انشقاقات إخوانية في ليبيا... هل تفضي إلى مواجهة مسلحة؟

قال المحلل الليبي فوزي الحداد للسياق، إن ليبيا تتجه إلى انقسام حكومي بدا يلوح في الأفق، خصوصًا بعد فشل مشاورات القاهرة، متوقعًا تكرار سيناريو حكومتي عبدالله الثني شرقي ليبيا وفايز السراج في الغرب

انشقاقات إخوانية في ليبيا... هل تفضي إلى مواجهة مسلحة؟

السياق

انشقاقات إخوانية وخارطة طريق جديدة، تطوران على طريق الأزمة الليبية الحافل بالأشواك، وسط مستقبل غامض يكتنف الأوضاع على خلفية «فشل» مشاورات القاهرة في إرساء المسار الدستوري، الذي ستجرى على أساسه الانتخابات المقبلة.

وبعد أن كانت الآمال معقودة على تلك المشاورات التي وصفت بـ«الفرصة الأخيرة» لإنقاذ ليبيا من مأزق سياسي ودستوري، يتمثل في انتهاء خارطة الطريق الأممية رسميًا اليوم، بعد عام ونصف العام من إقرارها، إلا أن فرص الحل بعيدة المنال عن البلد الإفريقي.

وما إن انتهت تلك المشاورات، حتى بات كل طرف يقدم ما لديه من حلول، ويكأنها محاولات للتنصل من مسؤوليته عن فشل تلك الاجتماعات التي عقدت في العاصمة المصرية القاهرة، طوال أسبوع.

أحد الحلول ذلك الذي كشف عن انشقاقات داخل صفوف المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، الذي يسيطر عليه «الإخوان»، طارحًا أسئلة عدة عن مستقبل التنظيم، ومدى نجاحه في إعادة ترميم أوضاعه.

 

انشقاقات إخوانية

أصدر عدد من أعضاء المجلس الأعلى للدولة بيانًا بشأن انتهاء مدة ولاية حكومة الوحدة الوطنية، وفقًا لخارطة الطريق، وانتهاء جولات حوار المسار الدستوري بالقاهرة، أكدوا فيه انتهاء المدة الزمنية لخارطة الطريق، الأمر الذي يجعل حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية.

ودعا البيان رئيس الحكومة المنتهية الولاية عبدالحميد الدبيبة، إلى تحمُّل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية، بالإسراع في تسليم مقار الحكومة السابقة للحكومة الليبية بشكل سلس اقتداءً بسلفه، وبما يعزز قيمة التداول السلمي على السلطة.

وأهاب البيان بالبعثة الأممية للدعم في ليبيا وبالمجتمع الدولي، احترام توافقات المجلسين ودعمها، والإقرار بولاية الحكومة الليبية على تراب البلاد، كونها الحكومة الشرعية المنبثقة من الأجسام الرسمية المنتخبة، مشددًا على ضرورة أن يتحمل شاغلو المناصب العليا في المؤسسات السيادية مسؤولياتهم القانونية، والانحياز للخيارات الوطنية بالتعامل حصرًا مع الحكومة الليبية، برئاسة باشاغا.

بيان أعضاء "الأعلى للدولة" الذي تسبب في حالة من الهلع لرئيس المجلس الإخواني خالد المشري، دفع الأخير لإصدار بيان، خاطب فيه البعثة الأممية، مؤكدًا موافقته على مقترحها بشأن عقد لقاء مع رئيس البرلمان عقيلة صالح، للتوافق على النقاط الخلافية، التي تسببت في فشل مشاورات القاهرة.

واقترح المشري مدينة غدامس الليبية مقرًا لاجتماعه مع عقيلة صالح، لكونها بعيدة عن الاستقطاب السياسي، على حد قوله، مشيرًا إلى أن الاجتماع المرتقب سيناقش النقاط الخلافية، ومن ثم إحالتها إلى المجلسين (النواب والأعلى للدولة) ليقولوا كلمة الفصل فيها.

 

خارطة طريق

بين هذين الموقفين، كان رئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا يقف على أهبة الاستعداد، انتظارًا لموعد انتهاء خارطة الطريق الأممية، ليقدم خطة جديدة، تتضمن تعهدات تحقق تعافي ليبيا من الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تعيشها.

واعتبر باشاغا، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، أن خارطة الطريق التي عرضها الحل الوحيد للوصول إلى بر الأمان، كونها تتضمن عملية شاملة تتماشى مع استحقاقات المرحلة، وتمهد لاستقرار بلاده عبر ثلاث نقاط رئيسة أمنية وسياسية واقتصادية.

النقاط الثلاث تضمنت انتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة وتحقيق السلام والأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي، بحسب باشاغا الذي تعهد بضمان إجراء انتخابات تضمن تصويت جميع الليبيين بلا خوف من الانتقام أو الأذى الجسدي، والالتزام بالحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار والبناء عليه.

كما تتضمن المضي قدماً في المسار العسكري ودعم اللجنة العسكرية الليبية المشتركة «5 + 5» نحو إنهاء حال الصراع، وتوحيد القوات المسلحة وإنشاء نظام قيادة واضح ينهي الاشتباكات والعنف بين الجماعات المسلحة .

 

تهديدات المليشيات

تطورات يرى مراقبون أنها ستؤدي إلى تغيير جذري في الأوضاع داخل ليبيا، إلا أنهم اختلفوا في مدى تأثير كل منها منفردًا، مؤكدين أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة بشكل كبير.

