دبابات غربية تدخل ساحة الحرب الأوكرانية... هل تغير مسار الحرب؟
يقول الجنرال فاليري زالوغني، أكبر قائد عسكري في أوكرانيا، إنه بحاجة إلى قرابة 300 دبابة غربية ونحو 600 عربة قتال مدرعة لإحداث فرق على أرض المعركة

ترجمات - السياق
يبدو أن الغرب بدأ مرحلة جديدة من "كسر المحظور" في مساعداته لأوكرانيا، إذ من المقرر إرسال دفعة جديدة من الدبابات، التي كان يُنظر إليها على أنها "قد تثير استفزاز موسكو بشدة"، بعد مد كييف بمجموعة من الأسلحة التي أثارت جدلا كبيرًا، وساعدت في تغيير مجرى الحرب، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
ومع هجوم روسي جديد متوقع، يرى المسؤولون الغربيون أن هناك حاجة ملحة لدعم كييف، لتحويل التوازن على الأرض.
ويخشى المسؤولون الغربيون أن تكون أوكرانيا غير مستعدة بشكل كافٍ، لصد هجوم روسي متوقع خلال الربيع المقبل، لذلك يتحركون بسرعة لمنح الأوكرانيين أسلحة متطورة، رفضوا إرسالها خوفًا من استفزاز موسكو.
وخلال الأسابيع الماضية، سقط حاجز تلو الآخر، بدءًا من اتفاق أبرمته الولايات المتحدة أواخر ديسمبر لإرسال نظام دفاع جوي "باتريوت"، وتبع ذلك التزام ألماني -الأسبوع الماضي- بتوفير بطارية صواريخ باتريوت، وفي غضون ساعات، وعدت فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة بإرسال مركبات قتالية مدرعة إلى ساحات القتال في أوكرانيا لأول مرة.
الآن -حسب الصحيفة- يبدو من المحتمل إضافة الدبابات الغربية الحديثة إلى القائمة المتزايدة للأسلحة القوية، التي ترسل إلى أوكرانيا، حيث تتخذ الولايات المتحدة وحلفاؤها مزيدًا من المخاطر للدفاع عن أوكرانيا، خاصة أن جيشها حقق تقدمًا غير متوقع وصمد أمام الهجمات الروسية المُهلكة الأخيرة.
إرضاء أوكرانيا
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أنه بينما كانت أوكرانيا تطلب دبابات متطورة منذ بداية الحرب، فإن الدفع للاستجابة لتلك المناشدات ازداد بسرعة هذا الأسبوع، حيث حثت الحكومتان البريطانية والبولندية على تغيير موقف التحالف الغربي.
وبينما نوه البريطانيون إلى أنهم على وشك الموافقة على إرسال عدد صغير من الدبابات، قالت الحكومة البولندية إنها سترسل بعض دباباتها الألمانية الصُنع لأوكرانيا، رغم أن برلين يجب أن تسمح بذلك.
وحسب الصحيفة، تأمل أوكرانيا أن يؤدي "الضغط المتزايد" إلى إقناع المستشار الألماني، أولاف شولتز، بالسماح بتصدير دبابات ألمانية الصُنع إلى أوكرانيا، ضمن ترسانات دول حلفاء الناتو الآخرين.
وأوضحت أن الدبابات، التي تسمى ليوبارد2، بين أكثر الدبابات التي تطمع فيها كييف، ويقول الخبراء إنها ستزيد قدرة أوكرانيا على صد القوات الروسية بأعداد كبيرة.
بدوره، رحب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتصريح نظيره البولندي، قائلًا إن بلاده تتوقع "قرارًا مشتركًا" لدول أخرى مستعدة لإرسال دبابات "ليوبارد".
كان الرئيس البولندي أندريه دودا، قد أعلن أن وارسو مستعدة لإرسال عدد من الدبابات من طراز ليوبارد لكييف، بناءً على طلبها.
