هل تستطيع سوريا التعامل مع عقيدة الأخطبوط الإسرائيلية الجديدة؟
إعلان العقيدة الإسرائيلية الجديدة، يأتي وسط توترات مع إيران، بينها الانتقادات الموجهة لها من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وما سبقها من اغتيال مسؤول بارز في الحرس الثوري الإيراني، والتهديدات الإيرانية للمصالح الإسرائيلية في تركيا، وأخيرًا استهداف إسرائيل لمواقع مهمة في سوريا

ترجمات - السياق
تساءلت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، عن إمكانية قدرة سوريا على التعامل مع "عقيدة رأس الأخطبوط" الجديدة، التي أعلنها رئيس وزراء إسرائيل، نفتالي بينيت مؤخرًا، بشأن التعامل مع إيران، من خلال تطبيق "مبدأ استهداف رأس الأخطبوط بدلًا من المخالب".
وقال بينيت في تصريحات صحفية: "لقد أنشأنا معادلة جديدة من خلال استهداف المنبع".
وأشارت تقارير صحفية إلى أن الهجمات الإسرائيلية ركزت -في الماضي- على برنامج إيران النووي والعلماء المرتبطين به، مشيرة إلى أنه عند استهداف الحرس الثوري الإسلامي وفيلق القدس، كان ذلك في دولة ثالثة مثل سوريا.
لكن الآن، تهاجم إسرائيل، مجلس الأمن الداخلي لإيران أيضًا، إذ إنها في فبراير، قصفت مصنعًا للطائرات المسيرة يتبع الحرس الثوري غربي إيران، وفي مايو اغتالت أحد قادته في العاصمة الإيرانية طهران، بحسب المجلة.
لماذا سوريا؟
وحسب "جيروزاليم بوست" فإن إعلان العقيدة الإسرائيلية الجديدة، يأتي وسط توترات مع إيران، بينها الانتقادات الموجهة لها من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وما سبقها من اغتيال مسؤول بارز في الحرس الثوري الإيراني، والتهديدات الإيرانية للمصالح الإسرائيلية في تركيا، وأخيرًا استهداف إسرائيل لمواقع مهمة في سوريا.
أما سوريا، فإن إعلان عقيدة الأخطبوط الجديدة، جاء بعد أن حملت دمشق، تل أبيب، مسئولية شن غارات جوية داخل أراضيها.
وتعليقًا على ذلك، قال سيث جي فرانتزمان المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل في تحليل بالصحيفة الإسرائيلية: من الواضح أن سوريا ستكون المكان الذي يحدث فيه جزء من المبدأ الإسرائيلي الجديد، وإن كانت الأراضي السورية في مرمى النيران بالفعل.
وأشار إلى أن إيران تستخدم سوريا الواقعة بين لبنان والعراق كجزء من طريقها إلى البحر، وذلك يعني أنها تهرب الأسلحة عبر سوريا وتوجه حزب الله ووكلاء آخرين هناك لتهديد إسرائيل، لافتة إلى أنه في ظل التهديد الإيراني بسوريا، زادت العمليات الإسرائيلية ضد ترسيخ الإيرانيين لنفوذهم هناك خلال العقد الماضي، وابتداءً من عام 2017، بدأ المسؤولون الإسرائيليون يتحدثون بصراحة أكبر عن مواجهة إيران في سوريا، متعهدين بوقف نفوذها.
وأوضح أن إيران تنقل أيضًا طائرات من دون طيار إلى سوريا لتهديد إسرائيل، إذ إنها منذ عام 2018 حاولت نقل دفاعاتها الجوية، مثل نظام خرداد الثالث إلى سوريا.
وحسب الصحيفة، ألمح بينيت -عندما كان وزيرًا للدفاع- إلى ضرورة انسحاب إيران من سوريا سريعًا، مشيرة إلى أن إسرائيل شنت آلاف الغارات الجوية، في الوقت الذي سعت فيه إيران لتوسيع نطاق تهديداتها لإسرائيل، من خلال تحليق طائرة من دون طيار واحدة على الأقل من العراق عام 2021.
الحرب بين الحروب
ويرى فرانتزمان، أن عقيدة الأخطبوط بُنيت ظاهريًا على مبدأ "الحرب بين الحروب"، حيث إن هذا الصراع اللانهائي بين إيران وإسرائيل مبني على الصمت، إذ تعمل إسرائيل على سياسة "جز العشب" من خلال الحد من التهديد الإيراني في سوريا.
ويتابع: "السؤال الآن ليس فقط كيف يمكن أن يكون رد فعل النظام السوري على التوترات الأخيرة، ولكن أيضًا ما إذا كان النظام السوري يستطيع التعامل مع العقيدة الجديدة، وماذا يمكن أن يفعل هذا النظام الذي يمتلك صواريخ إس 300 وإس 400 الروسية؟".
وأشار إلى أنه غالبًا ما تطلق سوريا هذه النيران على نطاق واسع، إذ أطلقت صاروخًا على الأردن عام 2017، ما حدا بإسرائيل لإطلاق نظام آرو الدفاعي، كما أطلقت صاروخًا في صحراء النقب بالقرب من مفاعل ديمونا، وصاروخًا آخر ضرب قبرص.
وقال الكاتب: حتى بعد أن قالت روسيا إنها ستزود النظام السوري بصواريخ إس 300 لم يكن أداء النظام أفضل بكثير، وهو ما يعني أن النظام لا يستطيع فعل الكثير لوقف العمليات الإسرائيلية ضد إيران في سوريا.
