نيويورك تايمز: أمريكا تفتقر إلى صورة واضحة لاستراتيجية أوكرانيا في الحرب
السرية الأوكرانية... استراتيجية لعدم إضعاف عزيمة جنودها أم محاولة للاحتفاظ بالمساعدات العسكرية الغربية؟

ترجمات - السياق
مع دق طبول الحرب بين روسيا وأوكرانيا، امتلأت ساحات مواقع التواصل الاجتماعي بالصور والمقاطع، التي تكشف تطورات الحرب التي انطلقت قبل قرابة أربعة أشهر.
تلك المقاطع التي كانت أوكرانيا تروِّجها أحيانًا لإظهار ما وصفتها بـ«فظاعات» الجانب الروسي والانتهاكات التي يرتكبها يومًا تلو الآخر، قوبلت بأخرى من روسيا موجَّهة لمواطنيها، تكشف «انتصاراتها» وتعاملها «الإنساني» مع أسرى الحرب.
ومع الحرب الإعلامية بين روسيا وأوكرانيا، التي لم تقل ضراوة عن تلك التي تجرى وقائعها على الأرض، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يقدِّم تحديثات شبه يومية لـ «الغزو الروسي» على وسائل التواصل الاجتماعي، أظهرت فعالية الأسلحة الغربية في أيدي القوات الأوكرانية.
ورغم تدفق هذه الأخبار إلى الجمهور، فإن وكالات الاستخبارات الأمريكية لديها معلومات أقل مما تريد بشأن عمليات أوكرانيا، بينما لديها على الجانب الآخر صورة أفضل بكثير عن الجيش الروسي وعملياته المخطط لها ونجاحاته وإخفاقاته، وفقًا لمسؤولين حاليين وسابقين.
وبينما تقول «نيويورك تايمز» إن الولايات المتحدة تقدم تحديثات استخبارية منتظمة وشبه فورية لأوكرانيا عن مواقع القوات الروسية، والمعلومات التي يستخدمها الأوكرانيون للتخطيط للعمليات والضربات وتعزيز دفاعاتهم، فإنها لا تجد في المقابل من كييف معلومات تفصيلية لعملياتها، بل فقط أهدافًا استراتيجية.
نقاط عمياء
تلك المعضلة، تجعل من الصعب على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تقرر كيفية استهداف المساعدات العسكرية، لأنها ترسل أسلحة بمليارات الدولارات إلى أوكرانيا، بحسب «نيويورك تايمز»، التي قالت إن هناك بعض النقاط العمياء في المعلومات المتوافرة لدى أمريكا عن القوات الأوكرانية وخسائرها في المعارك اليومية وخططها.
وقال مسؤولون أمريكيون إن الحكومة الأوكرانية أعطتهم القليل من الإحاطات أو التفاصيل عن خططهم العملياتية، وهو ما أقره المسؤولون الأوكرانيون مؤكدين أنهم لم يخبروا الأمريكيين بكل شيء.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إنه بينما تجمع أجهزة الاستخبارات الأمريكية معلومات عن كل دولة تقريبًا، بما في ذلك أوكرانيا، تركز وكالات التجسس الأمريكية -بشكل عام- جهودها على الحكومات المعادية، مثل روسيا، وليس الأصدقاء الحاليين مثل أوكرانيا.
وبينما كانت روسيا على رأس أولويات الجواسيس الأمريكيين 75 عامًا، عملت أمريكا على بناء جهاز الاستخبارات في أوكرانيا وليس التجسس على حكومتهم، بحسب «نيويورك تايمز».
تساؤلات أمريكية
«ما مقدار ما نعرفه حقًا عن أداء أوكرانيا؟» وهل يمكنك العثور على شخص يخبرك بثقة كم عدد القوات التي خسرتها أوكرانيا، وكم عدد المعدات التي فقدتها أوكرانيا؟ تساءلت المسؤولة الاستخباراتية الكبيرة السابقة بيث سانر.
ورغم تلك التساؤلات، التي ولدت صورة غير كاملة للاستراتيجية والوضع العسكري لأوكرانيا، فإن إدارة بايدن دفعت بقدرات جديدة إلى الأمام، مثل أنظمة المدفعية الصاروخية التي أعلنها الرئيس بايدن الأسبوع الماضي، بحسب «نيويورك تايمز»، التي قالت إن كييف تنتظر وصول أنظمة أسلحة غربية أكثر قوة، لمساعدتها في الحرب التي تكبد طرفاها خسائر فادحة بمنطقة دونباس الشرقية.
ويقول مسؤولو البنتاغون، إن لديهم عملية لإرسال الأسلحة في مكانها، تبدأ بطلب من الأوكرانيين وتتضمن تقييمًا أمريكيًا للمعدات التي يحتاجون إليها ومدى إتقانها.
استعادة الأراضي... أمر محال
تقول بعض الوكالات الأوروبية إنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل على أوكرانيا، استعادة الأرض التي احتلتها روسيا منذ العملية العسكرية في فبراير الماضي، لكن وكالات المخابرات الأمريكية أقل تشاؤمًا، حسبما قال مسؤولون.
ومع ذلك، لا تزال هناك تصدعات في دفاعات أوكرانيا، كما أن التساؤلات عن حالة القوات العسكرية الأوكرانية واستراتيجيتها في دونباس شكلت صورة غير مكتملة للولايات المتحدة، بحسب «نيويورك تايمز».
أفريل د. هينز، مدير المخابرات الوطنية، الذي أدلى بشهادته في جلسة استماع بمجلس الشيوخ -الشهر الماضي- قال إنه «كان من الصعب للغاية معرفة المساعدة الإضافية التي يمكن أن تستوعبها أوكرانيا»، مضيفًا: لدينا، في الواقع نظرة ثاقبة على الجانب الروسي أكثر من الجانب الأوكراني».