وقال زيلينسكي لمحطة التلفزيون الحكومية البولندية تي في بي إنفو، الخميس: "يجب على شخص ما أن يكون دائمًا قدوة"، في إشارة إلى أن إقدام الرئيس البولندي على هذه الخطوة -دعم كييف بدبابات ليوبارد2- سيفتح الآفاق أمام بقية الدول الأعضاءفي "الناتو" لدعم بلاده.
وحسب ما ذكره متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية، لم يتخذ أي قرار بهذا الشأن من حكومة شولتز.
لكن شركاءه في الحكومة الألمانية، يؤيدون إرسال الدبابات لدعم كييف، وقال وزير الاقتصاد الألماني ونائب المستشار، روبرت هابيك، الخميس: "هناك فرق بين اتخاذ قرار بنفسك ومنع الآخرين من اتخاذ قرار".
وبينت الصحيفة، أن الدبابات ، المصممة منذ أكثر من قرن لاختراق الخنادق، تعد مزيجًا من القوة النارية والحركة وتأثير الصدمة، إذ إنها مسلحة بمدافع كبيرة، تتحرك على دواسات معدنية ومبنية بدروع واقية أقوى من أي سلاح آخر في ساحة المعركة، كما يمكن لهذه الدبابات تجاوز التضاريس الوعرة أو الموحلة أو الرملية، بخلاف المركبات القتالية ذات العجلات، التي تعاني في هذه التضاريس.
وفي أوكرانيا، يقول المسؤولون إن "المركبات المدرعة ستلعب دورًا رئيسًا في معارك السيطرة على البلدات والمدن المتنازع عليها بشدة في المقاطعات الشرقية المتاخمة لروسيا".
وقال الجنرال فاليري زالوغني، أكبر قائد عسكري في أوكرانيا، إنه يحتاج إلى قرابة 300 دبابة غربية ونحو 600 عربة قتال مدرعة لإحداث فرق على أرض المعركة.
وحسب الصحيفة، تتزايد الحاجة الأوكرانية، إلى هذه الأسلحة، لاستخدامها في ساحة المعركة الملتهبة شرقي البلاد، حيث يحاول الروس منذ أشهر الاستيلاء على مدينة باخموت والمنطقة المحيطة بها ، ورغم معاناتهم بعض الخسائر فإنهم حققوا بعض النجاحات على الأرض.
صراع مباشر
وحسب "نيويورك تايمز" فإنه منذ أن بدأت الحرب قبل نحو عام، قاوم الغرب إعطاء بعض أقوى أسلحته لأوكرانيا، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى دخول "الناتو" في صراع مباشر مع روسيا.
لكن بالنظر إلى تصميم أوكرانيا على المقاومة، والاحتمالات الضئيلة لمحادثات السلام في أي وقت قريب، والمأزق في ساحة المعركة، فإن حلفاء "الناتو" يتراجعون عن موقفهم.
وتعد صواريخ باتريوت -التي اتفقوا عليها مؤخرًا- أكثر أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية تقدمًا، وستساعد في حماية كييف وغيرها من المناطق المكتظة بالسكان، من الضربات الروسية التي أصابت شبكة الكهرباء الأوكرانية بالشلل.
وتعد المركبات القتالية المدرعة -التي تمت الموافقة عليها الأسبوع الماضي- أخف وأسهل للمناورة في ساحة المعركة من الدبابات، ويمكن أن تحمل مزيدًا من القوات، لكنها ليست بالقوة نفسها.
وبينت الصحيفة، أنه لا تزال هناك أسلحة لم ينظر فيها، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والصواريخ بعيدة المدى، التي يمكن أن تضرب شبه جزيرة القرم المحتلة وروسيا نفسها.
