اجتماع خماسي في بريطانيا... حل للأزمة أم وصاية غربية على ليبيا؟

يجتمع مبعوثون خاصون من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة في واشنطن، لمناقشة خطواتهم التالية، بعد فشل مجلسي النواب والأعلى للدولة -الأسبوع الماضي- في التوصل إلى اتفاق نهائي في القاهرة

اجتماع خماسي في بريطانيا... حل للأزمة أم وصاية غربية على ليبيا؟

السياق

على طريق الانتخابات الليبية المُلغم بـ«القوة القاهرة»، كانت التحديات الجسام عائقًا أمام الوصول إلى محطة الاستحقاق الديمقراطي، ما وضع البلد الإفريقي أمام مشهد منقسم يسوده الصراع وتؤرِّقه التوترات.

أمام هذا الوضع، حاول مجلسا النواب والأعلى للدولة، القفز فوق خلافاتهما نحو استكمال الطريق إلى القاعدة الدستورية، لكن خلافات على البنود المثيرة للجدل، ما زالت عائقًا أمام أي توافق محتمل، بينما كانت حكومة عبدالحميد الدبيبة منتهية الولاية تسابق الخطى نحو إرساء سلطتها بحُكم الأمر الواقع، متخذة من حالة التشظي عاملًا للاستمرار والتمكين.

ذلك المشهد، أفشل الحلول الإقليمية والدولية، التي كانت تحاول تمهيد الطريق أمام الفرقاء، للمضي قدمًا نحو الانتخابات، أملًا في إنهاء تلك المرحلة من عمر ليبيا، وإرساء خارطة طريق تقود إلى وحدة المؤسسات، وانتخاب قوى جديدة قادرة على قيادة البلد الإفريقي.

وما أن فشلت الحلول وسُدت الطرق، حتى استدعت القوى الغربية الخطة (ب) من الأدراج، محاولة التفتيش في جوانبها عن حلول للأزمة، وتطويعها لتناسب المرحلة المقبلة.

وللمضي قدمًا، يجتمع مبعوثون خاصون من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة في واشنطن، لمناقشة خطواتهم التالية، بعد فشل مجلسي النواب والأعلى للدولة -الأسبوع الماضي- في التوصل إلى اتفاق نهائي في القاهرة، على الأساس الدستوري للانتخابات الوطنية.

 

فقدان الصبر

تقول صحيفة الغارديان، إن القادة الغربيين يفقدون صبرهم مع النخبة السياسية الليبية الراسخة، التي فشلت في الاتفاق على أسس إجراء الانتخابات أكثر من عام، لكنها رفعت رواتب السياسيين بأكثر من 40%، وفقًا للأرقام الرسمية.

وأُجهضت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر 2021، بينما أُلغيت الانتخابات المخططة لعام 2022 بسبب خلافات على شروط الترشح، أخفت إحجامًا أكبر من السياسيين شرقي وغربي البلاد، عن المخاطرة بعملية ديمقراطية، قد تمنح الفائز كل شيء.

ونقلت الصحيفة البريطانيين عن أحد الدبلوماسيين الغربيين الغاضبين، قوله «إنهم يبذلون جهودًا مخلصة في الوساطة، لكن الطابع الثابت للعديد من السياسيين الليبيين -على جانبي الانقسام- التشدق بضرورة الانتخابات، ثم القيام بكل ما هو ممكن لإجهاضها، حتى يتمكنوا من الاستمرار في ملء جيوبهم»، مضيفًا: «قد نضطر إلى التوقف عن الأمل بأن نتمكن من إقناع هؤلاء بالموافقة على الانتخابات وإيجاد طريقة للتغلب عليهم بدلاً من ذلك».

 

خارطة طريق جديدة

يبحث اجتماع المبعوثين الخاصين، بدعوة من المبعوث والسفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نورلاند، كيفية إجراء الانتخابات، وما إذا كان يجب حث المبعوث الأممي عبدالله باثيلي على تحديد موعد نهائي، لإنشاء هيئة وطنية ليبية، للاتفاق على الانتخابات.

ورغم أنه من المتوقع أن يصل نمو الاقتصاد الليبي إلى 17.9% هذا العام، بمعدل هو الأعلى في إفريقيا، تظهر تقديرات أن ما يقرب من ثلث الليبيين، خاصة في الجنوب، يعيشون عند خط الفقر أو تحته.

