واشنطن بوست: تركيا ستدفع ثمنا باهظا لموقفها المحايد من أوكرانيا
رغبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الاعتماد على نية نظيره الروسي الحسنة تخاطر بدفع البلاد إلى هامش الناتو

ترجمات-السياق
حذرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، من أن تبني تركيا لموقف محايد بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا، سيكلفها ثمناً باهظاً.
وقالت الصحيفة، في تحليل لرئيس التحرير السابق لصحيفة هندوستان تايمز، بوبي جوش: بعد سنوات من العداء العلني، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى هدنة، لوقف تصريحاتهما المضادة لبعضهما، والآن الرئيسان على اتصال مباشر، حيث يحاول كل منهما التحدث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، للتوسط لإنهاء الحرب في كييف.
التوسط في الصراع
وأضاف جوش، وهو محرر الشؤون الدولية في مجلة تايم الأمريكية: رغم ذلك فإن أيًا من صانعي السلام المحتملين (أردوغان وماكرون) لم يحرز أي تقدم مع الرئيس الروسي، لكن الأخير يبدو أكثر تساهلاً إلى حد ما، مع فكرة التعامل مع الرئيس التركي كوسيط في الصراع.
وتابعت الصحيفة: "رغم إرساله المفاوضين إلى محادثات السلام في اسطنبول، فإن الرئيس الروسي لم يظهر أي اهتمام بإنهاء الحرب، كما توقفت المفاوضات بشكل مفاجئ بعد الكشف -الأسبوع الماضي- عن الفظائع التي جرى ارتكابها ضد المدنيين الأوكرانيين في بوتشا، لكن تركيا ما زالت متمسكة بالأمل في استئناف المحادثات".
إهانة ماكرون
رأت الصحيفة أن إهانة بوتين لماكرون، قد تكون أحد العوامل المؤثرة في فرص إعادة انتخابه بجولة الإعادة هذا الشهر، إذ إنها أدت لتقويض مزاعمه بوضع فرنسا في قلب الشؤون الأوروبية، وهو ما كان أحد المواضيع الرئيسة التي جرى طرحها خلال حملته الانتخابية، بينما لن يحتاج أردوغان إلى مواجهة الناخبين الأتراك عامًا آخر، ولذا فإن فشل التوسط في السلام، لا يحمل أي خطر سياسي فوري عليه، لكن هناك تكاليف جيوسياسية واقتصادية لن يكون بإمكانه تجاهلها.
وأشارت الصحيفة إلى أنه كلما طال أمد الحرب، سيكون من الصعب على تركيا الحفاظ على حيادها المدروس بعناية، إذ كانت حسابات أردوغان -بداية الصراع- تتمثل في أنه سيتمكن من استخدام صداقته ببوتين كوسيلة للضغط على الغرب، كما كان يعتقد أن "الناتو" سيكون حريصاً في الوقت نفسه على إبقائه في المعسكر الغربي، وسيسعد لاستخدامه قناة خلفية للتواصل مع صديقه العزيز (بوتين) في موسكو، حتى أنه اعتقد أن قادة الحلف قد يغفرون تجاوزاته، مثل شرائه أنظمة دفاع صاروخي روسية، رغم اعتراضات "الناتو" على الأمر، وهو ما جعل تركيا محل شكوك من حلفائها، بخلاف تعرضها للعقوبات الأمريكية.
الناتو وروسيا
لفتت الصحيفة إلى أن أردوغان أعرب عن أمله بأن يساعد استخدام أوكرانيا الناجح للطائرات العسكرية التركية من دون طيار ضد الغزاة الروس، في التغلب على فكرة أنه يقف إلى جانب الأشرار في الصراع، كما دعا "الناتو" صراحة إلى إنهاء حظر الأسلحة المفروض على بلاده، الأمر الذي رأت الولايات المتحدة وأعضاء الحلف أنهم كانوا محقين في عدم الالتزام به، إذ إنه في حال كان الزعيم التركي يرغب في التمتع بالامتيازات التي تأتي مع عضوية "الناتو"، فإنه يتعين عليه أن ينضم إلى الإجماع الموجود في الحلف، وإذا لم يفعل ذلك، سيجد نفسه مدفوعاً إلى ما هو أبعد من هامش "الناتو" مع غرق الاقتصاد التركي في حفرة عميقة.
ووفقاً للصحيفة، فإنه مع حشد حلف الناتو لصفوفه ضد روسيا، وتخلي ألمانيا عن موقفها السلمي تجاه موسكو، فإن صبر الأعضاء على تبني تركيا للحياد ينفد، إذ يصعب تبرير رفض أردوغان الانضمام إلى التحالف الغربي، في فرض عقوبات صارمة على موسكو، وسط تزايد الأدلة على جرائم الحرب الروسية، وفي الوقت الذي بدأت فيه سويسرا تنفيذ تلك العقوبات، ليس من الجيد بالنسبة لأنقرة أن يستخدم أصدقاء بوتين المقربون من الأوليجارشية تركيا، لإخفاء يخوتهم الفاخرة وحقائبهم المليئة بالنقود.
ولن يساعد دفع الروس لرسوم رسو يخوتهم أو شرائهم الشقق الفاخرة في تغطية التكلفة التي تفرضها الحرب على الاقتصاد التركي، إذ بلغ معدل التضخم أعلى مستوياته في 20 عاماً، وارتفعت أسعار المستهلك 61.1% في مارس الماضي، مقارنة بـ 54.4% في فبراير من العام الماضي، وفقاً للصحيفة.
الحياد من الحرب
ذكرت الصحيفة أنه سيكون من الصعب على المستثمرين ألا يلاحظوا مدى تأثر الاقتصاد التركي بموقعها المحايد من الحرب، إذ إنه بداية أبريل الجاري، خفضت وكالة "إس أند بي جلوبال ريتينجز" تصنيفها الائتماني للعملة المحلية لتركيا إلى "بي بلس"، أي أقل بأربعة مستويات من المستوى الاستثماري، مشيرةً إلى تأثير ارتفاع أسعار الطاقة الذي تسببت فيه الحرب الروسية في أوكرانيا، بينما قالت مؤسسة "ستاندرد آند بورز": "تداعيات الصراع الحالي، بما في ذلك ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ستزيد إضعاف ميزان المدفوعات التركي الهش، وتفاقم التضخم الذي في طريقه إلى 55% في المتوسط عام 2022، وهو أعلى مستوى بين الهيئات السيادية التي نصنفها".
وقالت الصحيفة: حتى إذا كان أردوغان غير راغب في فرض عقوبات على موسكو، فإن الإجراءات الروتينية تؤدي لتعقيد المشاريع الروسية الكبيرة في أنقرة، إذ إنه على سبيل المثال، واجه بناء محطة للطاقة النووية بـ 20 مليار دولار مشكلة لأن شركة البناء الروسية "Rosatom Corp"، التي تسيطر عليها الدولة، تواجه صعوبة في الحصول على المعدات من دول أخرى.