سيناريو ما بعد الغزو الروسي لأواكرانيا.. كيف ستحكم موسكو كييف؟
وصف الكاتب الاستراتيجية التي تتبناها روسيا تجاه أوكرانيا حاليًا، بأنها تقليدية قديمة تعتمد على إنشاء مناطق نفوذ من خلال الحكم بصورة غير مباشرة

ترجمات - السياق
يترقب العالم بقلق، التوترات على الحدود الأوكرانية، بعد التهديدات الروسية بغزو كييف، خاصة بعد فشل المفاوضات بين دول الغرب وروسيا في نزع فتيل التوتر، لكن هل تدعم الولايات المتحدة تمردًا مناهضًا لموسكو داخل أوكرانيا؟ وما الذي سيحدث في حال توغل روسي في أوكرانيا؟
أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، ديفيد إيه ليك، يجيب عن هذه الأسئلة، في تحليل بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، حيث ذكر أن غالبية الشعب الأوكراني لا تحبذ رئيسًا تابعًا أو مواليًا لروسيا في السلطة.
واستشهد بما أشار إليه أحد التقارير، بأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ستفكر في جعل نظام الحكم في أوكرانيا غير مُستتب، من خلال دعم مجموعات المقاومة المحلية وتزويدها بالأسلحة، وقد تدعم الولايات المتحدة أي مقاومة محلية إذا غزت روسيا أوكرانيا، بدلًا من استخدام قوات "الناتو" لردع العدوان الروسي، أو التحالف علنًا مع الحكومة الأوكرانية.
ورأى أنه إذا فعلت إدارة بايدن ذلك، سيبدو الأمر كأنه يمهد الطريق لتكرار دعم الولايات المتحدة لمجموعات متمردة أخرى، كالذي أدى إلى إنهاء الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979.
وأشار إلى أن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، والجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، حذرا نظراءهما الروس من أن أي توغل من شأنه أن يعقبه تمرد، وأنه سيكون ذات تكلفة باهظة، فضلًا عن كونه خطوة من المحتمل أن تسفر عن تمزيق أوكرانيا.
ضم كييف
واستبعد ديفيد إيه، تفكير روسيا في ضم أوكرانيا بصفة رسمية، في نسخة جديدة من الإمبراطورية السوفيتية، مشيرا إلى أنه رغم أن الموانئ والمنشآت البحرية في شبه جزيرة القرم، كانت تستحق عناء الاستيلاء عليها، فإن ما تبقى من أوكرانيا مجرد رمز أكثر من كونه أمرًا أساسيًا لأمن روسيا واقتصادها.
وعن الأسباب التي تجعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يفكر في غزو أوكرانيا، قال الكاتب: بدلًا من المخاطرة بأن تصبح موضع ازدراء دولي، لاعتدائها على سيادة دولة عضو معترف به في المجتمع الدولي، فقد تحاول موسكو -على الأرجح- تقويض سلطات الحكومة الحالية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وإدارة البلاد بصورة غير مباشرة، من خلال وكيل أوكراني موالٍ لروسيا، كما حدث في عهد فيكتور يانوكوفيتش، رئيس أوكرانيا بين عامي 2005 و2010.
وأوضح أنه بالقدر الذي يسعى به بوتين إلى عرقلة أي توسع لحلف الناتو في الشرق، يضمن هذا النهج أن القادة الموالين لروسيا -في الدول السوفيتية السابقة- سيرفضون أي دعوات غربية قد توجه إليهم.
ووصفت «واشنطن بوست» الاستراتيجية التي تتبناها روسيا تجاه أوكرانيا حاليًا، بأنها "تقليدية قديمة تعتمد على إنشاء مناطق نفوذ من خلال الحكم بصورة غير مباشرة".
وأشار إلى أنه رغم تعمد بوتين إخفاء دوافعه، فإنه يبحث على الأرجح عن أنظمة حكم عميلة، تعتمد على روسيا، ولديها الاستعداد لاتباع نهج الكرملين في السياسة الخارجية، موضحة أنه في أغلب الأحيان، تمارس القوى العظمى نفوذها، من خلال قلب الموازين السياسية داخل الدولة المستهدفة، لصالح الأحزاب المتعاطفة مع أولوياتها السياسية، ومن ثم فإنه بمجرد وصوله إلى السلطة، يضع هذا الحزب المنتصر بعض السياسات، التي تعود بالنفع عليه، وعلى القوة العظمى التي تقف وراء انتصاره السياسي.