إلى ذلك، قال مختار الجدال، عضو المجلس الانتقالي السابق، في تصريحات لـ«السياق»، إن بيان مجموعة التوافق داخل "الأعلى للدولة" الداعي لإنهاء حكومة الدبيبة لن يكون له تأثير كبير، متوقعًا تراجع تلك المجموعة تحت تأثير تهديدات المليشيات المسلحة على الأرض الداعمة لحكومة الدبيبة.

وعن بيان المشري، أكد الجدال، أن رئيس الأعلى للدولة ما هو إلا واجهة فقط ولا يستطيع أن يفعل شيئًا من دون العودة لجماعته، مشيرًا إلى أنه يخشى التورط في أي أتفاق مع عقيلة صالح، لا يخدم مصلحة الجماعة والمليشيات المسلحة.

أما عن مدى إمكانية تأثير خطة باشاغا على الدبيبة ودفعه لتسليم السلطة، فقال عضو المجلس الانتقالي السابق، إن خطة باشاغا ستبقى حبرًا على ورق أعلنها استباقاً كبديل لفشل اجتماعات القاهرة، وتمهيداً لما سيقدم عليه المجتمع الدولي من خطه بديلة لفشل ستيفاني ويليامز، إلا أن الدبيبة لن يغادر السلطة، كونه -هو الآخر- مرهونًا بموافقة جماعة الإسلام السياسي.

 

شروط نجاح خطة باشاغا

وبينما قال إن نجاح خطة باشاغا مرهون بقبول المجتمع الدولي لها، أكد أن الغرب الليبي يستعد لاندلاع أية مواجهات في أية لحظة بين مؤيدي الدبيبة وباشاغا، ما يجعل من  العاصمة طرابلس ساحة للحرب، بعد أن رفعت المليشيات المسلحة استعداداتها.

رؤية أخرى كان يمثلها المحلل الليبي كامل المرعاش، الذي أكد في تصريحات لـ«السياق»، أن بيان مجموعة "الأعلى للدولة"، سيزيد الضغوط على المشري، الذي مازال داعمًا قويا لحكومة الدبيبة، متوقعًا إسقاطه من رئاسة المجلس أو عقد جلسة تصويت لتغيير الرئيس، ما يقود إلى إسقاط حكومة الدبيبة المتشبتة بالسلطة.

كما توقع المرعاش أن يطالب نواب التوافق في المجلس الأعلى بعقد جلسة استثنائية لإبعاد خالد المشري الذي «أصبح المعرقل الأساسي لأي توافق مع البرلمان وإنهاء الانقسام السياسي والدفع باتجاه الاستقرار والمصالحة»، على حد قوله.

لكن تبقى عقبة مقر انعقاد هذه الجلسة، التي يصر خالد المشري على عقدها في طرابلس، تحت سيطرة الميليشيات التي ستمارس إرهاب النواب، لمنع أي تصويت بتنحية المشري، بحسب المحلل الليبي، الذي قال إن الأوضاع تتجه في طرابلس إلى المواجهة العسكرية.

وأشار إلى أن الدبيبة حسم أمره واختار الحرب على طرابلس من أجل الاحتفاظ بالسلطة، مؤكدًا أن تصريحاته عن السلام ونبذ الحروب تبددت وكشف عن وجهه الحقيقي، الساعي لإدخال طرابلس وليبيا في الاقتتال والحروب، من أجل الاحتفاظ بالمنصب.

 

حالة الفوضى

أما عن إعلان المشري استعداده للقاء عقيلة صالح، فقال المحلل الليبي إن رئيس الأعلى للدولة يراوغ ويناور ويظهر أنه مهتم بالتوافق، إلا أن كل أفعاله وأقواله مغايرة تمامًا، فهو يسعى إلى استمرار حالة الفوضى، لأنه أحد أكبر المستفيدين منها مع الميليشيات الموالية له، التي وحدتها المصالح والفساد.

وعن خطة باشاغا، أكد المحلل الليبي أنها ستزيد الضغوط على الدبيبة لكنها غير حاسمة، مشيرًا إلى أن التحركات العسكرية في طرابلس، خصوصًا من ميليشيات الزنتان المؤيدة لباشاغا، سيكون لها الدور الحاسم في إسقاط حكومة الدبيبة بالقوة العسكرية.

وكشف المرعاش عن سفر الدبيبة على عجل إلى تركيا -في زيارة غير معلنة- لطلب التدخل العسكري التركي لحماية حكومته من السقوط المحتوم- في حال حدوث مواجهة عسكرية في طرابلس.

تحركات سياسية

إلا أن المحلل السياسي الليبي فوزي الحداد، قال إن التطورات الحالية ما هي إلا تحركات سياسية عبر البيانات، لن تؤثر في تغيير أو إسقاط حكومة الدبيبة، مشيرًا إلى أن ما يحدث تكريس اصطفافات لكل الأطراف، لكن الحل غير قريب حتى الآن.

وبين خطة إنقاذ باشاغا وتعنت الدبيبة، قال المحلل الليبي، إن ليبيا تتجه إلى انقسام حكومي بدا يلوح في الأفق، خصوصًا بعد فشل مشاورات القاهرة، متوقعًا تكرار سيناريو حكومتي عبدالله الثني شرقي ليبيا وفايز السراج في الغرب، إلا أنه أكد أن المواجهة المسلحة مستبعدة في الأفق المنظور.