كما لا تزال إدارة بايدن، التي تقود الحلفاء الذين يزودون أوكرانيا بالأسلحة، تحجز دبابات إم1 أبرامز الأمريكية الصُنع، التي تتطلب صيانة مستمرة ووقودًا خاصًا، والتي يقول المسؤولون إنها نادرة للغاية.
لكن المسؤولين الأمريكيين يؤكدون أنهم لم يقفوا في طريق ألمانيا ولا أي دولة ترسل دبابات غربية إلى أوكرانيا.
وأشارت الصحيفة، إلى أن هناك ما يقدر بنحو 2000 دبابة ليوبارد ألمانية الصُنع، في أكثر من عشرة جيوش بأوروبا، ويمكن شحن بعضها بسرعة إلى أوكرانيا إذا وافقت برلين، رغم أنه يتعين تدريب الأطقم الأوكرانية على استخدامها.
كسر الجمود
ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤول عسكري غربي كبير قوله: تغيير ميزان القوة شرقي أوكرانيا ضروري لكسر "الجمود في الحرب".
وأوضح أن إرسال عدد كافٍ من دبابات القتال الغربية الحديثة وغيرها من المركبات القتالية، يمكن أن يساعد في قلب هذا التوازن.
وأشار إلى أنه من دون الدبابات، العنصر القوي في الحرب البرية، من غير المرجح أن تتمكن أوكرانيا من استعادة مساحات كبيرة من الأراضي.
من جانبها، قالت لورا كوبر، نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون روسيا وأوكرانيا وأوراسيا: "الحرب في أوكرانيا تمر بمرحلة حرجة في الوقت الحالي، وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا لمساعدة الأوكرانيين في مواصلة مقاومة العدوان الروسي".
وأضافت: "هذا هو الوقت المناسب لأوكرانيا للاستفادة من قدراتها، لتغيير الديناميكية في ساحة المعركة".
وأوضحت كوبر أن سلطة السحب الرئاسي الأخيرة، هي الأكبر التي التزمت بها الولايات المتحدة حتى الآن، حيث تسحب 2.85 مليار دولار من المعدات العسكرية من مخزونات الجيش الأمريكي، و225 مليون دولار إضافية من التمويل العسكري الأجنبي، للمساهمة في القدرة طويلة الأجل وتحديث الجيش الأوكراني.
كما تتضمن 682 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي للشركاء الأوروبيين والحلفاء، للمساعدة في تحفيز وتعويض التبرعات من المعدات العسكرية التي قدمت لأوكرانيا.
وتشمل المعدات، 50 مركبة قتالية برادلي، لتجهيز كتيبة مشاة ميكانيكية، مع 500 صاروخ تاو مضاد للدروع، و250 ألف طلقة ذخيرة من عيار 25 ملم، وهو عيار المدفع المجهزة به برادلي.
كما تشمل المساعدة 100 ناقلة أفراد مدرعة من طراز إم - 113 و50 مركبة مقاومة للألغام و138 عربة "هامفي".
وأضافت كوبر أن المدفعية توفر للأوكرانيين قدرات تظل حاسمة في المعركة، حيث سلموا 18 مدفع هاوتزر عيار 155 ملم و36 مدفعًا عيار 105 ملم، مع آلاف الطلقات للمدفعين.
كما ستوفر الولايات المتحدة قدرات مضادة للطائرات، بما في ذلك صواريخ "ريم - 7" و4 آلاف صاروخ "زوني"، فضلاً عن أجهزة للرؤية الليلية وبنادق قنص ومدافع رشاشة وقطع غيار وملابس وغير ذلك.
وقالت كوبر إن هذه القدرات ستكمل وستعمل مع التدريب الموسع، الذي تقوده الولايات المتحدة هذا الشهر، وسيعمل على بناء قدرة أوكرانيا على إجراء مناورات مشتركة.