الحكم غير المباشر
وذكر الكاتب أن جميع حالات الحكم غير المباشر، لا تعتمد على التدخل العسكري المباشر، إذ يُعد تدخل روسيا في بيلاروسيا عام 2020 لدعم ألكسندر لوكاشينكو والحملة الروسية الأخيرة في كازاخستان لدعم الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف، نموذجين صارخين على الحكم غير المباشر، وحينما تضمن روسيا أن لها عميلًا في السلطة، لن يستمر في الحكم بشكل مستقل، من المرجح أن يتبع ذلك تنفيذ نهج روسيا في السياسة الخارجية.
وأشار إلى أنه إذا واجه هؤلاء الموالون اضطرابات داخلية، سوف تتدخل القوة العظمى (روسيا) لضمان استمرار حكمهم.
فعلى سبيل المثال، أرسل التدخل الروسي السريع، الذي حدث قبل أسبوع في كازاخستان، إشارة أفادت بدعم بوتين للرئيس توكاييف، وساعد ذلك في إخماد الاحتجاجات واسعة النطاق، ونظرًا إلى أنه يعلم أن نظامه لم يصمد إلا بمساعدة روسيا، أصبح توكاييف حاليًا ممتنًا لموسكو ومدينًا لها.
وقال الكاتب: إذا كانت روسيا تخطط لغزو أوكرانيا لتعيين حكومة صديقة، ستكون الولايات المتحدة في وضع حرج لا تحسد عليه، ومن غير المرجح أن تسفر العقوبات الغربية المتزايدة، عن إثناء موسكو عن ذلك، لكن ربما يؤدي منع روسيا من التعامل مع الشبكات المالية الدولية، إلى الإضرار بالاقتصاد الروسي، إلا أن بوتين يأخذ تلك الأضرار المتوقعة في حساباته السياسية.
وفي ظل أن اللجوء للعمل العسكري المباشر ضد أي توغل روسي في أوكرانيا، أصبح خارج حساباتها بصورة واضحة، يبدو أن إدارة بايدن سلَّمت بأنها لن تدافع عن المنطقة، بينما تُبدي روسيا عزمًا أكبر في إطار بناء قواتها العسكرية، وبدلًا من ذلك، يشير بحثي -بحسب الكاتب- إلى أن الولايات المتحدة قد تستمر في دعم نظام الحكم العميل التابع لها في أوكرانيا، ضد نظام الحكم الذي ستدعمه روسيا.
السيناريو المحتمل
أما عن السيناريو المحتمل، الذي قد تلجأ إليه الولايات المتحدة للتعامل مع الحالة الأوكرانية، في حال أي غزو روسي، كشف الكاتب أن بعض مسؤولي إدارة بايدن، يجادلون بأن تقديم المعونات العسكرية وغيرها من المساعدات، إلى المجموعات الموالية للغرب داخل أوكرانيا، ستكون تكلفته منخفضة نسبيًا، إضافة إلى أنه يضمن عدم تمكن أي زعيم موالٍ لروسيا من تعزيز سلطته، فضلًا عن أن هذا الأمر سيؤدي في النهاية إلى تغيير سياسة الولايات المتحدة، من دعم حكومة في أوكرانيا أو أي دولة أخرى، إلى مجرد تقديم الدعم للجماعات أو المتمردين، الذين قد يجعلون حياة أي حاكم تدعمه روسيا "تعيسة".
ورأى أنه ربما تؤدي مساعدة الولايات المتحدة للمتمردين إلى زيادة التكاليف، التي تتحملها روسيا لدعم عميلها في السلطة، ما قد يضطر موسكو إلى دعم ذلك الرئيس عسكريًا، من خلال تزويده بالأسلحة والقوات، إضافة إلى دعم الاقتصاد، الذي سيكون على الأرجح من خلال توفير الغاز الطبيعي.
وأوضح أن الولايات المتحدة يحدوها الأمل، بأن يؤدي هذا السيناريو إلى إضعاف أي نظام، وزيادة التكاليف التي تتحملها موسكو، بالقدر الذي يدفعها إلى التخلي عن عميلها والعودة إلى أراضيها، كما حدث في محاولة الاتحاد السوفييتي الفاشلة في أفغانستان.