ودار القادة السياسيون الليبيون في فلك دوائر مغلقة، بمقترحات متنافسة على الأساس الدستوري للانتخابات، كان آخرها ما استضافته القاهرة من محادثات بين رئيسي مجلس النواب عقيلة صالح، والأعلى للدولة خالد المشري، أحرزت بعض التقدم، لكنها لم تحسم ما إذا كان بإمكان مزدوجي الجنسية الترشح للرئاسة، أو إلى متى يضطر المرشحون إلى الاستقالة بشكل دائم من أي منصب، إذا كانوا يرغبون في الترشح؟

وبينما زعم نورلاند أنه لا يوجد ما يمنع مشري وصالح من تحديد موعد الانتخابات، لكن الرجلين رفضا ذلك، قالت المبعوثة الأممية السابقة للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني ويليامز، إن الطبقة الحاكمة للمعاملات، التي يمكن تتبع بعض شبكاتها إلى أيام النظام السابق، تستخدم مؤسسات الدولة والمؤسسات السيادية الليبية كـ«أبقار نقدية»، مشيرة إلى أن بعض السياسيين الليبيين لا يرون الحاجة لإجراء انتخابات.

وبينما يسود الإحباط الشعبي المشهد، جراء تعثر الانتخابات، يقول عارف النايض رئيس حركة إحياء ليبيا، في بيان، إن ما يمنع إجراء الاستحقاق الدستوري، طغمة سياسية فاسدة تتقاتل على كل شيء، لكنها متحدة في مصادرة حق الشعب الليبي في تقرير مصيرهم وتقاسم ثروتهم.

وقالت زهرة لنقي، الناشطة بمجال حقوق المرأة، في تصريحات لـ«الغارديان»: «النخب السياسية استفادت من ثقافة الإفلات من العقاب»، مشيرة إلى أن ليبيا تشهد حالة من الجمود في المسار السياسي والانقسام والاستيلاء على مؤسسات الدولة، التي تصادر حق الشعب الليبي في انتخاب ممثليه.

ويدور الجدل بين الدبلوماسيين الغربيين، على تحديد موعد نهائي صارم للمؤسسات السياسية الليبية، للتوصل إلى اتفاق على أساس الانتخابات، وبدء عملية جديدة، حال عدم الوفاء بهذا الموعد.

 

موقف «مشين»

إلى ذلك، وصف المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، موقف هؤلاء القادة الغربيين بـ«المشين»، مشيرًا إلى أن الاجتماع مناورة مكشوفة، لإلقاء أسباب فشلهم على الآخرين، والتمهيد للاستمرار بالسيطرة على خيوط اللعبة في الأزمة الليبية.

وأوضح المحلل الليبي، أن هؤلاء القادة نسوا أو تناسوا أنهم من جلب ونصب هذه الشخصيات الليبية الحالية، وفرضوها حكامًا على الشعب الليبي، مشيرًا إلى أنهم من منحوا الضوء الأخضر لتركيا، بأن تتغلغل في ليبيا وترسل لها آلاف المرتزقة السوريين، وأن تحتل 5 قواعد عسكرية شمالي غرب ليبيا.

وأشار إلى أن الدول الخمس التي وصفها بـ«الاستعمارية» إضافة إلى ألمانيا، طامحة في توسيع نفوذها، فعطلت انتخابات 24 ديسمبر 2021، عبر دعم حكومة الدبيبة، مؤكدًا أن اجتماعات هذه الدول وبكاءها على الحالة الليبية أشبه بـ«دموع التماسيح»، لإطالة أمد الفوضى والفساد، وتحقيق مصالحها السياسية والمالية، من حكومة وصفها بـ«الفاسدة».

وأكد المحلل الليبي أن من يدير لعبة الفوضى والفساد هي الدول الغربية، لإبقاء ليبيا دولة فاشلة فاقدة للسيادة الوطنية، حتى يسهل السيطرة عليها من سفراء هذه الدول في ليبيا، الذين هم الحكام الفعليون لطرابلس.

 

سيناريو 2021

وأشار إلى أن ذلك الاجتماع تكرار لسيناريو 24 ديسمبر 2021، فبعد أن اقتربت ليبيا من إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، نشط السفراء الغربيون و«خربوا ذلك الاستحقاق من خلال الضغط على المفوضية العليا للانتخابات، والإيعاز لعبدالحميد الدبيبة».

وبينما نجحت الجهود المصرية، في تذليل الصعاب أمام إنجاز القاعدة الدستورية، التي كانت ذريعة تعطل الانتخابات السابقة، بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، جاءت الاجتماعات الغربية لإجهاض هذه الجهود والعودة بالأزمة الليبية إلى المربع الأول، لخدمة الاستراتيجية الغربية، في إبقاء الوضع الراهن، باستمرار ليبيا تحت حكومة فاسدة وعميلة، واستمرارها تحت الوصاية الغربية.

وعن إمكانية تضافر جهود الفرقاء الليبيين لإفشال تلك الخطة، قال المحلل السياسي إن جزءًا من الفرقاء صنيعة الدول الغربية، ويعتمدون عليها في بقاء نفوذهم على العاصمة طرابلس، حيث مؤسسات الدولة، ما يمهد الطريق أمام نجاح المخططات الغربية.