وأكدت أن الولايات المتحدة، ستضمن أن أوكرانيا لديها المعدات والمهارات اللازمة، لمواصلة جهودها لصد العدوان الروسي، مشددة على أن المسؤولين الأمريكيين يبحثون ما تحتاج إليه أوكرانيا، لمحاربة الغزاة الروس، بحسب تلك التطورات التي تغيرت بمرور الوقت.
وقالت إنه عندما غزت روسيا في 24 فبراير 2022، كانت الحاجة العاجلة هي الأسلحة المضادة للدروع، وأرسلت الولايات المتحدة والدول الشريكة الآلاف من أنظمة غافلين، وأنظمة أخرى مماثلة إلى أوكرانيا.
إصرار أوكراني
وترى نيويورك "تايمز" أن أوكرانيا عازمة على المضي قدمًا في هجومها العسكري، إما خلال الشتاء الحالي، وإما بالربيع الموحل.
بينما قال مسؤول استخباراتي غربي كبير إن روسيا تخطط لهجوم جديد في الربيع، مضيفًا أن أوكرانيا "لا تريدهم أن يلتقطوا أنفاسهم" من الآن حتى موعد بدء جولة القتال المكثفة.
وأشار الخبير الدفاعي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، كاميل غراند، إلى أن موسكو تحشد على ما يبدو مئات الآلاف من المجندين الجدد لشن هجومها.
وقال إن هذا الحشد عجّل خطوات الغرب بإرسال الدبابات إلى أوكرانيا، لتمكين القوات الأوكرانية من تحقيق تقدم كبير.
وحسب غراند "قد تمنح الدبابات القوات الأوكرانية "نوعًا من الانتصار الحاسم الذي من شأنه فرض السلام على الروس، أو على الأقل لتحقيق هذا التقدم المهم، بحيث تكون أي تسوية تفاوضية أكثر على شروطهم من الشروط الروسية".
ومن المتوقع أن تتطرق مسألة السماح بإرسال الدبابات الجديدة إلى أوكرانيا في اجتماع 20 يناير لكبار المسؤولين الدفاعيين والعسكريين من عشرات الدول، بما في ذلك دول الناتو، في قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا.
وقالت بريطانيا إنها تدرس إرسال ما لا يقل عن 10 دبابات تشالنغر2 إلى أوكرانيا.
بينما قالت كلوديا ميغور، التى ترأس مجموعة أبحاث السياسات الأمنية فى معهد برلين للشؤون الدولية والأمنية، إن موافقة واشنطن الصريحة ستكون حاسمة في دفع شولتز للموافقة على صفقة الدبابات، حيث كان ذلك حاسمًا في قرار إرسال المركبات القتالية الألمانية الصنع المعروفة بماردر.
وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن -بشرط عدم كشف هويته- إن واشنطن لن تتدخل لدفع برلين لإرسال الدبابات إلى أوكرانيا، مشيرًا إلى أن الحكومة الألمانية تتخذ قراراتها بشأن مستوى الدعم العسكري لكييف بعيدًا عن واشنطن.
وينظر الألمان إلى هذا الموقف على أنه تراجع في الموقف الأمريكي، وفقًا لميغور، كما يعكس سبب إحجام واشنطن عن إرسال دبابات أبرامز إلى أوكرانيا حتى الآن.
من جانبه، توقع نوربرت روتغن، وهو مشرع ألماني معارض وخبير في السياسة الخارجية، أن تسلم حكومة شولتز دبابات ليوبارد لأوكرانيا، تحت ضغط الحلفاء، كما فعلت مع مدافع الهاوتزر الألمانية الصُنع ومركبات المشاة القتالية المدرعة.
وقال روتغن إن شولتز وحزبه "يريدان الحفاظ على العلاقة مع روسيا وبوتين في المستقبل، ويعتقدان أنه إذا أعطى أوكرانيا أفضل ما لدى ألمانيا، فإن روسيا ستدرك أن هذا كسر لعلاقة خاصة"، مضيفًا: "لكن الضغط من الحلفاء أصبح قويًا".