنوبي البلد الإفريقي.

واستهدفت العملية العسكرية تجمعًا لمليشيات حركة الشباب، يصل إلى 150 مصحوبًا بسيارات مفخخة للهجوم على قواعد الجيش والقوات المحلية.

 

التحرك الأول من نوعه

ولم يكن التحرك لوأد إرهاب الشباب من الجيش والحكومة فقط، فللمرة الأولى تشهد العاصمة مقديشو، مظاهرة حاشدة بمشاركة رسمية وشعبية، لدعم الحكومة الصومالية في حربها ضد الإرهاب.

تلك المظاهرة التي شارك فيها قرابة 20 ألف صومالي تحت حراسة أمنية، ألقى فيها الرئيس حسن شيخ محمود خطابًا، أكد فيه أن البلد الإفريقي عازم على المضي قدمًا في الاتجاه الصحيح للقضاء على حركة الشباب الإرهابية.

 

من أين حصل "الشباب" على التمويل؟

حسب تقرير لمجلس الأمن نُشر العام الماضي، فإن فريق المراقبة استمر في تلقي تقارير تفيد بأن حركة الشباب الصومالية تنفق 24 مليون دولار سنوياً على الأسلحة والمتفجرات، وتكسب ما بين 50 و100 مليون دولار.

ورغم ذلك التقرير فإن رئيس الوزراء الصومالي حمزة بري أعلن قبل يومين، أن حركة الشباب الإرهابية تقترب من الإفلاس، بعد الحرب الاقتصادية التي شنتها السلطات في مقديشو عليها.

وفي تصريحات له أمام الجالية الصومالية بمصر، على هامش زيارته للقاهرة، قال بري إن الحكومة أغلقت 250 حسابًا مشبوهًا في أربعة مصارف، وحجبتها، مشيرًا إلى أن السلطات الأمنية والقضائية في بلاده تحقق في الموارد المالية للحركة، التي تعاني وضعًا اقتصاديًا صعبًا، بعد اعتقال عشرات المتعاونين مع حركة الشباب، الذين تورطوا في استلام الأموال.

 

وصفة النجاح 

يقول مراقبون، إن على الصومال العمل على تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية، لغلق الباب أمام انضمام الصوماليين إلى تنظيم داعش وحركة الشباب، ووأد آمال الإرهابيين في إعادة التموضع.

وأكد المركز الأوروبي لمكافحة التطرف، أن على الصومال معالجة الظروف الأساسية التي دفعت نحو التطرف، فسنوات من التفاوتات والمصاعب الاجتماعية والاقتصادية، قادت إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وتوسُّع القاعدة التي يُحتَمَل أن تلجأ إلى التطرف.

وأوضح أن على الدول الغربية عدم قطع دعمها للحكومات في إفريقيا خاصة الصومال، لمنع الإرهابيين من السيطرة على مناطق في البلد الإفريقي، مشيرًا إلى أن تخفيض إدارة بايدن دعمها للجيش الصومالي الذي يقاتل حركة الشباب، تُرجم ببعض المكاسب الإقليمية للجماعات الإرهابية.

وأكد ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤوليته تجاه القارة السمراء في ما يتعلق بمواجهة الإرهاب، سواء من خلال تقديم دعم عسكري مباشر أو تقديم المعلومات الاستخباراتية أو دعم ميزانيات التسليح التي يستهدف منها مواجهة تمدد هذه التنظيمات.

كما أكد ضرورة استمرار عمل التحالف الدولي لمواجهة داعش، وأن يكون مركز عملياته في إفريقيا، لنجاح التنظيم بشكل كبير في التمركز بالقارة السمراء.