وبيّن أنه في إطار ذلك، لا يستطيع نظام الأسد تحسين أنظمة الدفاع الجوي أو زيادة رادارتها، خصوصًا مع الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث إنه ليس من الواضح إذا كان بإمكان موسكو توفير أجزاء جديدة من دفاعها الجوي وراداراتها للنظام السوري.
مكاسب إيرانية
وحسب الصحيفة، تشير تقارير إلى أنه إذا انسحبت روسيا من سوريا، فقد تستفيد إيران وتعيد ملء طاقتها مجددًا، حيث يمكن لطهران أيضًا استخدام انشغال موسكو في أوكرانيا لزيادة دورها.
وأشارت إلى أن إيران قد أعادت العمل في قاعدة "الإمام علي" بالقرب من البوكمال، إلا أنه ليس من الواضح مدى استخدامها لقاعدة التياس الجوية العسكرية بعد الآن في ريف حمص، ورغم ذلك فإن إيران لا تزال نشطة في تهديدها لإسرائيل.
وذكرت أن إيران استخدمت سوريا لضرب القوات الأمريكية في ثكنة التنف شرقي سوريا، حيث شنت إيران ووكلاؤها نحو 29 هجومًا على القوات الأمريكية في العراق وسوريا منذ أكتوبر الماضي.
وأوضح فرانتزمان، أن إيران تفعل عمل وكلائها في العراق باستمرار، إذ شكّل الحرس الثوري مجموعات جديدة في سنغار لتهديد الولايات المتحدة في أربيل، وكذلك إطلاق صواريخ على قاعدة تركية بالقرب من بعشيقة، وذلك يعني أن إيران ليست محاصرة، بل تشعر بالقوة.
وأشار إلى أنه بعد انتقاد الوكالة الدولية للطاقة الذرية لطهران بشأن برنامجها النووي، قلصت تعاونها مع الوكالة النووية الدولية والمجتمع الدولي، بينما زادت الحرب الروسية في أوكرانيا من توطيد علاقاتها بالصين.
فقد استولت طهران مؤخرًا على سفينتين يونانيتين، إذ تعتقد أنها تتمتع بالإفلات من العقاب، وهو ما يعني أن سوريا قد تستمر في دفع ثمن أفعال إيران الطائشة.
الرد الإسرائيلي
وعن رد فعل النظام السوري، تساءل فرانتزمان، "كيف سيكون رد فعله، وهل يمكنه التعامل مع الإجراءات المتزايدة من قِبل إسرائيل؟ وهل يمكن أن يؤدي خوف النظام من وقوع هجمات كبيرة أو الإضرار بالبنية التحتية الاستراتيجية، مثل المطار، إلى الاتكاء على إيران أكثر؟ أم سيحاول إيجاد طريقة لتقليل استهداف دولته؟ وهل تستمع طهران بالفعل لسوريا؟
ويضيف الكاتب: "يبدو أن مزاعم إسرائيل بأنها تريد العمل ضد رأس الأخطبوط تعني أيضًا أن إيران نفسها قد تدفع ثمن تهديداتها المستمرة، ومع ذلك فإن التقارير الواردة -حتى الآن- من سوريا، التي تدعي وقوع غارات جوية كبيرة على المطار ليلة 9-10 يونيو 2022، يبدو أنها تعني أن دمشق حتى الآن في مرمى النيران".
وحسب الكاتب، تشير وفاة العديد من أعضاء الحرس الثوري الإيراني في إيران، والادعاءات بحدوث بعض الحوادث في مجمع بارشين العسكري الإيراني، إلى مخاوف إيرانية من أنها مستهدفة أيضًا.
بينما في المقابل -حسب الكاتب- هاجمت إيران أربيل باستخدام الصواريخ، وشجعت الوكلاء على مهاجمة إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي، لأن إيران تبدو قلقة أيضًا من مواجهة إسرائيل مباشرةً، حيث تفضل ضرب الأهداف السهلة، مثل الناقلات التجارية قبالة سواحل اليمن أو عُمان.
على هذا النحو -يضيف الكاتب- قد لا تكون لدى إيران خيارات رئيسة -حتى الآن- لمعارضة العقيدة الإسرائيلية الجديدة، لافتًا إلى أنه رغم أن طهران أشارت إلى أنها قد تزيد من تحركات حزب الله في لبنان، فإن وجودها في سوريا القضية الحقيقية.
وأوضح أن إيران تسعى -من خلال وجودها في سوريا- إلى توفير تهديد لا يشمل فقط نقل الأسلحة إلى لبنان ولكن أيضًا نقل أعضاء حزب الله بالقرب من الجولان، وإقامة قواعد طائرات من دون طيار وصواريخ في سوريا ، وتوفير فرصة لحرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل.
ورأى أن إيران تريد أيضًا نقل الميليشيات العراقية إلى سوريا، كما تستخدم مرتزقة آخرين للسيطرة على رقعة من سوريا من البوكمال إلى دير الزور.
وبيّن الكاتب أن كل ذلك يعني أن الأخطبوط الإسرائيلي سيستهدف سوريا لا محالة، مشددًا على أنه يتعين على دمشق أن تزن ما قد تعنيه العقيدة الإسرائيلية الجديدة، في الوقت الذي تتزايد احتمالات عملية عسكرية تركية جديدة شمالي سوريا، متسائلًا عما إذا كانت روسيا ستخرج قوات بالفعل من سوريا للتعامل مع الأزمة الأوكرانية.
وقال: النظام السوري -ببساطة- لا يستطيع السيطرة على كل هذه المشكلات دفعة واحدة، لذلك من المؤكد أن جولة جديدة من الضغط على إيران بسوريا ستؤثر فيه، وستجبره أيضًا على اتخاذ خيارات صعبة.