هل يتوافق فرقاء السودان على المبادرة المصرية؟
في الأيام الماضية، كثفت مصر خطواتها الحثيثة، كطرف موثوق لدى معظم الأطراف السودانية، محاولة الوصول إلى نقطة تماس بين كل الأطراف، للبناء عليها في المرحلة المقبلة.

السياق
على وقع احتجاجات لم تهدأ وتيرتها وإن خفت وميضها، كانت الأزمة السودانية على موعد مع انفراجة مؤقتة، سرعان ما دبت الانقسامات بشأنها، وسط تحذيرات بإعادة الوضع في البلد الإفريقي إلى الصفر.
فبعد قرابة شهر من توقيع الاتفاق الإطاري، بين مجلس السيادة وقوى إعلان الحرية والتغيير، المجلس المركزي ومجموعات متحالفة معها، كانت الكتلة الديمقراطية وقوى أخرى تقف في الجهة المقابلة متوعدة بإسقاطه، محذرة من المضي قدمًا فيه.
إلا أن جمودًا في المسار السياسي شق طريقه إلى الفرقاء السياسيين، كسره أمران أولهما: انطلاق المرحلة النهائية للعملية السياسية الأسبوع الماضي، وتأكيد الجيش السوداني عزمه على «الخضوع» لسلطة مدنية، بينما الآخر: بزوغ فجر مبادرة مصرية، رفضها بعض الأطراف.
وبين الانفراجة المؤقتة والمبادرة المعلقة، ما زال موقف الكتلة الديمقراطية متحجرًا عند النقطة التي توقف فيها، مؤكدة أنها في طريقها لإسقاط الاتفاق الإطاري، من دون أن تحدد آليات لذلك.
لم تكن الكتلة الديمقراطية وحدها، التي تقف في الخندق متربصة بالاتفاق الإطاري، بل إن طرفين متنازعين في المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، أكدا رفضهما الاشتراك في العملية السياسية، مهددين بسحب الاعتراف بالسلطة المركزية في الخرطوم، وإشعال الحرب، والانفصال بالإقليم.
وفي تصريحات لوسائل إعلام محلية، جدد الطرفان تمسكهما بإلغاء مسار شرق السودان ضمن اتفاقية سلام جوبا، وفتح منبر تفاوضي مستقل خاص بالإقليم، يمكن أهله من بحث قضاياهم.
من جانبه، قال أمين الإعلام بالمجلس الأعلى لنظارات البجا عبدالباسط ود حاشي، إن المجلس لديه مطالب وبنود، سيتعامل مع كل من يقبلها، حتى لو كان المجلس المركزي للحرية والتغيير، بينها إلغاء المسار وتخصيص منبر تفاوضي مستقل لشرق السودان.
أمام تأزم المواقف، نفضت مصر الغبار عن مبادرتها التي طرحتها الشهر الجاري، محاولة القفز على الجمود الذي يهدد العملية السياسية في السودان.
فماذا فعلت؟
في الأيام الماضية، كثفت مصر خطواتها الحثيثة، كطرف موثوق لدى معظم الأطراف السودانية، محاولة الوصول إلى نقطة تماس بين كل الأطراف، للبناء عليها في المرحلة المقبلة.
فعلى هامش زيارة أجراها رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل في 2 يناير الجاري، إلى العاصمة الخرطوم أجرى خلالها مشاورات مكثفة شملت أطراف الأزمة السياسية من المدنيين والعسكريين، قدَّم خلالها مقترحاً باستضافة بلاده اجتماعًا بين أطراف الحرية والتغيير –المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية- لردم هوة الخلافات المتسعة بين الطرفين.
إلا أنه بعد مرور أيام من ذلك المقترح، رفض المتحدث باسم الحرية والتغيير جعفر حسن، الدعوة المصرية، مشيرًا إلى أن قوى الحرية طالبته بدعم الاتفاق الإطاري وإقناع الأطراف الرافضة بالانضمام إليه.
ويرى نائب رئيس الكتلة الديمقراطية، رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، المبادرة المصرية، بديلا للاتفاق الإطاري غير المتفق عليه، مضيفًا: هذه رؤية نرحب بها، وليس لدينا اعتراض عليها والمسؤول المصري رأيه أن يساعد السودانيين لتجاوز خلافاتهم.