أحد الأسئلة الرئيسة: ما الإجراءات التي يعتزم زيلينسكي أن يطالب بها في دونباس؟ لتجيب «نيويورك تايمز»: أوكرانيا تواجه خيارًا استراتيجيًا هناك، إما سحب قواتها وإما المخاطرة بتطويقها من قِبل روسيا.
وفي الأيام الأخيرة، قدَّمت أوكرانيا المزيد من المعلومات، بعد أن زار زيلينسكي –الأحد- الخطوط الأمامية، ووصف القتال في سيفيرودونيتسك -وهي مدينة أساسية للسيطرة على دونباس- بأنه «صعب للغاية».
خيارات استراتيجية
وبينما أقر الرئيس الأوكراني بأن ما يصل إلى 100 جندي أوكراني يموتون يوميًا، متحدثًا عن كيف استولت روسيا على خُمس مساحة البلاد، قال محللون إن تصريحات الحكومة العامة الأكثر صراحة قد تكون مقدمة لمحادثة مع سكانها عن الخيارات الاستراتيجية التي يتعين اتخاذها في دونباس.
وقال ستيفن بيدل، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة كولومبيا: «من المحتمل أن يكون هناك نقاش عن سحب جميع الدفاعات التي قد تكون عالقة في حالة بقائهم»، مضيفًا: "إذا كان هناك انسحاب متعمد، يتعين على زيلينسكي أن يشرح بطريقة ما أنه لا يبدو أنه يلقي بالشكوك على الأسلحة الأوكرانية".
وأضاف أستاذ الشؤون الدولية في جامعة كولومبيا: «يتعين عليه سرد قصة ما للشعب الأوكراني إذا قرروا سحب تلك القوات، وشرح الخسائر التي قد يتكبدونها إذا بقوا بطريقة منطقية لذلك».
وتقدم الولايات المتحدة تحديثات استخبارية منتظمة وشبه فورية لأوكرانيا عن مواقع القوات الروسية، والمعلومات التي يستخدمها الأوكرانيون للتخطيط للعمليات والضربات وتعزيز دفاعاتهم.
لكن حتى في المحادثات رفيعة المستوى مع الجنرال مارك أ. ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أو لويد جيه أوستن الثالث، وزير الدفاع، فإن المسؤولين الأوكرانيين يشاركون فقط أهدافهم الاستراتيجية، وليس خططهم العملياتية التفصيلية، بحسب «نيويورك تايمز».
السرية الأوكرانية
وقال مسؤولون أمريكيون إن السرية الأوكرانية أجبرت مسؤولي الجيش والمخابرات الأمريكيين على محاولة معرفة ما يمكنهم تعلمه من دول أخرى تعمل في أوكرانيا، ودورات تدريبية مع الأوكرانيين وتعليقات زيلينسكي العلنية.
وقال المسؤولون إن أوكرانيا تريد تقديم صورة قوتها، سواء للجمهور أم لشركائها المقربين، مشيرين إلى أن الحكومة الأوكرانية لا تريد مشاركة المعلومات التي قد تشير إلى إضعاف العزيمة، أو إعطاء الانطباع بأنهم قد لا يفوزون.
وأشاروا إلى أن المسؤولين الأوكرانيين لا يرغبون في تقديم معلومات قد تشجع الولايات المتحدة وشركاءها الغربيين على إبطاء تدفق الأسلحة.
وبناءً على طلب من الولايات المتحدة، أمضت أوكرانيا سنوات في تشديد حماية أجهزتها العسكرية والاستخباراتية من الجواسيس الروس، ما ألقى تحذيرات من إمكانية إطلاع الدول الأخرى على خطط كييف ووضعها العملي، ما يولد ثغرات ونقاط ضعف قد تستغلها موسكو.
أسباب وجيهة
وقال الدكتور بيدل إن هناك أسبابًا وجيهة لأوكرانيا لعدم التحدث بصراحة عن قواتها أو استراتيجيتها العسكرية، مضيفًا: "لست متأكدًا من أنه من مصلحة الجمهور الأمريكي أو الأوكراني أن يكون الأوكرانيون أكثر صراحة بشأن خسائرهم".
وبينما قال إن من شأن إتاحة تلك المعلومات تعزيز المجهود الحربي الروسي، أكد مسؤول أمريكي كبير أن الولايات المتحدة لديها تقديرات أفضل للخسائر الروسية والخسائر في المعدات.
وتقدر وكالة الاستخبارات الدفاعية، على سبيل المثال، أن عدد الجنود الأوكرانيين الذين قُتلوا في المعركة يشبه العدد الروسي، لكن الوكالة لديها مستوى أقل بكثير من الثقة في تقديرها للخسائر الأوكرانية.
وقال الدكتور بيدل إن الصورة التي قدَّمها المسؤولون الأمريكيون عن حرب طاحنة، ولم يستطع أي من الجانبين إحراز أي تقدم حاسم فيها، تبدو دقيقة، إلا أنه مع ذلك، فإن المعلومات العامة عن الخسائر في أرواح الأوكرانيين وخسائر المعدات والروح المعنوية غير كاملة.
لكن قد تكون هناك تكلفة محتملة، إذا لم تتمكن وكالة الاستخبارات من تقديم صورة أكمل للجمهور أو الكونجرس عن الآفاق العسكرية لأوكرانيا، كما قالت سانر، مشيرة إلى أنه إذا تقدمت روسيا أكثر، فإن الفشل في فهم حالة الجيش الأوكراني، يمكن أن يضع وكالة الاستخبارات أمام اتهامات بأنها فشلت في تقديم صورة كاملة عن آفاق أوكرانيا في الحرب إلى صانعي السياسة.