وقال إن هناك أطرافًا -لم يسمها- تقف ضد المقترح المصري لاعتبارات، بينها المراهنة على جهات خارجية أخرى داعمة لموقفهم، يعدونها أهم من الدعم المصري.
خطوات مصرية مكثفة
ورغم أن الدعوة المصرية لم تجد قبولًا من جميع الأطراف، فإن القاهرة واصلت مد يدها إلى جارتها، آملة أن تسهم مبادرتها في حلحلة الأزمة بين الفرقاء السودانيين.
فعضو مجلس السيادة السوداني الهادي إدريس، التقى -الخميس في العاصمة الخرطوم- السفير المصري هاني صلاح، لاستعراض تحركات مصر، وما طرحته من أفكار ومبادرات للأطراف السودانية للتوصل إلى توافق سياسي بين مختلف القوى والمكونات، بحسب بيان مجلس السيادة.
وبينما قال البيان، إن هذه الأفكار والمبادرات تأتي في إطار دعم ما هو موجود من تفاهمات وتوافقات سودانية، أكد السفير المصري أن اللقاء شدد على أهمية استمرار القاهرة في جهودها، للحفاظ على وحدة السودان واستقراره، وسرعة التوصل إلى رؤية مشتركة بين القوى السياسية، حتى تتمكن من تجاوز مرحلة الانتقال.
لقاء الخميس جاء بعد يومين من لقاء الدبلوماسي المصري رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، لمناقشة المبادرة المصرية، في محادثات قال عنها السفير صلاح، إنه اتفق مع البرهان على أهمية توضيح المبادرة بصورة أكبر وأوسع للدوائر الرسمية والشعبية، ولتحقيق تسوية سياسية.
أسس المبادرة المصرية
أضاف الدبلوماسي المصري، أن المبادرة تأتي في إطار الدور المصري الذي يهدف إلى تعزيز وحدة السودان واستقراره، وتحقيق مصالحه وتسهيل الحوار السوداني، مشيرًا إلى أن بلاده ستعمل على توضيح جوانب المبادرة المصرية، لمعرفة هدفها.
ولم تقتصر المشاورات على ذلك، بل إن وزيري خارجية السودان علي الصادق ومصر سامح شكري، تبادلا –الأربعاء- أطراف الحديث عن المبادرة، بحسب بيان للخارجية المصرية، اطلعت «السياق» على نسخة منه، أكدت فيه، أن الوزيرين اتفقا على أهمية تفعيل أعمال اللجان السياسية والفنية ودفع المشروعات المشتركة، بما في ذلك مشروعات الربط الكهربائي والسكك الحديدية وتطوير التبادل التجاري، فضلًا عن إحكام التنسيق وتوحيد المواقف وتبادل الدعم في المنابر الإقليمية والدولية.
وأعلن شكري -في الاتصال الهاتفي- قبوله دعوة نظيره السوداني لزيارة الخرطوم، على أن تُنسق لها وزارتا خارجية البلدين لإكمالها في أقرب وقت، التي ستتضمن الحديث عن المبادرة المصرية.
هل المبادرة بديلة للاتفاق الإطاري؟
الأطراف السودانية لم تكن بعيدة عن تلك المبادرة، خاصة تلك المشتركة في الاتفاق الإطاري، فالمتحدث الرسمي باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف، قال إن مصر ليست لديها مبادرة بديلة للعملية السياسية التي يقودها السودانيون.
وفي مؤتمر صحفي، في أعقاب ختام أعمال مؤتمر تجديد عملية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو مساء الخميس، قال يوسف المعين حديثًا، إن السفير المصري أكد له دعم الحكومة المصرية للعملية السياسية الحالية، مشيرًا إلى أن مصر ليست لديها مبادرة موازية، ونرحب بالجهود الدولية التي تدعم وتسهل العملية السياسية.
المتحدث الرسمي باسم العملية السياسية، قال إن المرحلة المقبلة ستشهد مشاورات واسعة بشأن القضايا الأربع المتبقية، مشددًا على أهمية الوقت والوصول بسرعة للصيغة النهائية للاتفاق، بأوسع مشاركة من أصحاب المصلحة.